عن تراجع القطاع العام واصلاحه
في الوقت الذي تتوالى فيه التصريحات الرسمية عن إعادة تشغيل 26 منشأة صناعية عامة حتى الآن ، تشير نتائج أعمال القطاع العام الصناعي عن النصف الأول من عام 2015 الى استمرار التراجع الواضح في كافة المؤشرات الاستثمارية والانتاجية والتجارية والعمالية منذ بداية الأزمةفي عام 2011. فقد انخفض الناتج المحلي الإجمالي لهذا القطاع خلال النصف الأول من عام 2015 الى نحو 13 مليار ليرة سورية وكان قد بلغ في عام 2014 نحو 48 مليار ليرة متراجعاً من حوالي 59 مليار في عام 2011.
كما تراجعت مبيعاته خلال النصف الأول من عام 2015 على الرغم من رفع أسعار منتجاته الى نحو 38.6 مليار ليرة سورية وكانت في نهاية عام 2014 نحو 83.6 مليار ليرة سورية متراجعة من حوالي 127 مليار في عام 2011 .
كذلكاستمرت صادرات القطاع العام الصناعي بالتراجع خلال النصف الأول من عام 2015، حيث بلغت قرابة 6 مليون دولار فقط منها 5.9 مليون دولار صادرات المؤسسة العامة للصناعات الكيمائية من السماد .وكانت صادرات القطاع العام الصناعي قد بلغت في عام 2014 نحو 68.2 مليون دولار منها 36 مليون صادرات مؤسسة التبغ و31.8 مليون دولار صادرات المؤسسة العامة للصناعات الكيميائية من الأسمدة. في حين كانت في عام 2011 بحدود 163.7 مليون دولار منها 104 مليون دولار صادرات نسيجية و37.8 مليون دولار صادرات اقطان و16 مليون صادرات غذائية .
كما تراجع عدد المشتغلين فيه من 69405 عاملاً في عام 2011 إلى 54051 في عام 2014 و إلى 54715 لغاية النصف الأول من عام 2015 ويعود سبب هذا التراجع إلى نقل حوالي 15000 عامل من الشركات المتوقفة إلى جهات عامة اخرى وعدم تعويض التسرب الناجم عن الاستقالة أو ترك العمل لأسباب مختلفة. وهنا تجدر الإشارة إلى انخفاض المستوى التعليمي لليد العاملة في القطاع العام الصناعي والتي تتوزع بين 63% من حملة الاعدادية وما دون و28% من حملة الثانوية والمعاهد متوسطة و9% فقط من حملة الشهادات الجامعية . حيث يشير هذا الواقع إلى الوضع التكنولوجي المتردي للصناعة السورية واعتمادها بشكل أساسي على العمل اليدوي ويمستوى تعليمي متدن الأمر الذي لايحقق قيمة مضافة كبيرة من خلال مهارة اليد العاملة ومستوى تعليمها وتدريبها وتكنولوجيا الصناعات التي تعمل فيها ما يتطلب إعطاء الأهمية المناسبة لتحسين التركيب التعليمي للعاملين فيها.
إلا أن ما تثير التساؤل والقلق هو تراجع الاستثمارات الفعلية المنفذة في القطاع العام الصناعي التي لم تتجاوز في النصف الأول من هذا العام 4 مليون ليرة سورية فقط بنسبة تنفيذ 001% من الاعتمادات المرصدة لكامل عام 2015 والبالغة 2.986 مليار ليرة سورية . في حين بلغت الاستثمارات الفعلية التي نفذها هذا القطاع خلال العام الماضي نحو 1.7 مليار ليرة سورية تم فيها إعادة تأهيل بعض المعامل في المؤسسة العامة للصناعات الهندسية وغيرها . مع التذكير بأن الاستثمارات الفعلية للقطاع العام الصناعي التابع لوزارة الصناعة وصلت في عام 2010 الى نحو 5.7 مليار ليرة سوريةو2.9 مليار في عام 2011 .
نتائج تتبع الخطة الانتاجية بالكميات لشركات القطاع العام لغاية النصف الأول من عام 2015 تشرح أسباب تراجع المؤشرات المالية التي وردت أعلاه حيث كانت أعلى نسبة في انتاج السجائر 39% وتدرجت إلى 28% في المياه المعدنية و27% في الكابلات والخميرة و18% في الاسمنت و14% في السماد الفوسفاتي و12% في الألبسة الداخلية و6% في زيت القطن و4% في القطن المحلوج و1% في الغزول القطنية .
واذا كان من المتعارف عليه أن نسب تنفيذ النصف الأول من خطة العام بالنسبة لبعض المؤشرات كالاستثمارمثلاً ليس من الضروري أن تصل إلى 50% من الهدف المخطط لكامل العام بسبب اجراءات التحضير والتنفيذ إلا أن ذلك لايعني تبرير هذه النسب المنخفضة جداً خاصة وأنها ترافقت مع تردي نسب تنفيذ كافة المؤشرات الانتاجية والتسويقية والتشغيلية الأخرى ،الأمر الذي لايمكن تبريره أوارجاعه لهذا السبب.والسؤال الذي يطرح دائماً في مثل هذه الحالة هو: اذا لم تكن هناك امكانية أو رغبة بتمويل الخطط الاستثمارية للقطاع العام الصناعي فلماذا يتم رصد أرقام كبيرة في كل سنة يكون من المعروف سلفاً أنها لن تنفذ؟!
من هنا تبرز اليوم مجدداً وبشكل ملح مسألة إعداد وتنفيذ برنامج وطني متكامل لإصلاح القطاع العام الصناعي – في إطار الالتزام بالتعددية الاقتصادية – يركز بشكل أساسي على تحسين بيئة عمل هذا القطاع الإدارية والتنظيمية والمالية والإنتاجية وأسلوب اختيار إداراته، بما يؤدي إلى معالجة مشاكله وتمكينه للتحول إلى إلى قطاعً رابح منافس قادر على البقاء والتوسع بإمكانياته الذاتية . مع التأكيد على ضرورة أن يتم إعداد هذا البرنامج وتنفيذه وفق جدول مادي وزمني واضح ومحدد يترافق معإعداد دراسات جدوى اقتصادية وفنية موسعة للشركات التي دمرت بفعل الأزمة سواء لتغيير نشاطها أومتابعة نشاطها القديم . ويمكن تنفيذ عملية إعادة تأهيل أو تغيير نشاط عدد من هذه الشركات عن طريق تحويلها إلى شركات مساهمة عامة أو مشتركة عامة أو محدودة المسؤولية أو وفق نظام B0T لكن ليس بالشكل الذي تم بخصوص معمل اسمنت عدرا بل من خلال الاعلان والمنافسة واختيار العرض الأنسب فنياً ومالياً لمصلحة هذه الشركات والاقتصاد الوطني .
التعليقات الجديده