الصناعة السورية وتحديات المستقبل
* فؤاد اللحام
1. مقدمة:
تشهد السوق السورية في هذه الأيام غزواً غير مسبوق من السلع الصناعية المتنوعة ، بدأً من الآلات والمعدات، مروراً بالألبسة والمفروشات والمنظفات، وصولاً إلى المنتجات الغذائية بما فيها عبوات المياه العادية والغازية وحتى عبوة البسكويت بقيمة خمس ليرات سورية .كما تنقل الصحافة أخباراً مؤسفة عن إغلاق المزيد من المنشآت الصناعية ، ما يدفعنا جميعاً إلى التساؤل: ماذا يجري للصناعة السورية وماذا ينتظرها ؟.
هذا الوضع جعل الصناعة السورية وأوضاعها الصعبة مثار اهتمام أوسع الفئات في المجتمع، و في مقدمة اهتمام الإعلام والعديد من الجهات المعنية العامة والخاصة والأهلية. وإذا كنا جميعاً نتفق على دقة وخطورة المرحلة التي تمر بها الصناعة السورية، إلا أننا في كثير من الأحيان لا نتفق على تشخيص المشاكل و تحديد الأولويات وبالتالي أسلوب المعالجة ونطاقها وآلية تنفيذها، خاصة في ظل محدودية الفرص وضغط الوقت وجسامة التحديات.
واجهت الصناعة السورية خلال السنوات الخمس الأخيرة مجموعة هامة من الأحداث والظروف الصعبة من أهمها:
1- تحرير التبادل التجاري وفتح السوق السورية نتيجة استكمال تنفيذ الاتفاقيات الجماعية والثنائية مع عدد من البلدان العربية وتركيا، مع ما رافق هذه العملية من حالات تزوير شهادات المنشأ ،وتلاعب في تقديم الأسعار الحقيقية للمستوردات الصناعية،وعدم التقيد والتدقيق في مواصفات السلع المستوردة .
2- رفع أسعار المحروقات داخلياً وانعكاس ذلك على مختلف أسعار السلع والخدمات – إضافة إلى أثر الجفاف – ما أدى إلى ارتفاع تكاليف الانتاج مع محدودية القدرة أو عدم إمكانية عكس هذه الزيادات على سعر المنتج بسبب المنافسة الخارجية من ناحية وعدم وجود صندوق تعويض لهذه الغاية من ناحية أخرى. وعلى الرغم من أن التحضير لرفع أسعار المشتقات النفطية من قبل الحكومة أخذ منهجاً جدياً منذ الربع الأول من عام 2005 ولم يتم الرفع إلا بعد ثلاث سنوات من التحضير، فقد كان من الواجب أن يكون هذا الصندوق جاهزاً للعمل فور رفع الأسعار وهو لم يتم حتى الآن، وما تم فعلياً هو العودة عن رفع أسعار الفيول فقط بعد فترة قصيرة من زيادتها.
3- ارتفاع أسعار العديد من مدخلات الانتاج عالمياً نتيجة ارتفاع أسعار النفط ثم انخفاضها بسعر سريع ما ألحق ضرراً كبيراً بالصناعة السورية في المرحلتين.
4- انخفاض الطلب الداخلي نتيجة ضعف القوة الشرائية للمواطن السوري من ناحية، وبروز حالة الترقب والانتظار لنتائج ومنعكسات الأزمة الاقتصادية العالمية إضافة إلى تراجع تحويلات العاملين في الخارج بسبب هذه الأزمة من ناحية أخرى. كذلك تراجع الصادرات إلى أسواق المنتجات السورية التقليدية في الخليج العربي وشمال إفريقيا نتيجة تخفيض عدد المقيمين في دول الخليج و/ أو تخفيض رواتبهم بسبب تلك الأزمة.
5- محدودية نتائج تنفيذ الخطة الخمسية العاشرة لقطاع الصناعات التحويلية في معالجة مشاكل هذا القطاع من ناحية و تحقيق الأهداف المحددة له من ناحية أخرى.
لقد جاءت هذه الأحداث والمستجدات والصناعة السورية في وضع غير مريح بسبب معاناتها أصلاً من صعوبات ومشاكل عديدة أضعفت قدرتها على المواجهة وزادت من تعقيد أوضاعها. وإذا ما أضفنا آثار ونتائج الأحداث التي أشرنا إليها أعلاه، إلى الصعوبات والسمات العامة التاريخية التي تعاني منها الصناعة السورية التي سنبينها فيما يلي يمكننا أن ندرك حجم التحديات الراهنة والوضع الصعب الذي تواجهه الصناعة السورية.
1 2. الوضع الراهن للصناعة السورية:
تتسم الصناعة السورية بشكل عام بمجموعة من السمات ناجمة عن ظروف نشأتها وتطورها خلال المرحلة السابقة من أهمها:
1- ضعف البنية الهيكلية بسبب اعتمادها على الصناعات التقليدية الخفيفة التي تقوم إما على موارد زراعية وتعدينية محلية ذات قيمة مضافة متدنية ومكون تكنولوجي بسيط، أو صناعة تجميعية (إحلال الواردات) تفتقر إلى روح الابتكار والإبداع، الأمر الذي حال وما يزال يحول دون الانتقال من الميزة النسبية التي تتمتع بها سورية (من حيث موقعها الجغرافي والقرب من الأسواق وتوفر كافة حلقات الانتاج في عدد من الصناعات كالصناعات النسيجية والغذائية) إلى الميزة التنافسية في مجال النوعية والسعر. فأكثر الدول – على سبيل المثال- التي تنافس صناعة النسيج والملابس السورية في سوقها المحلية وأسواقها الخارجية التقليدية هي الدول التي تستورد القطن المحلوج والغزل القطني من سورية مثل تركيا ومصر والصين. ورغم أن سورية كانت من بين الدول العربية الأولى التي دخلت مجال الصناعات الالكترونية وصناعة الاتصالات إلا أن هذه الصناعة ما زالت حتى الآن في إطار التجميع. إن ما سبق عرضه قد أدى ويؤدي إلى تدني نسبة مساهمة قطاع الصناعات التحويلية في الناتج المحلي الإجمالي التي بلغت في عام 2007 حسب المكتب المركزي للإحصاء 7.9% بالأسعار الثابتة و6.9% بالأسعار الجارية في حين بلغت في عام 2008 حسب التقرير الاقتصادي العربي الموحد عن عام 2009 الصادر عن صندوق النقد العربي 6.4% مقارنة بـحوالي 18.1% في الأردن، 17.9% في تونس و15.6% في مصر و13.8% في البحرين والمغرب و12.6% في الإمارات و10.2% في عمان و9.1% في لبنان و8.3% في السعودية و8.1% في اليمن و7.6% في السودان و7% في موريتانيا و6.8% في قطر (التقرير صفحة 305).
2- نشأت الصناعة السورية وترعرت في ظل نظام حماية مطلق للإنتاج الوطني (عام وخاص) تجاه المنتجات الأجنبية من ناحية، وحصر مطلق للعديد من المنتجات الصناعية الوطنية بالقطاع العام، وقد تم ذلك، وفي كلتا الحالتين، دون تحديد فترة زمنية لهذه الحماية أو ربطها بصناعات مستقبلية محددة، ووضع شروط محفزة أمام الشركات الوطنية (التي لم تستشعر بدورها بالشكل المطلوب أهمية وضرورة ذلك) لتحسين قدرتها التنافسية من خلال مقارنة جودة وكلفة منتجاتها مع المنتجات المشابهة في الأسواق المنافسة إقليميا ودولياً، وزيادة نسبة القيمة المضافة المحلية فيها، ما ساهم في إشاعة الكسل والتواكل في الصناعة والاعتماد على الحماية فقط في إقامة واستمرار عمل هذه المنشآت التي تركزت كما سبقت الإشارة على الموارد المحلية وعلى بدائل المستوردات، وذلك على حساب المستهلك الذي اضطر في معظم الأوقات لدفع سعر أعلى مقابل نوعية أدنى من المنتجات الأخرى ، كما أدى عملياً إلى انتشار ظاهرة التهريب والسوق السوداء، وخسارة الاقتصاد الوطني موارد هامة من الرسوم الجمركية. كما دفعت الصناعة الوطنية ثمن هذه السياسة لاحقاً بعد انفتاح الأسواق وتخفيض الرسوم الجمركية أو إلغائها على الواردات الصناعية، من خلال ما نشاهده اليوم من إغلاق منشآت صناعية عديدة وتحول عدد من الصناعيين إلى التجارة أو الاستثمار في بلدان أخرى تتيح مزايا أفضل مما هو موجود في سورية حالياً.
3- وجود خلل هيكلي في بنية التجارة الخارجية حيث تنحصر معظم الصادرات السورية بالمواد الأولية ونصف المصنعة بلغت نسبتها إلى إجمالي الصادرات في عام 2008 حوالي 61% . في حين تنحصر معظم المستوردات بالمنتجات الجاهزة ونصف المصنعة بلغت نسبتها في عام 2008 حوالي 91% . ما يؤدي إلى خسارة القيمة المضافة التي يمكن أن تتحقق من تحويل المواد الأولية ونصف المصنعة إلى منتجات نصف مصنعة ومنتجات نهائية في الاستيراد والتصدير وإلى وجود عجز واضح في الميزان التجاري بلغ في عام 2008 حوالي 131 مليار ليرة سورية. ويستأثر القطاع الخاص بنسبة 18% من صادرات المواد الخام و85% من المواد المصنعة و99% من المواد نصف المصنعة. أما بالنسبة للواردات فيستأثر القطاع الخاص بنسبة 99% من مستوردات المواد الخام و96% من المواد نصف المصنعة و35% من المواد المصنعة.
4- ضعف التشابك والتكامل ضمن مختلف أنشطة قطاع الصناعات التحويلية من ناحية، وبينه وبين القطاعات الاقتصادية والخدمية الأخرى وبشكل خاص الزراعة، البناء والتشييد، النقل، الاتصالات، التعليم من ناحية أخرى، لجهة استيعاب منتجات ومخرجات هذه القطاعات وتوفير مستلزماتها بالنوعية والمواصفات المطلوبة.
5- الافتقار إلى العديد من الهيئات الداعمة الضرورية لتعزيز القدرة التنافسية للمنشآت الصناعية مثل المراكز الفنية المتخصصة والمخابر المعتمدة دولياً والهيئات المختصة بالتسويق والترويج والتمويل، والمكاتب والشركات الاستشارية المؤهلة. كما أن الهيئات الداعمة القائمة حالياً مثل هيئة المواصفات والمقاييس ومركز الاختبارات والأبحاث الصناعية ومراكز التدريب المهني والمعاهد الصناعية المتوسطة والأقسام صناعية في كليات الهندسة ومعاهد و كليات لإدارة الأعمال لاتلبي الاحتياجات المطلوبة من قبل سوق العمل سواء من حيث مستوى التعليم والتأهيلأو من الاختصاصات المطلوبة فعلياً، ما يستوجب تطوير المناهج وخبرات وكفاءة المدرسين والمدربين والإداريين المشرفين على هذه الجهات و تحفيزهم على ذلك من خلال توفير البيئة المشجعة (مادياً وعلمياً ومعنوياً) على استمرارهم وبقائهم في هذه المراكز، خاصة وأن معظم هذه الجهات هي جهات عامة تعمل وفق قوانين وأنظمة الادارة الحكومية. يضاف إلى كل ذلك عدم وجود هيئة وطنية واحدة للإشراف على التدريب المهني وتطويره بما ينسجم مع احتياجات القطاع الصناعي.
6- ضعف التمويل الصناعي وارتفاع تكاليفه وصعوبة شروطه. ما يضطر الصناعيين إلى الاعتماد على مواردهم الذاتية في إقامة وتشغيل منشآتهم الصناعية، أو كما يحصل في كثير من الأحيان تشغيل أموال الأقارب والغير وبفوائد كبيرة، ما يزيد من أعباء وكلفة بدء واستمرار العمل الصناعي. وعلى الرغم من إعلان المصارف العامة والخاصة عن وجود إيداعات كبيرة لديها بحاجة إلى استثمار، إلا أن هذه الإيداعات لا تتوجه إلى التمويل الصناعي بل إلى العقارات والسيارات والتجارة. حيث يشير تقرير مديرية دعم القرار في رئاسة مجلس الوزراء إلى أن حصة قطاع الصناعة والتعدين والمرافق من التسليف المصرفي العام والخاص في عام 2007 كانت فقط 4.9% بينما كانت في النشاط التجاري 48.4% والعقاري 14% والزراعي 13.5%. وقد يرى البعض أن القطاع الصناعي استفاد من التمويل التجاري، وهذا أمر ممكن ، إلا أن المطلوب هو التمويل لإقامة وتوسيع المشاريع الصناعية.
7- توزع الشأن الصناعي من الترخيص حتى التنفيذ والتشغيل بين عدة وزارات وجهات عامة تفتقر إلى التنسيق والفعالية في الأداء. وتعاني الصناعة بشكل عام من تعارض التوجيهات والتعليمات والازدواجية في المعايير، ما يزيد من فترة وعناء ممارسة العمل الصناعي، ويشجع على انتشار وتوسع المنشآت الصناعية الحرفية والصغيرة غير النظامية. ولا يقتصر الأمر عند هذا الحد بل يتعداه إلى الافتقار إلى جهة واحدة تتولى وضع وتنفيذ السياسات التي تساعد في تحسين بيئة العمل الصناعي على مستوى الوزارات ذات العلاقة (اقتصاد، مالية، إدارة محلية، نقل، كهرباء، نفط..) والتنسيق فيما بينها. وينطبق نفس الشيء على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تتوزع بين عدة وزارات ( صناعة ، اقتصاد ، شؤون اجتماعية ..) دون وضعها تحت مسؤولية مؤسسة واحدة مختصة قادرة على تفعيلها وتطويرها.
8- غلبة الأسلوب التقليدي لدى القسم الأعظم من القطاع الخاص الصناعي في إدارة منشآته. ففي الوقت الذي بدأت تظهر فيه مجموعة جديدة ومحدودة من الصناعيين السوريين الذين أقاموا منشآت صناعية متطورة وتدار بأسلوب الادارة الحديثة، ما يزال القسم الأعظم من القطاع الخاص يعمل بالشكل التقليدي الموروث وبردود فعل ومخاوف الفترة التي تلت عملية تأميم المنشآت الصناعية الخاصة في ستينيات القرن الماضي، على الرغم من التبدل الواضح في الظروف والتوجهات الحكومية في هذا المجال. إضافة إلى أن نسبة 99% من منشآت هذا القطاع تندرج تحت تصنيف الصناعات الحرفية والصغيرة والمتوسطة. فحسب بيانات وزارة الصناعة لعام 2009 بلغ عدد المنشآت الصناعية الخاصة المسجلة رسمياً لغاية عام 2009 حوالي 127 ألف منشأة رأسمالها حوالي 370 مليار ل.س ويعمل فيها حوالي 452 ألف عامل. إن حوالي 76% من هذه المنشآت هي منشآت حرفية يعمل بها وسطياً حوالي 3 عمال ووسطي رأسمالها 2.5 مليون ليرة سورية . كما تشكل المنشآت الصغيرة والمتوسطة حوالي 23% من عدد المنشآت ووسطي رأسمالها حوالي 6.2 مليون ليرة سورية ووسطي عدد العاملين فيها حوالي 6 عمال، وبذلك تكون نسبة المنشات الكبيرة نسبياً المحدثة وفق قانون تشجيع الاستثمار رقم 10 لعام 1991 المعدل بالقانون رقم 8 أقل من 1% ووسطي عدد العاملين في المنشأة 51 عاملاً ووسطي رأسمالها حوالي 223 مليون ليرة سورية. إن هذه الأرقام تعطي فكرة عن واقع المنشآت الصناعية الخاصة في سورية من حيث الحجم وعدد العمال وحجم رأس المال المستثمر يضاف إليها الصبغة العائلية الطاغية على هذه المنشآت وما ينجم عنها من حصر المراكز القيادية الإدارية والفنية والتسويقية والمالية بأيدي أفراد عائلة المالك والشركاء الأساسيين ما يؤثر على كفاءة عمل هذه المنشات وتطبيق أساليب الادارة الحديثة فيها بسبب افتقارها إلى الكفاءات الإدارية والمالية والإنتاجية والتسويقية. كما أن عمل معظم هذا القطاع ما يزال بعيداً عن الإفصاح والالتزام بالقوانين وبشكل خاص ما يتعلق بالعمالة والضرائب.
9- ضعف مناخ الاستثمار بشكل عام وبيئة الاستثمار الصناعي بشكل خاص ما يحد من حجم وعدد المشاريع الصناعية العربية والأجنبية المنفذة في سورية، حيث تركزت الاستثمارات حتى الآن في القطاعات الخدمية (السياحة والمال والتأمين والعقارات والتجارة) في حين لم تتجاوز الاستثمارات الصناعية حسب تقرير لهيئة تخطيط الدولة نسبة 13% من مجمل الاستثمارات الخاصة والأجنبية.
10- ضعف البحث والتطوير والابتكار. فعلى الرغم من محدودية الإنفاق على نشاط البحث والتطوير بشكل عام في سورية وبشكل خاص في المجال الصناعي، فإن العمل في هذا المجال موزعبين العديد من الجهات التي لا يتم التنسيق فيما بينها ، ولا تتوفر لها الموارد المالية اللازمة، وتفتقد إلى إستراتيجية واضحة تحدد أولويات البحث العلمي في المجال الصناعي بالنسبة لسورية بما بتوافق مع احتياجاتها الملحة ومواردها المتاحة وربط نتائج البحوث العلمية بالمجالات التطبيقية.
11- عدم الاهتمام الكافي بأشكال الملكية الأخرى، حيث تتركز الصناعة السورية بشكل أساسي بالقطاعين العام والخاص مع وجود متواضع جداً للقطاع المشترك والقطاع التعاوني وهما القطاعان اللذان يملكان مزايا اقتصادية واجتماعية عديدة ،ويمكن أن يلعبا في حال تشجيعهما دوراً هاماً في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فالقطاع المشترك يساهم في جذب الاستثمارات الخارجية ونقل التكنولوجيا والخبرات الإدارية والتنظيمية والتسويقية. كما يساهم القطاع التعاوني في تعبئة مدخرات وإمكانيات المنتجين الصغار وتنظيمهم في وحدات إنتاجية منظمة و كفؤة. إن عدم الاهتمام بهذه الشكلين من الملكية لم يؤد فقط إلى ضعفهما ومحدودية وجودهما ودورهما وحسب ، بل إلى تراجع ما هو قائم منهما وتصفية عدد غير قليل من الشركات المشتركة ومن الجمعيات التعاونية الإنتاجية .
12- البطء في معالجة أوضاع القطاع العام الصناعي الذي يستنزف بوضعه الحالي الموارد المالية والبشرية الموجودة فيه بسبب عدم التوصل حتى الآن إلى برنامج توافقي متكامل لإصلاحه ومعالجة مشاكله، وبشكل خاص بيئة العمل الإدارية والتنظيمية والمالية التي يعمل ضمنها وأسلوب اختيار إداراته. ومنذ عام 2000 وحتى الآن تنتقل مهمة وضع وتنفيذ برنامج لإصلاح القطاع العام الصناعي من حكومة إلى أخرى ومن وزير إلى آخر ومن لجنة إلى لجنة. عملياً لم تستطع المحاولات والإجراءات والقرارات العديدة في مجال إصلاح القطاع العام الصناعي حتى الآن تحقيق الهدف المرجو منها لأسباب عديدة في مقدمتها:
1. عدم وجود رؤية واضحة ومعتمدة حول وجود ومستقبل القطاع العام الصناعي وفق برنامج زمني ومادي للتنفيذ.
2. جزئية المعالجة والحلول.
3. نقل ومحاكاة تجارب خارجية دون مراعاة الوضع المحلي .
4. عدم وجود توافق أو إجماع وطني على ما تم طرحه لا من القيادة السياسية والحكومية ولا من قبل اتحاد العمال والقوى السياسية والاجتماعية الأخرى.
5. ضعف العمل المؤسساتي الذي كان يحول دون استمرار الجهود والتوجهات المعمول بها وتبدلها مع كل وزير صناعة الذي كان حتى عام 2006 يتبدل سنوياً .
ويتألف القطاع العام الصناعي الذي يتبع وزارة الصناعة من ثمان مؤسسات عامة تضم 92 شركة و7 معامل تبغ و17محلج قطن. وقد بلغ مجموع رأس المال المستثمر في هذا القطاع لغاية عام 2009 حوالي 510 مليار ليرة سورية ، ويبلغ عدد العاملين فيه حوالي 76ألف عامل من مستوى تعليمي ضعيف (حوالي 75% من العاملين من مستوى الإعدادية ومادون و6% فقط من خريجي الجامعات).
وحسب بيانات عام 2009 الأولية فإن هناك 43 شركة عامة خاسرة و48 شركة رابحة منها 9 شركات سكر وخميرة تغطي الدولة تكاليف إنتاجها. يضاف إلى الشركات الرابحة معامل التبغ السبعة ومحالج القطن السبعة عشر. إن قسماً من هذه الشركات والمعامل يعمل ويربح في ظل المنافسة مع القطاع الخاص، وقسم ما يزال يعمل ويربح في ظل الحصر والاحتكار مثل حلج القطن والتبغ والمياه المعدنية. كما يشوه التسعير الإداري لعدد من المدخلات والمنتجات في القطاع العام دوراً في عدم إعطاء الصورة الصحيحة لأدائه ونتائج أعماله. ومع ذلك فقد بلغ حجم الفوائض الاقتصادية التي حولها هذا القطاع إلى وزارة المالية عام 2009 بحدود 8.9 مليار ليرة سورية.
يعاني هذا القطاع، بسبب الدور الاجتماعي الذي أنيط به،من وجود بطالة مقنعة، مريضة، معاقة، مفرزة لجهات أخرى، تقدر جميعها بحوالي ثلث القوى العاملة ،ما يزيد من كلفة المنتج مع تقادم خطوط الانتاج في عدد غير قليل من المعامل إضافة إلى ضعف الخبرات الإدارية والفنية والتسويقية وعلى كافة المستويات، وضعف التدريب والتأهيل وعدم ربطه بالترقية، وعجز بيئة العمل التنظيمية والإدارية والتشريعية الحالية عن تحفيز ومواكبة التطوير والتحديث بما فيها اعتماد أسلوب متطور وفعال في اختيار الإدارات.
13- أضاعت الصناعة السورية منذ منتصف السبعينيات وحتى اليوم فرصاً عديدة للنمو من الصعب أن تتكرر أو تعوض. فقد أضاعت الصناعة السورية فرصة ذهبية للاستفادة من المعونات الكبيرة والقروض العديدة التي حصلت عليها بعد حرب تشرين 1973 من خلال إقامة عدد غير قليل من المشاريع الصناعية لم تدرس بالشكل المطلوب اقتصادياً واجتماعياً وجغرافياً، اعتمدت بشكل أساسي على سياسة الإحلال محل الواردات ما أدى إلى اعتمادها بشكل مطلق على مستلزمات الانتاج المستوردة، وبالتالي توقف حوالي ثلثي المعامل العامة عند نشوب أزمة الثمانينات كلياً أو جزئياً لعدم توفر القطع الأجنبي اللازم لتمويل مستلزمات الانتاج وقطع الغيار. ولا يختلف الوضع فيما يتعلق بالقطاع الخاص الذي اضطر لتأمين مستلزماته بطرقه الخاصة المعروفة وما رافق ذلك من تراجع قيمة الليرة السورية. لقد كان واضحاً للجميع في أزمة الثمانينات أنه لو تمت دراسة المشاريع الصناعية دراسة متمعنة ونفذت في ضوئها لما وجدت تلك الأزمة أو على الأقل لما وصلت إلى ما وصلت إليه.
الفرصة الثانية التي أضاعتها الصناعة السورية تمثلت بعدم المضي قدماً في الصناعات الهندسية والمستقبلية التي دخلتها في تلك المرحلة في ظل ظروف استثنائية كصناعة الاتصالات والجرارات والبتروكيماويات. لقد كانت سورية من أوائل الدول العربية التي دخلت صناعة الاتصالات عن طريق شركة مشتركة مع شركة ألكاتيل الفرنسية لتصنيع المقاسم الهاتفية في الثمانينات من القرن الماضي، وذلك في نفس الوقت التي دخلت فيه شركة سامسونغ الكورية الجنوبية ميدان هذه الصناعة. والذي حدث بعد خمسة عشر سنة تقريباً هو حل وتصفية الشركة السورية الفرنسية المشتركة للاتصالات (سيركوتيل) وعدم شمولها بنظام حماية الصناعة الوطنية المعمول به في ذلك الوقت إرضاء لممثلي ووكلاء الشركات العالمية الأخرى وقيام سورية بتأسيس شركة مشتركة جديدة لنفس الغاية مع شركة سامسونغ التي دخلت معها هذه الصناعة في وقت واحد.
الفرصة الثالثة التي أضاعتها الصناعة السورية هي في المحافظة على أسواقها التقليدية في بلدان المنظومة الاشتراكية بسبب تغير طبيعة النظام في هذه الدول وبالتالي انفتاح أسواقها على الموردين الآخرين وضعف القدرة التنافسية للصناعات السورية التي كانت تقوم في معظمها على الكمية دون النوعية لتسديد الديون وتنفيذ مضمون اتفاقيات المدفوعات مع عدد من هذه البلدان.
الفرصة الرابعة هي الفرصة التي نجمت عن إصدار قانون الاستثمار رقم 10 لعام 1991 والاستفادة من مزايا هذا القانون في توجيه الاستثمارات المحلية والعربية والأجنبية نحو الصناعة المستهدفة والمناطق المستهدفة.
الفرصة الخامسة الضائعة هي عدم الاستفادة من الظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي ترافقت مع عملية قيام الاتحاد الأوروبي وما تبعها من إعادة توطين العديد من الصناعات ذات الكثافة العمالية الكبيرة أو ذات المردود الأقل مما هو مطلوب أو متاح في صناعات أخرى سواء في الدول الأعضاء الجدد في هذا الاتحاد أو في البلدان القريبة منه كتركيا وتونس والمغرب وغيرها.
الفرصة السادسة التي أضاعتها الصناعة السورية هي فرصة الاستفادة من العوائد النفطية الهائلة التي حصلت عليها الدول النفطية الخليجية في السنوات الأخيرة في إقامة مشاريع صناعية كبيرة عوضاً عن أو على الأقل إلى جانب الاستثمارات السياحية والعقارية التي توجهت إليها هذه العوائد.
الفرصة السابعة وهي المتاحة حالياً ونرجو ألا تضيع هي الأخرى وهي فرصة الاستفادة من نتائج الأزمة الاقتصادية العالمية على دول الخليج العربي بجذب ما تبقى من استثماراتها إلى السوق السورية التي لا تقارن مخاطرها بما حدث لهؤلاء المستثمرين في الخارج. والسعي لأن تتوجه رؤوس الأموال هذه المرة ليس للاستثمارات العقارية والسياحية فقط بل والاستثمار الصناعي أيضاً.
إن الهدف الأساسي من استعراض هذه الفرص التاريخية الضائعة هو شحذ همم الجهات المعنية ، والتأكيد على أن الفرص التي تفوًت لا يمكن تعويضها ، وأن المرحلة التي تمر بها الصناعة السورية حالياً لم تعد تحتمل إضاعة المزيد من الفرص..
14- التأخر في اعتماد وتنفيذ برنامج شامل للتحديث والتطوير الصناعي لمواجهة متطلبات ونتائج استكمال اتفاقيات منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى وغيرها من الاتفاقيات الثنائية مع الدول العربية وتركيا. لقد شكلت تلك الاتفاقيات تحدياً كبيراً للاقتصاد السوري بشكل عام وللصناعة السورية بشكل خاص تمثل بضرورة الاستجابة لمتطلبات تنفيذها والاستفادة من الفرص والجوانب الايجابية التي تتيحها ، وكذلك استيعاب الآثار السلبية الناجمة عنها وجعلها في الحدود الدنيا. وفي هذا المجال كان من المفروض حشد كافة الجهود والإمكانيات من أجل تحديث وتطوير الصناعة السورية وتوفير الإمكانيات اللازمة لتعزيز قدرتها التنافسية، وذلك من خلال تحقيق التناسق بين تنفيذ السياسات الخاصة بتحرير التبادل التجاري وتخفيض ثم إلغاء الرسوم الجمركية على الواردات الصناعية من البلدان العربية بموجب الاتفاقيات الموقعة من ناحية، وبين السياسات التي كان من المفترض تنفيذها لتأهيل الصناعة السورية من جهة أخرى. ولكن على الرغم من المحاولات العديدة التي أشارت إلى أهمية ذلك منذ ذلك الحين إلا أنه لم يتم البدء بهذه العملية إلا عام 2005 وبصورة جزئية من خلال تخفيض الرسوم الجمركية على مستلزمات الانتاج، وإطلاق برنامج التحديث والتطوير الصناعي في أيار 2007، ما أضاع فرصة ذهبية طيلة حوالي عشر سنوات كان من المفترض خلالها تحديث وتطوير أكبر عدد ممكن من الشركات الصناعية التي تملك القدرة على البقاء والمنافسة، وذلك بسبب الفهم المجتزأ لمفهوم المنافسة الذي لا يربط بينها وبين عملية تمكين وتأهيل الصناعة الوطنية من أجل أن تكون هذه المنافسة التي تواجهها منافسة عادلة وشريفة. لقد أدى ذلك عمليا وما يزال إلى إغلاق العديد من المنشآت الصناعية وتحول أصحابها إلى العمل التجاري أو التوجه للعمل في بلدان أخرى تقدم حوافز أفضل مما هو موجود في سورية ما ينذر بنتائج سلبية على وجود ومستقبل هذه الصناعة وعلى المستويين الاقتصادي والاجتماعي.
في الواقع لم تخلو الفترة منذ عام 1995 وحتى الآن من محاولات و إجراءات وتدابير ساهمت إلى هذا الحد أو ذاك في تحسين الأمور من خلال معالجة بعض المشاكل والصعوبات التي واجهت الصناعة السورية. ففي النصف الثاني من التسعينات، أخذ الاهتمام بالتحديث الصناعي وضرورته وأهميته يأخذ طابعاً أكثر جدية، ومع بدء مباحثات الشراكة السورية الأوروبية، قامت لجنة الصناعة والتكنولوجيا المنبثقة عن اللجنة العليا للشراكة السورية الأوروبية في عام 1999 بإعداد برنامج لتحديث الصناعة السورية بشقيها العام والخاص إلا أن هذا البرنامج لم ير النور. وفي عام 2002 تم الاتفاق بين وزارة الصناعة ومنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي على إجراء مجموعة من الدراسات حول إستراتيجية التنمية الصناعية وإصلاح القطاع العام الصناعي وعدد من الدراسات القطاعية (الصناعات النسيجية والغذائية)، كما تم إعداد برنامج جديد للتحديث الصناعي من قبل خبراء اليونيدو في عام 2003 تضمن تحديث وتطوير 2000 شركة من مختلف الأنشطة الصناعية خلال 5 سنوات بكلفة تقديرية إجمالية حوالي 93 مليار ليرة سورية ، إلا أن هذا البرنامج لم ير النور أيضاَ بسبب مشكلة التمويل، حيث كان من المتوقع أن يقوم الاتحاد الأوروبي بتمويل هذا البرنامج أو جزء منه.
وفي ضوء ذلك أعدت منظمة اليونيدو برنامجاً جديداً للتحديث الصناعي في سورية وهو بمثابة مشروع رائد بمنحة من الحكومة الايطالية مقدارها 2.2 مليون يورو تم تخصيصها للشركات العاملة في قطاع النسيج والملابس، حيث تم إطلاقه في 9 أيار 2007 ولفترة سنتين تم تمديدها لاحقاً لغاية حزيران 2010. ويجري تنفيذه حالياً من قبل منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (يونيدو).
أنجز هذا المشروع برنامجاً شاملاً لتحديث وتطوير مختلف قطاعات الصناعة السورية وقد تمت مناقشته في ورشة عمل عامة شارك فيها عدد كبير من المختصين وأصحاب القرار وصدر في شهر آذار 2008 توجيه من رئاسة مجلس الوزراء لوزارة الصناعة وهيئة تخطيط الدولة بدعوة اللجنة الفنية العليا للخطة لاجتماع عاجل لدراسة اقتراح إدارة البرنامج باعتبار هذه الوثيقة جزاً مكملاً ومتكاملاً مع الخطة الخمسية العاشرة لقطاع الصناعات التحويلية وإطاراً للخطة الخمسية الحادية عشرة لهذا القطاع ولكن لم يتم تنفيذ ذلك.
كما تم اختيار33 شركة خاصة و3 شركات عامة من الشركات العاملة في صناعة النسيج والملابس لتحديثها. وتم إعداد الدراسات التشخيصية الشاملة وخطط التحديث والتطوير لها، وتقديم المعونة الفنية والتدريب اللازم في مجال التسويق والإنتاج ومحاسبة التكاليف والبيئة. أما بالنسبة للاستمارات المادية (تجهيزات وآلات ..) التي تتطلبها عملية تحديث الشركات الصناعية المذكورة فسيتم تمويلها بشكل منفصل من صندوق الإئتمان المقدم من قبل الحكومة الايطالية بمبلغ 20 مليون يورو حيث تم التوقيع على اتفاقية هذا القرض من قبل وزيري الخارجية السوري والايطالي خلال زيارة رئيس الجمهورية الايطالية لسورية خلال الفترة 17-19 آذار 2010.
من جانب آخر قام البرنامج بتدريب 53 استشاري سوري على منهجية منظمة اليونيدو في إعداد الدراسات التشخيصية الشاملة للشركات الصناعية ووضع وتنفيذ خطط التحديث والتطوير لها وتمت الاستفادة من قسم من هؤلاء الاستشاريين في تنفيذ المعونة الفنية التي تضمنتها خطط التحديث والتطوير للشركات المقبولة بالبرنامج.
كما تجدر الإشارة إلى موافقة الأطراف الثلاثة على تمديد فترة هذا البرنامج لمرحلة ثانية مدتها ثلاث سنوات بحيث يتم تحديث عدد أكبر من الشركات والمؤسسات الداعمة ذات الأولوية بالنسبة للصناعة السورية .
إن هذا البرنامج كما ذكرنا سابقاً هو مشروع رائد، و أن قصر فترته وضآلة موارده ومحدودية عدد الشركات التي يؤهلها تجعل نتائجه محدودة للغاية إذا لم تتم متابعة هذا النهج من خلال مركز دائم للتحديث والتطوير الصناعي لا يقتصر تمويله فقط على المنح المقدمة من الدول والجهات المانحة وإنما بإحداث صندوق وطني للتحديث الصناعي يؤمن مورداً دائماً لهذه العملية.
من جانب آخر، حفلت الفترة الماضية بتشكيل عدد غير قليل من فرق عمل واللجان الوطنية وتكليفها بوضع برامج للإصلاح الاقتصادي وإصلاح القطاع العام الصناعي، لكن من المؤسف أن معظم نتائج عمل هذه الفرق و اللجان لم تدخل حيز التنفيذ أو أنها لم تنفذ بالشكل المطلوب إما لكونها مجتزئة ولما تتم ضمن رؤية شاملة، أو لعدم توفر الموارد المالية والإرادة الحقيقة لتنفيذها بسبب تباين وجهات النظر حولها حتى ضمن الفريق الحكومي.
كذلك تم اتخاذ مجموعة من الإجراءات والتدابير الهادفة إلى تشجيع القطاع الخاص والاستفادة من إمكانياته الوطنية في تسريع وتيرة التنمية وكان من أهمها إفساح المجال له بشكل مضطرد للدخول في مجالات استثمارية كانت محصورة بالقطاع العام، ومتابعة عملية تحرير الأسعار وتعديل قانون الاستثمار رقم 10لعام 1991 في إطار تحسين مناخ الاستثمار في سورية وإقامة المدن الصناعية وتخفيض الرسوم الجمركية على المواد الأولية للصناعة وتخفيض نسبة ضريبة الأرباحواستكمال قانون السرية المصرفية ومكافحة تبييض الأموال والسماح بإقامة المصارف وشركات التامين والجامعات الخاصة وإصدار قانون التجارة الشركات و حماية الانتاج الوطني. في نفس الوقت الذي تم فيه وعلى التوازي إطلاق عدد من برامج التعاون بين سورية والعديد من الدول والمنظمات الدولية بهدف تحسين أداء القطاعات الهامة في الاقتصاد السوري مثل الزراعة والصناعة إضافة إلى البناء المؤسساتي والإدارة العامة الخ…
بشكل عام يمكن القول أن معظم الإجراءات التي اتخذت بما فيها الإجراءات التي اتخذت خلال العام الماضي على أهميتها ، لم تستكمل بتحسين بيئة العمل الصناعي الأخرى التي لا بد منها. كما أنها غالباً ما كانت تأتي متأخرة وبعد فوات الأوان، أو أنها مرتجلة ومتسرعة، أو أنها غير متكاملة بحيث كانت في مناسبات عديدة أشبه بإدارة الأزمات حيث تعالج الأزمة بخلق أزمة أو أزمات أخرى، والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى.
2 3. الصناعة السورية بين الخطة الخمسية العاشرة والحادية عشر:
من المعروف أن إعداد الخطة الخمسية العاشرة لقطاع الصناعة التحويلية سبقه تحليل تشخيصي للوضع الراهن لهذه الصناعة ، وتحليل نقاط الضعف والقوة فيها ، وتحديد التحديات التي تواجهها والفرص المتاحة أمامها للتطور والنمو. وبالتالي فقد تمت صياغة الخطة لتحقيق هدفين أساسيين:
الأول: معالجة السلبيات والمعوقات التي تعاني منها الصناعة التحويلية والتي بينها تحليل الوضع الراهن.
الثاني:إيجاد البيئة المناسبة لتمكين هذا القطاع من القيام بدور محوري وأساسي في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وعليه تضمنت خطة الصناعات التحويلية الخمسية العاشرة خمسة أهداف رئيسية هي:
1. زيادة مساهمة الصناعة التحويلية في الناتج المحلي الإجماليوذلك عن طريق تمكين القطاع العام الصناعي وتأهيله وتوسيع مشاركة القطاع الخاص السوري والعربي والأجنبي وتوفير البيئة التمكينية الملائمة لعمله.
2. تطوير البنية الهيكلية للصناعة السورية وتطوير قدراتها الإنتاجية.
3. إعادة هيكلة المنشآت الصناعية القائمة وجعلها تعمل بقواعد الربحية .
4. تصعيد مستوى التنافسية الصناعية لرفع القدرة التصديرية للصناعة التحويلية .
5. خلق المزيد من فرص العمل وتحسين دخول العاملين وتحسين توزيع الدخلوالاهتمام بتطوير الصناعات وخاصة في المناطق الريفية .
كما حددت الخطة مجموعة من المرامي الكمية الأساسية على المستويين القطاعي والكلي تضمنت المؤشرات التالية:
1. تحقيقمعدل نمو سنوي لناتج الصناعة التحويلية بحدود 15% وسطياً خلال سنوات الخطة.
2. رفعمساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي بحيثتصل إلى 15% مع عام 2010.
3. تحقيق حجم الاستثمارات خلال الخطة الخمسية العاشرة للقطاع العام 104967 مليون ليرة سورية في حال وسطي معدل نمو 7% و للسيناريو الثاني سيبلغ 101678 مليون ليرة سورية في حال وسطي معدل نمو 5%.
4. التوسعفي التشغيلبمعدل 10% سنوياً بين 2006 و2010، مع تحسن مؤهلات العاملين بحيث يصبح حملة الشهادات الثانوية العامة والفنية والمعاهد المتوسط والجامعاتنحو 60%من العاملين، وأن يخلق وظائف جديدة ذات مهارات عالية.
5. تحقيق نمو في الصادرات الصناعية بمعدل 10% سنوياً بين 2006 و2010 لتصل إلى 2.38 مليار دولار وبحيث تشكل الصادرات الصناعية ذات القيمة المضافة المتوسطة والعالية النسبة الأكبر من هذه الصادرات.
6. زيادة نسبة الشركات المساهمة والتعاونية في الصناعة التحويلية.
7. تنمية مساهمة القطاع الخاص في الاستثمار الصناعي .
كما تضمنت الخطة الخمسية العاشرة لقطاع الصناعات التحويلية استراتيجيات خاصة لتنفيذ كل هدف من أهدافها الخمسة بلغ مجموعها 12 إستراتيجية سيتم تناولها في الصفحات القادمة.
دخلت الخطة الخمسية العاشرة عامها الأخير، ويجري حالياً تقييمها في إطار العمل على إعداد الخطة الخمسية الحادية عشرة. ونظراً لعدم توفر البيانات الفعلية لعامي 2008 و2009 بالنسبة للعديد من المؤشرات، فإن عملية التقييم في معظمها تعتمد على أرقام 2006-2007 الفعلية وتعتمد بالنسبة للعامين 2008 و2009 في معظمها على التقديرات والتوقعات ، ما قد يؤثر على دقة وسلامة التحليل لعدد من المسائل والمؤشرات ، خاصة في ظل اختلاف الظروف الاقتصادية المحلية والإقليمية والدولية خلال السنتين الأخيرتين والعام الحالي ، إضافة إلى تباين التحليل للنتائج في ضوء التباين في الموقف من هذه الخطة .
وقد سبق لهيئة تخطيط الدولة أن أجرت تقييمين لمنتصف مدة الخطة الأول عام 2008 والثاني في آذار 2009 . كما قام مكتب نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية في آب 2009بإعداد تقرير تقييم لأداء الخطة الخمسية العاشرة بنهاية منتصف المدة. وسنستعرض فيما يلي أهم ما ورد في هذه التقارير بخصوص قطاع الصناعة التحويلية.
2.1 3-1 تقييم منتصف المدة عام 2008:
يشير تقرير مراجعة منتصف المدة للخطة الخمسية العاشرة لقطاع الصناعات التحويلية الذي أعدته هيئة تخطيط الدولة عام 2008 إلى أن أداء الاستراتيجيات الموضوعة لهذا القطاع والبالغة اثني عشر استراتيحية هو بشكل عام دون الوسط . فحسب هذا التقرير هناك إستراتيجية واحدة فقط مستوى تنفيذها جيد وخمس استراتيجيات متوسطة الأداء وأربع استراتيجيات مستوى تنفيذها ضعيف وإستراتيجيتان مستوى تنفيذهما ضعيف جداً وذلك كما هو مبين فيما يلي:
المؤشر |
تقييم منتصف المدة |
استراتيجية رقم 1 زيادة الاستثمار والعائد على الاستثمار في الصناعة التحويلية وذلك عن طريق تمكين القطاع العام الصناعي والذي هو أداة التدخل الايجابي في السوق وتوفير البيئة المناسبة للقطاع الخاص برفع القيود من أجل زيادة إسهام القطاع الخاص الوطني والترويج لجذب مساهمة الاستثمار الأجنبي المباشر في توسيع قاعدة رأس المال الصناعي كي يأخذ قطاع الصناعة التحويلية (عام وخاص ومساهم ومشترك وتعاوني) موقعه الريادي في زيادة الناتج المحلي الإجمالي. |
مستوى جيد لتنفيذ السياسات الخاصة بالإستراتيجية رقم1 |
استراتيجية رقم 2 الارتقاء بمستوى الإنتاج الصناعي عن طريق تحديد القطاعات الصناعية ذات الميزة التنافسية والتي تتمكن من تطوير قدرتها التنافسية، وكذلك عن طريق توفير البيئة التحتية اللازمة لعمل تلك القطاعات. |
مستوى متوسط للأداء
|
استراتيجية رقم 3 إعادة تحديد دور وزارة الصناعة وصلاحياتها ومهامها باعتبارها جهة مسؤولة عن توجيه وتطوير قطاع الصناعة التحويلية على الصعيد الوطني على أفضل وجه ممكن ومن ثم إجراء برنامج كامل للتطوير المؤسساتي. |
مستوى متوسط للأداء |
استراتيجية رقم 4 تطوير صناعات قائمة أو جديدة تضيف حلقات إضافية من سلسلة القيم المضافة. |
مستوى ضعيف جداً |
استراتيجية رقم 5 تطوير صناعات قائمة أو جديدة تضيف حلقات إضافية من سلسلة القيم المضافة.
|
مستوى ضعيف للأداء |
استراتيجية رقم 6 مراجعة أداء الشركات العامة ووضع ضوابط لعملها والحد من خطوط الإنتاج القديمة والأخذ بتدابير جديدة للإنتاج والإنتاجية وتحديث الإدارة في المنشآت العامة واعتماد نظم محاسبية جديدة وأساليب متطورة لتطوير الموارد البشرية واستخدامات التكنولوجيا.
|
مستوى متوسط للأداء |
استراتيجية رقم 7 تقييم أداء شركات القطاع الخاص وتحديث الإدارة واعتماد نظم محاسبية جديدة وأساليب متطورة لدراسة الأسواق الداخلية والخارجية وتطوير الموارد البشرية . |
مستوى ضعيف للأداء |
استراتيجية رقم 8 الاعتماد على خطة مستقبلية واضحة المعالم وتتميز بالمرونة والشفافية لآفاق تطوير القطاع الصناعي في سورية تنجزها وزارة الصناعة ،ويجري تحضير برنامج عمل تفصيلي لها يتم تطبيقه خلال الخطط المتعاقبة. |
مستوى ضعيف جداً للأداء |
استراتيجية رقم 9 رفع مستوى النشاط التكنولوجي في المنشآت الصناعية القائمة واستيعاب التكنولوجيا الحديثة |
مستوى ضعيف للأداء |
استراتيجية رقم 10 التركيزعلىتطوير قدرة الصناعة على الإنتاج المنافس في الجودة والسعر |
مستوى ضعيف للأداء |
استراتيجية رقم 11 رفع القدرة التصديرية للصناعة التحويلية |
مستوى متوسط للأداء |
استراتيجية رقم 12 التركيز على نشر الصناعة في مناطق القطر الأقل تصنيعاً وفي الأماكن الريفية وذات معدلات البطالة المرتفعة بالاعتماد على الصناعات كثيفة العمالة والصناعات القائمة على الموارد الزراعية بما يضمن وصول المنافع لهذه المناطق. |
مستوى متوسط للأداء |
وقد علل التقرير أسباب ذلك إلى ما يلي:
1. طموح الخطة وعدم كفاية الفترة الزمنية الممنوحة لتحقيق ذلك الطموح وفقاً للظروف الداخلية والخارجية.
2. عدم صدور القوالين والمراسيم التي تزيد من فعالية وكفاءة السياسات الموضوعة لتنفيذ الخطة.
3. عدم قدرة فرق العمل القيام بالمهام المطلوبة منها.
4. بعض الإجراءات سيتم العمل عليها خلال النصف الثاني من الخطة
واقترح التقرير القيام بالإجراءات التالية:
1. مراجعة الاستراتيجيات والسياسات الخاصة بالقطاع وإيجاد صيغ أفضل لها أكثر انسجاماً من قبل وزارة الصناعة ومراكز خبرة متخصصة.
2. مراجعة الإجراءات الموضوعة لتنفيذ السياسات لتصبح أكثر ملائمة لهذه السياسات وأيضاً لتكون قابلة للتنفيذ من قبل وزارة الصناعة والوزارات ذات العلاقة .
3. العمل على تحديد نسب أداء الاستراتيجيات وتنفيذ السياسات من قبل وزارة الصناعة والقطاع العام والخاص والجهات التابعة لها وتحديد نسبة تنفيذ الخطة بشكل دقيق.
4. تطوير الكوادر العاملة على الإشراف والتنفيذ والتقييم للخطة الخمسية العاشرة.
2.2 3-2 تقرير مراجعة منتصف المدة المعد في آذار 2009 :
في هذا التقرير خلصت هيئة تخطيط الدولة إلى التقييم التالي:
1- استفاد القطاع الصناعي من جملة الإصلاحات في الإطار التشريعي والقانوني كالمرسوم (8) وقانون المنافسة ومنع الاحتكار وقانون حماية الملكية الفكرية والصناعية، وقانون الشركات، وقانون حماية العلامات الفارقة، وقانون التجارة.
2- نمت الصناعة التحويلية لدى القطاع الخاص بمعدلات فاقت النسب المخططة استثماراً وإنتاجاً وعلى العكس من ذلك فقد تراجعت مؤشرات القطاع العام الصناعي لأسباب تركزت في قدم الآلات، وارتفاع الكلف، وانخفاض مهارات العاملين، ووجود وحدات إنتاجية خاسرة أو متوقفة، بنفس الوقت الذي انخفضت فيه الاستثمارات العامة في هذا القطاع.
3- تم خلال فترة الخطة تحديث ثلاث مدن صناعية (عدرا – حسيا – الشيخ نجار) وإحداث مدينة دير الزور الصناعية حيث حققت هذه المدن نجاحاً في جذب العديد من الاستثمارات المحلية /300/ مليون دولار والأجنبية / 400/ مليون دولار. إلا أن الخطة نصت على تنفيذ 8 مدن جديدة لم ينفذ مها إلا واحدة. كما أن الإشراف على هذه المدن يتم من خلال وزارة الإدارة المحلية دون إشراك لوزارة الصناعة المشرفة على القطاع. ويضاف إلى نقاط القوة مشروع التحديث الصناعي للقطاع الخاص.
4- لا تزال الصناعات السورية تعاني من الضعف التنافسي بسبب ضعف القدرات المحلية للقطاعين العام والخاص (ولاسيما المشاريع الصغيرة والمتوسطة والنشاطات الصناعية التقليدية)، والتخلف التقني، وانخفاض الاستثمار في سلاسل القيمة المتقدمة، وضعف البنية التحتية وارتفاع التكاليف غير المنظورة لممارسة أنشطة الأعمال.
5- تعثر مشروع قانون إصلاح القطاع العام الصناعي والذي يعد من أهم السياسات المتعلقة بإستراتيجية إعادة تحديد دور وزارة الصناعة وصلاحياتها ومهامها، وذلك نتيجة عدم حسم مسألة إصلاح القطاع العام الذي أثر سلبا على الإنتاجية وعلى المالية العامة. ولا تزال مشاريع الإصلاح المؤسسي المتمثلة بإعادة هيكلة الوزارة وتطوير أسس اختيار الكادر متعثرة نتيجة عدم توفر إجماع حكومي على شكل ومضمون التغيير المؤسسي المطلوب.
6- حصل القطاع على اعتمادات أقل بكثير من المخصص له في الخطة الخمسية وذلك مرتبط بتأخر إصلاح القطاع الذي كان شرطاً لتوفير التمويل له. ويضاف إلى نقاط الضعف برنامج تطوير البحث الصناعي وخاصة المتعلق بالمخابر المطلوبة للبحث والتطوير رغم وجود محاولات لربط التدريب مع وزارة التعليم العالي.
2.3
وأشار التقرير إلى أنه من أجل مواجهة التحديات والضغوط الداخلية والخارجية المتمثلة باشتداد المنافسة والأزمة المالية العالمية، والتي يعاني منها قطاع الصناعة التحويلية، يفترض التركيز في عامي 2009-2010 على ما يلي:
· إعادة هيكلة الوزارة لتمارس دورها كمشرف على القطاع وإصلاح القطاع العام الصناعي وتطوير إدارته وتفعيل المحاسبة وإنشاء الاتحادات النوعية كأساسيات للإصلاح المؤسسي الذي يتطلب قرار حكومياً واضحاً.
· تطوير البيئة الاستثمارية من خلال تحقيق أداء حكومي فعال ومكافحة جدية للاحتكارات وتوفير بنية تحتية خاصة في مجالات السكك الحديدية والموانئ مترافقة مع تبسيط الإجراءات للمستثمرين الصناعيين دون المس بشروط السلامة البيئية.
· تمويل مخابر البحث والتطوير وتوفير التمويل لأصحاب الابتكارات بضمانات حكومية يعد مصدرا للمنافسة على المدى البعيد.
2.4 3-3 تقييم مكتب النائب الاقتصادي لأداء الخطة الخمسية العاشرة:
أعد مكتب نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية في شهر آب 2009 تقييماً لأداء الخطة الخمسية العاشرة بنهاية منتصف المدة تضمن فيما يتعلق بالصناعات التحويلية ما يلي:
1- نمو الناتج المحلي الإجمالي لقطاع الصناعات التحويلية بدون تكرير النفط بسعر السوق وبالأسعار الثابتة لعام 2000 بنسبة 13% خلال الفترة 2006-2007. وبالمقارنة بمعدل النمو المستهدف في الخطة الخمسية العاشرة وهو (10%) نلاحظ ارتفاع نسبة التنفيذ إلى (130%) وذلك بسبب الزيادة الحاصلة في ناتج القطاع الخاص الصناعي الذي بدأ بتوسيع نشاطه الإنتاجي خلال السنوات الماضية.
2- بلغ حجم إجمالي الاستثمارات للأعوام (2006-2007-2008) ما مقداره (129) مليار ل.س، كانت نسبة مساهمة القطاع الخاص فيه 83% والقطاع العام 17%، والملاحظ ارتفاع نسبة استثمارات القطاع الخاص الصناعي نتيجة تحديث القوانين، وانخفاض نسبة الاستثمار في القطاع العام الصناعي نتيجة عدم رصد الاعتمادات المطلوبة والمقرة بالخطة الخمسية العاشرة للقطاع العام والبالغة حوالي (105) مليار ل.س، وقد بلغت نسبة الاستثمارات من الناتج الصناعي (37%) أي بنسبة تنفيذ (93%) مقارنة بما تضمنته المرامي الكمية للخطة الخمسية العاشرة بتحقيق استثمارات بنسبة (40%) من الناتج الصناعي.
3- بلغت قيمة صادرات الصناعة التحويلية للأعوام (2006-2007) ما مقداره (517) مليار ل.س، حيث حققت معدل نمو ما بين 2005 و2007 (77%) علماً أن معدل النمو المستهدف في الخطة الخمسية العاشرة هو (10%).
4- أشار التقرير إلى أن أهم ثلاث إنجازات تحققت خلال الفترة الماضية هي:
· ارتفاع صادرات قطاع الصناعات التحويلية بمعدلات أعلى بكثير من معدلات النمو المستهدفة في الخطة الخمسية العاشرة مما يشير لارتفاع مدى مساهمة القطاع الخاص في عملية التنمية الاقتصادية.
· تم توجيه العمل بصورة متنامية للتركيز من قبل الوزارة على إدارة هذا القطاع بصورة إستراتيجية.
· البدء وبشكل جدي ضمن إطار تنفيذي بمعالجة أوضاع الشركات العامة الصناعية ولكل شركة على حدا وذلك بما يحقق أهداف الخطة الخمسية العاشرة.
5- أشار التقرير إلى ثلاثة مجالات يجب التركيز عليها حتى نهاية 2010هي:
· التركيز على دعم البنى التحتية والقطاعات الداعمة لهذا القطاع وعلى رأسها منظومة الجودة.
· متابعة مشروع إعادة هيكلة القطاع العام الصناعي وفق ما ورد بإستراتيجية الوزارة حتى عام 2015.
· تأسيس مركز للتحديث الصناعي وتقديم الخدمات الداعمة لنمو هذا القطاع في حال توفر التمويل اللازم.
6- كما أشار التقرير إلى أن أبرز الدروس المستفادة من الخطة الخمسية العاشرة هي:
· ضرورة وضع خطط التنمية والتحديث للقطاعات الاقتصادية والاجتماعية بما يراعي تداخل المسؤوليات في الإشراف على القطاعات بين عدد من الوزارات.
· ضرورة وضع أولويات واضحة للتنمية لا تتعدى العشرة وقابلة للتطبيق.
· ضرورة توحيد الرؤية بين القطاعات المختلفة والوزارات المعنية حيال أولويات التنمية.
2.5 3-4 التقييم:
من ]دراسة وتحليلالتقارير الثلاث السابقة، ومتابعة الواقع الحالي للصناعة السورية ، يمكن الاستنتاج بأن النتائج التي حققتها الخطة الخمسية العاشرة في قطاع الصناعات التحويلية هي نتائج متواضعة جداً على الرغم من اعتماد قياسها على أرقام السنتين الأولى والثانية الفعلية والتقدير الأولي لنتائج السنتين الأخيرتين في معظم الأحيان. ويمكن التأكد من ذلك من خلال مقارنة المرامي الكمية المخططة بما تم تنفيذه استناداً إلى تقرير تحليل الوضع الراهن لقطاع الصناعات التحويلية للفترة 2005-2008 وكما يلي:
1- لم يتم تحقيق نسبة نمو الناتج المحلي للقطاع بنسبة 15% سنوياً، بل بلغت نسبة الزيادة السنوية بسعر السوق وبالأسعار الثابتة لعام 2000 بحدود 9.4% في عام 2006 و 21.2% في عام 2007 و-1% في عام 2008. أما بالأسعار الجارية فقد كانت نسبة النمو في عام 2006 سالبة -1.1% وفي عام 2007 20.8% وفي عام 2008 سالبة أيضاً – 5.6%.
2- لم تصل نسبة مساهمة قطاع الصناعات التحويلية في الناتج المحلي الإجمالي إلى 15%، بل تراوحت حسب تقرير تحيل الوضع الراهن بين 9.7% عام 2006 و 10.5% عام 2008 بالأسعار الثابتة لعام 2000 وهي أرقام تختلف عن أرقام المكتب المركزي للإحصاء .
3- لم يتم تحقيق حجم الاستثمارات المخططة خلال الخطة الخمسية العاشرة للقطاع العام الصناعي البالغة 104967 مليون ليرة سورية في حال وسطي معدل نمو 7% و للسيناريو الثاني سيبلغ 101678 مليون ليرة سورية في حال وسطي معدل نمو 5%.، حيث لم ينفذ منها سوى 7.7 مليار في عام 2006 و6.4 مليار في عام 2007 و4.7 مليار في عام 2008 و6.1 مليار في عام 2009 أي حوالي 24.8 مليار يضاف إليها اعتماد مخطط في عام 2010 حوالي 5.3 مليار ليرة سورية ليصبح المجموع في أحسن الأحوال حوالي 30 مليار ليرة سورية خلال سنوات الخطة أي بحدود 28% فقط .
4- أما بخصوص التوسعفي التشغيلبمعدل 10% سنوياً بين 2006 و2010، فقد تراجع عدد العاملين في وزارة الصناعة والمؤسسات العامة الصناعية والجهات التابعة لها من 83368 عاملاً في عام 2005 إلى 75918 عاملاً في نهاية عام 2009 أي بتراجع 9% وذلك بسبب وقف التعيينات الجديدة وعدم تعويض التسرب .أما فرص العمل الجديدة التي أتاحتها المشاريع الصناعية الخاصة المنفذة خلال الفترة 2006-2008 حسب بيانات وزارة الصناعة فقد بلغت 37559 فرصة بنسبة نمو 5% عن عام 2005 . أما بخصوص تحسن مؤهلات العاملين بحيث يصبح حملة الشهادات الثانوية العامة والفنية والمعاهد المتوسط والجامعاتنحو 60%من العاملين، وأن يخلق وظائف جديدة ذات مهارات عالية، فتشير البيانات إلى أنه لم يتم إحراز أي تقدم ملموس في هذا التوجه حيث سبق أن بينا أن حوالي 75% من العاملين في القطاع العام الصناعي من مستوى الإعدادية ومادون و6% فقط من خريجي الجامعات .والوضع في القطاع الخاص ليس بأفضل من القطاع العام إن لم يكن أسوأ بسبب التزام الدولة السابق بتعيين المهندسين ومساعدي المهندسين من خريجي بعض المعاهد المتوسطة في الجهات العامة.
5- تحقيق نمو في الصادرات الصناعية بمعدل 10% سنوياً بين 2006 و2010 لتصل إلى 2.38 مليار دولار وبحيث تشكل الصادرات الصناعية ذات القيمة المضافة المتوسطة و العالية النسبة الأكبر من هذه الصادرات. عملياً ارتفعت صادرات الصناعة التحويلية من 89.8 مليار ليرة سورية في عام 2005 إلى 235 مليار ليرة سورية في عام 2006 وإلى 281 مليار في عام 2007 و 385 مليار في عام 2008 أي أنها تجاوزت الرقم المخطط وتضاعفت صادرات القطاع العام مرتين ونصف وصادرات القطاع الخاص حوالي خمس مرات. أما بخصوص القيمة المضافة العالية والمتوسطة للصادرات السورية فقد سبق أن بينا أن 61% من الصادرات السورية تنحصر بالمواد الأولية ونصف المصنعة والنسبة الباقية تمثل الصادرات المصنعة ومعظمها من الصناعات النسيجية والغذائية ذات القيمة المضافة المنخفضة.
6- أما ما يتعلق بهدف زيادة نسبة الشركات المساهمة والتعاونية في الصناعة التحويلية.فإنه وعلى الرغم من صدور القانون الجديد للشركات إلا أننا لم نسمع بإحداث شركة مساهمة صناعية طرحت أسهمها على الاكتتاب العام . كما أن الجمعيات التعاونية الإنتاجية في تراجع مستمر .
7- تنمية مساهمة القطاع الخاص في الاستثمار الصناعي . ربما يكون هذا الهدف هو الهدف الثاني الذي حظي بنسبة تنفيذ جيدة خلال السنوات الثلاث الأولى من الخطة الخمسية العاشرة حيث بلغ مجموع رساميل المشاريع الصناعية الفعلية المنفذة خلال الفترة 2006-2008 حوالي 107 مليار ليرة سورية حسب بيانات وزارة الصناعة .
وفي هذا المجال لابد من الإشارة إلى ما يلي: .
1- تختلف الخطة الخمسية العاشرة لقطاع الصناعات التحويلية عن الخطط السابقة كونها لم تقتصر فقط على برنامج استثماري بل ركزت على الاستراتيجيات والسياسات التي من شأنها تعزيز دور القطاع الصناعي وأهدافه وسبل تنفيذها ، كما أنها بنيت على أساس قطاعات اقتصادية وليس على مستوى وزارات أو جهات. وبذلك أصبحت مهمة تنفيذ هذه الخطة وإن أنيطت بوزارة الصناعة إلا أنها مرتبطة بشكل كبير بعمل واختصاص وزارات وجهات أخرى، ما كان يستوجب اعتماد أسلوب جديد في التنسيق و التنفيذ و المتابعة وتقييم الانجاز، كما كان يتطلب قدرات وكفاءات مناسبة في مختلف المستويات والجهات للقيام بهذه المهام الجديدة، وهو ما لم يحصل بالشكل المطلوب.
2- تمت صياغة الخطة في إطار جو من التفاؤل يعطي الانطباع بأن المستثمرين من القطاع الخاص المحلي والعربي والأجنبي وكذلك الجهات المانحة جاهزة لتنفيذ الدور الذي رسم لها في الخطة دون مراعاة قدرة واستعداد هذه الجهات للقيام بهذا الدور من ناحية وقيام الجهات الحكومية المعنية في توفير المستلزمات اللازمة لتمكين وتشجيع هذه الجهات لتنفيذ ذلك ووفق أولويات الخطة المعتمدة. حيث كانت النتائج الملموسة محدودة للغاية.
3- نتيجة الاصطفاف وتباين وجهات نظر الذي حدث ضمن الفريق الحكومي خلال مناقشة المسودة النهائية للخطة الخمسية العاشرة وما رافق ذلك من أخذ ورد حول دور هيئة تخطيط الدولة والوزارات في إعداد هذه الخطة ، والاتفاق على أن تتولى كل وزارة تعديل ما يخصها وفق ما تراه، فقد أدى ذلك إلى مزيد من التداخل في الخطة وأثر إلى هذا الحد أو ذاك على بعض مضامينها . وقد اقترح الباحث في الاجتماع الأخير للجنة الفنية للخطة تضمين قانون الخطة مادة تشير إلى إمكانية مراجعتها سنوياً لتدارك أي مستجدات تطرأ على تنفيذها . وفعلاً وافق السيد النائب الاقتصادي على ذلك وتم إصدار قانون الخطة الخمسية العاشرة رقم 25 تاريخ 7/5/2006 متضمناً في مادته الثالثة ما يلي: تجري سنوياً مراجعة الأهداف والاستراتيجيات والسياسات الكلية والقطاعية وتقييمها في ضوء تحليل المؤشرات والتغيرات الطارئة . إلا أنه لم يستفد من هذه المادة في إعادة صياغة وترتيب الخطة في ضوء ما تم تنفيذه وما استجد من أمور. وفي أواخر عام 2007 أعد برنامج التحديث والتطوير الصناعي في سورية برنامجا شاملا لتحديث الصناعة السورية بكافة قطاعاتها ومؤسساتها الداعمة وتمت مناقشته في ورشة عمل كبيرة شارك فيها ممثلو الجهات المعنية العامة والخاصة والخبراء وتم رفعها يعد تعديلها قي ضوء نتائج ورشة العمل إلى الجهات المعنية حيث طلب السيد رئيس مجلس الوزراء بناء على اقتراح النائب الاقتصادي من وزارة الصناعة و هيئة تخطيط الدولة عرض الوثيقة على اجتماع عاجل للحنة الفنية العليا للخطة الخمسية العاشرة للنظر في اعتمادها جزأً متمماً ومتكاملاً مع الخطة العاشرة وإطاراً للخطة الخمسية الحادية عشرة إلا أن ذلك لم يتم، وبذلك خسرت الخطة الخمسية العاشرة لقطاع الصناعات التحويلية فرصتين لمراجعتها وتحسين أدائها.
4 – تضمنت المصفوفة التنفيذية لخطة قطاع الصناعات التحويلية الخمسية العاشرة مشاريع جيدة وحيوية يساهم قسم هام منها في تحسين بيئة عمل الصناعة السورية إلا أن معظم هذه المشاريع على الرغم من أنها تخدم الصناعة الوطنية إلا أنها تتداخل وتتقاطع مع عمل وزارات وجهات عامة أخرى مثل وزارة الاقتصاد والتجارة والمالية والإدارة المحلية والبيئة والزراعة وهيئة تخطيط الدولة الخ….وعليه تم تشكيل لجنة في وزارة الصناعة بعد صدور الخطة برئاسة معاون الوزير المسؤول لمتابعة تنفيذها وانبثق عن هذه اللجنة خمسة فرق عمل تخصص كل فريق بهدف من الأهداف الخمسة المحددة في الخطة. وقد باشرت هذه الفرق عملها في وضع مصفوفات تنفيذية لكل هدف ومتابعته إلا أن عملها لم يستمر سوى بضعة أشهر انتهت في نهاية العام الأول من الخطة 2006 بسبب تقاعد معاون وزير الصناعة المسؤول عن الخطة آنذاك ولم تتابع فرق العمل نشاطها طيلة الأعوام 2007 و2008 و2009 وحتى الآن .
وعليه يمكن الخلوص إلى ما يلي:
أولاً: إن مشكلة الخطة الخمسية العاشرة لقطاع الصناعات التحويلية ليست في طموح الخطة لأنه لا يمكن لأحد أن يفكر بالمستقبل دون طموح، بل المشكلة في تواضع الجهود التي بذلت من كافة الأطراف وعلى مختلف المستويات من أجل تنفيذ الخطة ومراجعتها ومتابعة تنفيذها بل وتعديلها في ضوء الواقع .
ثانياً: إن الخطة الخمسية الحادية عشرة لقطاع الصناعات التحويلية التي لم تتبلور حتى الآن ستكون على الأغلب نسخة منقحة من الخطة السابقة وهو ما يستوجب الالتزام بالدروس المستخلصة من الخطة العاشرة بكل موضوعية وشفافية بعيداً عن صيغة البيانات الحكومية . وبرأي أن التحفظ في التقييم في هذه المرحلة أفضل بكثير من المبالغة في تصوير المنجزات التي لا يراها ولا يقتنع بها سوى الذين يتحدثون عنها .
3 4. التحديات والأولويات:
تعتبر الصناعة محركاً أساسياً للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وذلك لتشابكاتها الأمامية والخلفية مع مختلف قطاعات الاقتصاد الوطني الأخرى الإنتاجية والخدمية وبشكل خاص التشغيل . إذ من المعروف وحسب دراسات سابقة لمنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (اليونيدو) أن كل فرصة عمل في القطاع الصناعي تحرض الطلب على أربع فرص عمل في الأنشطة و القطاعات الأخرى ذات العلاقة، ما يساهم في دفع عجلة التنمية والتشغيل في الاقتصاد الوطني وهذا يستوجب التركيز على هذا القطاع ومعالجة مشاكله وتوفير مستلزمات بقائه ونموه.
إن التحدي الرئيسي الذي تواجهه الصناعة السورية اليوم هو تحدي البقاء والنمو، وبالطبع ليس المقصود هنا البقاء والوجود الفيزيائي ،بل البقاء الفاعل الحيوي المتجدد باستمرار، وهو ما لا يمكن تحقيقه بدون رفع القدرة التنافسية لهذه الصناعة ، وذلك بتحديثها من كافة الجوانب الفنية والإنتاجية والتسويقية والالتزام بمعايير الجودة والاشتراطات البيئية والاجتماعية الدولية. وفي هذا المجال يجب أن يكون واضحاً لدينا جميعاً ما يلي:
1- إن العمل من أجل زيادة القدرة التنافسية للصناعة السورية ليس حالة عابرة أو مؤقتة نقوم بمعالجتها بإجراءات تتخذ لمرة واحدة وحسب ، بل هو مهمة مستمرة ومتجددة على مر الحياة مع تنامي المجتمع واحتياجاته وتحدياته ، ومع تطور الأوضاع الاقتصادية والصناعية المحلية والإقليمية والدولية.
2- إن عملية التحديث الصناعي ، وحسب تجارب العديد من البلدان التي سبقتنا ونجحت في هذا المجال ، مهمة كبيرة ومعقدة تتطلب مشاركة كافة الأطراف المعنية بشكل فعال ومتكامل ، لأنه لا يمكن لطرف واحد أن يتولاها بمفرده . فعلى الرغم من الدور المحوري والرئيسي للحكومة في هذا المجال إلا أن مشاركة الصناعيين أنفسهم ومنظماتهم واتحاداتهم لا تقل أهمية عن دور الحكومة لأن هذه المشاركة تساعد في تسريع العملية وتحسين أدائها وفعاليتها.
3- إن عملية التحديث الصناعي لا يمكن أن تقتصر فقط على مستوى المنشأة الصناعية وحسب، بل لابد من توفير بيئة العمل الخارجية المناسبة التي تحيط بالمنشأة الصناعية من كافة النواحي وتجاوبها مع متطلبات التحديث والتطوير وبما يساهم في نقل مخرجاته ونتائجه إلى كافة القطاعات الاقتصادية والخدمية الأخرى .
4- إن الصناعة السورية اليوم أمام مفترق طرق وفي وضع دقيق وحرج ولا مجال من أجل إنقاذها لمزيد من البطء والتردد والانتظار وإضاعة المزيد من الفرص كما حدث سابقاً .
الأولويات
مما لاشك فيه أننا لسنا هنا بصدد وضع مقترحات شاملة لمعالجة أوضاع الصناعة السورية، لأن ما هو موجود ومتاح لدى المسؤولين والمختصين من تقارير ودراسات واستراتيجيات يغطى معظم ما هو مطلوب ولا يحتاج إلا لقرار وإرادة جدية ومسؤولة للبدء بالتنفيذ من خلال إقامة شراكة حقيقية بين الحكومة والقطاع الخاص والنقابات والمنظمات غير الحكومية من اتحادات وغرف، للعمل كفريق عمل واحد من أجل تنفيذ المطلوب.
لذلك فإن ماسنقدمه هو تحديد وتذكير بأهم النقاط الأساسية والجوهرية التي لابد من العمل عليها كأولويات من أجل تحسين أوضاع الصناعة السورية وتمكينها من تجاوز أزمتها والتحديات التي تواجهها خاصة وأننا في مرحلة إعداد الخطة الخمسية الحادية عشر للقطاع الصناعي.
1- تشكيل مجلس خاص للتنمية الصناعية يتولى وضع ومتابعة تنفيذ الخطط والاستراتيجيات والسياسات الخاصة بالتنمية الصناعية ومتابعة تنفيذها، والتنسيق ما بين الوزارات والجهات العامة والخاصة ذات العلاقة بالصناعية برئاسة رئيس مجلس الوزراء أو نائبه الاقتصادي بحيث يضم إضافة إلى وزراء الصناعة والمالية والاقتصاد والإدارة المحلية والتخطيط ممثلين فعالين من القطاع الخاص ومن المختصين والمستشارين. ويمكن أن ينبثق عن هذا المجلس لجان وطنية مختصة للنهوض بفروع الصناعية الوطنية الرئيسية والمستهدفة.
2- إحداث مركز وطني دائم للتحديث والتطوير الصناعي يتولى تحديث وتطوير الشركات الصناعية الصغيرة والمتوسطة القائمة حالياً والقابلة للتحديث من القطاعات ذات الأولوية للاقتصاد السوري بحيث يتابع ما بدأه برنامج التحديث والتطوير الصناعي في سورية في قطاع الصناعات النسيجية.على أن يترافق إحداث هذا المركز مع إحداث المؤسسة المكملة والضرورية لتحقيق أهدافه وهو الصندوق الوطني للتحديث الصناعي الذي يوفر الموارد المالية اللازمة لعملية تحديث وتطوير الصناعة السورية بشكل دائم ، والتي تتألف من مساهمات الدول والهيئات المانحة إضافة إلى رسم بسيط يفرض على الصادرات والمستوردات الصناعية.
3- اعتماد برنامج وطني متكامل ومتوازن تتوافق عليه كافة الأطراف المعنية أو معظمها على الأقل لإصلاح القطاع العام الصناعي يركز بشكل أساسي على تحسين بيئة عمل هذا القطاع الإدارية والتنظيمية والمالية والإنتاجية وأسلوب اختيار إداراته، بما يؤدي إلى معالجة مشاكله وتمكينه من العمل كالقطاع الخاص بالأسلوب الذي يجعله قطاعاً رابحاً منافسا قادراً على البقاء والتوسع بإمكانياته الذاتية ولا يختلف عن القطاع الخاص إلا في توريد الجزء الخاص الموزع من أرباحه إلى وزارة المالية . ومن الضروري أن يتم إعداد هذا البرنامج وتنفيذه وفق برنامج مادي وزمني واضح ومحدد.
4- الانتقال إلى دور جديد تنموي و لامركزي لوزارة الصناعة يحولها إلى وزارة سياسات صناعية تقوم بتشجيع وتحفيز وتمكين الصناعة السورية كقطاع وطني واحد بكافة أشكال الملكية بما فيها القطاع المشترك والقطاع التعاوني لتحسين قدرتها التنافسية ، وهذا يتطلب عكس هذا الدور بالشكل المناسب على البنية الهيكلية والتنظيمية للوزارة والعاملين فيها.
5- تفعيل دور المؤسسات والهيئات الداعمة القائمة حاليا (مواصفات اختبارات، تدريب مهني…) والإسراع في إحداث المؤسسات الداعمة الضرورية الأخرى لتحديث الصناعة في سورية بالتعاون مع القطاع الخاص مثل المراكز الفنية والمخابر المعتمدة والمعارض والاستشارات وضمان الصادرات و غيرها من المؤسسات الداعمة التي تعتبر عنصرا أساسياً في تحسين بيئة العمل الصناعي وتعزيز القدرة التنافسية للصناعة السورية بشكل متواصل، وفي مقدمتها الإسراع في إحداث المؤسسة الخاصة المستقلة لدعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والانتقال عملياً لتطبيق مفهوم العنقود الصناعي ودعم بوادره الموجودة حالياً في عدد من المدن والمناطق بشكل عملي.
6- إعطاء مسألة التمويل الصناعي بكافة مستوياته: المتناهي الصغر والصغير والمتوسط الاهتمام المطلوب من المصارف العامة والخاصة وكذلك الصناديق المخصصة لذلك وبشكل خاص ما يتعلق بتسهيل شروطه وضماناته وتفعيل دور ما هو موجود حالياً منها.
7- التدقيق المتعمق في شهادات المنشأ للبضائع المستوردة لجهة تحقيقها الشروط المتعارف عليها في هذا المجال وبشكل خاص تحقيق قيمة مضافة محلية لا تقل عن 40% وكذلك أسعارها . إضافة إلى طلب الحصول على شهادات جودة معتمدة للمستوردات الصناعية من مخابر وهيئات معتمدة عالمياً وتحقيقها للمواصفات الوطنية والعالمية.
8- التنسيق بين مختلف مشاريع وبرامج التعاون الدولي التي يجري وسيجري تنفيذها ذات العلاقة بالصناعة السورية، من أجل توزيع أدوار ومهام هذه البرامج بشكل يضمن تكاملها وعدم التكرار والازدواجية فيما بينها كما هو حاصل حالياً، وبما يزيد من فعالية هذه البرامج وتحقيق أهدافها بأفضل الأساليب وأقل التكاليف وأقصر الأوقات، ويشجع المزيد من الجهات الداعمة والمانحة على استمرار نشاطها في سورية في ضوء ما يتحقق من نتائج وتقييم ايجابي لما تقدمه.
9- إعادة النظر بمناهج ودور الكليات والمعاهد المتوسطة ومراكز التدريب المهني ذات العلاقة بالصناعة بما يتناسب مع حاجة هذه الصناعة ومتطلبات تطويرها وبالتنسيق والمشاركة مع الشركات العامة والخاصة التي تحتاج هذه الاختصاصات . إضافة إلى إعادة النظر بأنظمة عمل مراكز التدريب المهني وتوحيدها في إطار هيئة واحدة بما يضمن توفير الكوادر الادارية والفنية المناسبة للعمل فيها وتطوير قدراتها بشكل مستمر والمحافظة عليها وذلك بالمشاركة بين وزارة الصناعة ووزارة التعليم العالي واتحاد غرف الصناعة.
10- تحفيز الشركات الصناعية على الجهود التكنولوجية وخاصة البحث والتطوير وتحويل اعتمادات البحث والتطوير المقررة في موازنة الشركات والتي لم يتم إنفاقها إلى صندوق مركزي لتمويل هذا النشاط على نطاق القطاع الصناعي. مع ضرورة أن يتم ذلك بالتعاون بين القطاع الصناعي و الجامعات والمراكز والمعاهد المختصة .
11- التركيز على بناء الخبرات الوطنية في مجال التحديث والتطوير الصناعي في كافة الاختصاصات وإفساح المجال أمامها للمساهمة بشكل أكبر وأفضل في هذه العملية، وهذا بدوره يتطلب تنظيم مهنة الاستشارات من خلال الجمعيات الموجودة والمعتمدة و تشجيعها على تطوير نفسها ورفع كفاءة أعضائها بشكل مستمر، وإزالة الغبن والتمييز الذي تقوم به بعض المنظمات والجهات المانحة بين الاستشاري الوطني والأجنبي عند تساوي الكفاءات والمؤهلات.كذلك إشراك المهندسين والاستشاريين السوريين بتنفيذ المشاريع والبرامج التي تنفذها الشركات الأجنبية سواء من خلال المشاركة في تصميم المشروع وتصنيع آلاته، أو بإلزام هذه الشركات ما أمكن بإبرام عقود ثانوية مع الجهات السورية الخاصة والعامة لإنجاز الأعمال وفق الشروط المطلوبة.
12- التحسين المستمر في مناخ الاستثمار في سورية بكافة مكوناته ومستلزماته وعدم اختزال مفهومه بإصدار القوانين فقط دون متابعة ذلك بتوفير و تفعيل مكونات البيئة الاستثمارية الأخرى وبشكل خاص معالجة المعوقات البيروقراطية وذلك من أجل تشجيع الاستثمارات العربية والأجنبية على دخول المجال الصناعي وعدم اقتصارها كما هو قائم حالياً على المستوى السياحي والعقاري ما يتطلب إعطائه الأهمية اللازمة من قبل الجهات المعنية وبشكل خاص الهيئة السورية للاستثمار من أجل إعداد ملفات للمشاريع الصناعية المقترحة والترويج لإقامتها في سورية ، خاصة في ضوء الخسائر الكبيرة التي منيث بها الاستثمارات العربية الخارجية نتيجة الأزمة العالمية وبحثها عن أماكن آمنة لاستثمار ما تبقى من هذه الاستثمارات .
13- توعية الصناعيين ومنظماتهم بأهمية وضرورة وجود معلومات وبيانات أقرب ما تكون للواقع لضمان تشخيص ومتابعة واقع الصناعة السورية بشكل دقيق ووضع السياسات واتخاذ الإجراءات التي تتناسب مع هذا الواقع الفعلي . وهذا يتطلب أيضاً تطوير قدرات المكتب المركزي للإحصاء وأجهزة الإحصاء في الجهات المعنية العامة والخاصة من أجل توفير معلومات وبيانات أكثر دقة وواقعية عن الصناعة وبشكل خاص تجارتها الخارجية.
ختاماً لابد من القول أن تحديث وتطوير الصناعة السورية من أجل تعزيز قدرتها التنافسية ومواجهة التحديات العديدة التي تواجهها أصبح ضرورة ملحة لا تحتمل التسويف أو التأجيل.
ونحن لا نجافي الحقيقة عندما نؤكد أنها أصبحت مهمة وطنية بامتياز بكافة الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية بل وحتى السياسية، وأن تنفيذها بالشكل المطلوب يتطلب نقلة نوعية هامة في ذهنية وأسلوب عمل الحكومة ورجال الصناعة ومنظماتهم ، وكذلك منظمات العمال والحرفيين والجمعيات الأهلية الأخرى ذات العلاقة . إنها النقلة التي تجسد عملياً الانتقال إلى دور جديد أكثر أهمية ومسؤولية ومشاركة فعالة في القرار والتنفيذ من كافة هذه الأطراف.
التعليقات الجديده