يونيو 13, 2016 كلمة تقال 0 تعليقات

الصناعة والدولار

* فؤاد اللحـــــام

شهد الدولار الأمريكي خلال الأسبوعين الأخيرين ارتفاعاً كبيراً وسريعاً في السوق الرسمية وفي السوق السوداء ما أدى الى انتشار حالة من الهستيريا في الأسواق والأسعار. وبعد عقد عدد من الاجتماعات الرسمية مع المعنيين في الصناعة والتجارة والزراعة والمختصين واساتذة الجامعات لمناقشة هذا الموضوع ومعالجة التدهور الحاصل، تم اتخاذ عدد من الاجراءات الادارية التي حدت في البداية من ارتفاعه ومن ثم أدت إلى انخفاضه من 640 ليرة سورية إلى نحو 470 ليرة سورية حالياً.

ساهمت الاجراءات الأخيرة التي اتخذها المصرف المركزي في تراجع الطلب على الدولار وازدياد العرض منه خوفاً من مزيد من الانخفاض. وقد تمثلت هذه الاجراءات بإلزام شركات ومكاتب الصرافة بشراء كمية من القطع الأجنبي وبيعها فوراً دون ربح لزيادة العرض من الدولارات ، كما تم إعفاء المصدرين من تسديد تعهداتهم بإعادة قطع التصدير حتى بداية شهر أيلول القادم لاستخدامها مجدداً في تمويل صادراتهم وتخفيف الطلب على شراء الدولار ، كذلك تم تحديد سعر جيد للحولات الشخصية قريب من سعر السوق السوداء واتاحة الفرصة لأصحابها بفتح حساب خاص بها والسحب منها حسب رغبتهم لتجنب صرفها بوسائل أخرى خارج النطاق الرسمي ، اضافة لذلك تم تقييد حركة السحوبات من البنوك وحصرها بمبالغ قليلة الأمر الذي أدى إلى ضعف السيولة بالليرات السورية في السوق وانخفاض الطلب على الدولار وزيادة المعروض منه  في السوق الرسمية ذات السعر الأعلى من السوق السوداء خوفاً من المزيد من الانخفاض .

إلا أن كل هذا الانخفاض في سعر الدولار ، وإن أدى إلى انخفاض بسيط في اسعار بعض المواد حتى الآن ، لم يؤد إلى عودة الأسعار إلى ماكانت عليه قبل هذه الفورة.  ومع ذلك لايمكننا القول أن وضع الدولار في السوق قد استقر وفق ما تعودنا عليه من سياسات المصرف المركزي في هذا المجال ،حيث أن جلسات التدخل التي كان يمارسها البنك المركزي بين الحين والآخركانت عبارة عن أداة لتجميد عملية ارتفاع سعر الدولار أو تخفيضه  لفترة محدودة ليعاود الصعود من جديد وبارتفاع مستمر، كما كانت توجد مصلحة للحكومة في رفع سعر الدولار لاستخدام حصيلته في تسديد رواتب العاملين والمتقاعدين التي لم تزدد خلال سنوات الأزمة الخمسة أكثر من 60%. اضافة لذلك هناك أسباب موضوعية أدت وتؤدي الى انخفاض قيمة الليرة السورية من أهمها:

  • استمرار الأعمال القتالية وتعثر الجهود الرامية إلى حل سياسي للأزمة السورية واستمرار اجراءات المقاطعة والحصار.
  • التراجع الكبير في الموارد من القطع الأجنبي التي كانت تعتمد على النفط والصادرات الزراعية والصناعية ودخل السياحة والتحويلات الخارجية ، والاضطرار نتيجة ذلك إلى انفاق المزيد من القطع الأجنبي لتأمين البديل عن المنتجات النفطية والزراعية والصناعية عن طريق الاستيراد النظامي وغير النظامي حيث تشكل نسبة الصادرات أقل من 10% من قيمة المستوردات .
  • زيادة حجم الإصدار النقدي لتمويل العجز الكبير في الموازنة العامة للدولة منذ عام 2011. .
  • العامل النفسي سواء المتعلق بالأوضاع السياسية والعسكرية والاقتصادية أو بحالة التحوط على المدخرات الخاصة والمحافظة على قيمتها في ظل الحديث عن تراجع حجم الاحتياطي النقدي من القطع الأجنبي إلى مستوى 700 مليون دولار حسب تصريحات البنك الدولي الأخيرة .
  • انتشار التعامل بالدولار في المناطق خارج سيطرة الدولة .
  • حالات التلاعب في البيع والشراء التي تمارسها شركات ومكاتب الصرافة مع مايشوبها من حالات تواطؤ وفساد.
  • التقيدات التي تمت بخصوص منح اجازات الاستيراد .

ان الاجراءات الأخيرة والمتأخرة التي اتخذها البنك المركزي  لتحسين قيمة العملة الوطنية تطرح جملة من الأسئلة في مقدمتها :

  • هل كان من الضروري وصول الأمور إلى ما وصلت اليه مؤخراً حتى يتم التدخل بهذه الصورة ؟
  • اذا كان المركزي قادراً – وقد استطاع فعلاً- على مواجهة هذا الانخفاض الكبير فلماذا لم يتدخل بهذا الشكل قبل الآن لوقف تدهور قيمة الليرة السورية ؟؟
  • هل يضمن المركزي عدم تكرار أو استمرارعملية الانخفاض بعد الآن، وهل تم على أرض الواقع المادي توفيرالظروف المطلوبة لتحقيق استقرار سعر الصرف بالمستوى الذي وصل اليه ؟ في ظل وجود مخاوف جدية من أن تكون الاجراءات المتخذة حتى الآن تضحية بجزء من الاحتياطي الموجود لتحقيق هدف التخفيض مؤقتاً. اضافة لوجود تكهنات بأن ماتم كان  نتيجة دعم خارجي جديد بالقطع الأجنبي لهذه الغاية …..

ان وقف تدهور العملة الوطنية يرتبط بشكل رئيسي بالأمور التالية :

  • التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية يضمن قيام نظام ديمقراطي تعددي يضمن حقوق كافة أبنائه ومكوناته ويعمل على تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية العادلة والمتوازنة لكافة أبنائه ومناطقه . ولكن هذا يستوجب في نفس الوقت العمل على وقف التدهور الحالي قدر الإمكان  لحين تحقيق ذلك.
  • إعادة عجلة الانتاج والعمل في القطاعات الاقتصادية الانتاجية وفي مقدمتها القطاع الصناعي لخفض الاستيراد وزيادة التصدير وتشغيل ما يمكن من العاطلين وتحريك السوق .
  • اتخاذ الاجراءات والتدابير المدروسة في المجال الاقتصادي وخصوصاً المالي والنقدي بمشاركة الخبراء والمختصين والجهات الخاصة والعامة المعنية بعيداً عن التجريب وسياسة القرار يوما بيوم .

هنا يأتي دور القطاع الصناعي في عملية تحسين قيمة الليرة . فلو تم تخصيص جزء مما ينفق في جلسات التدخل بالدولار لتمكين الصناعيين من إعادة تأهيل وتشغيل منشآتهم وتحريك عجلة الانتاج والتصدير لتم توفير مبالغ هامة من القطع الأجنبي سواء بتوفير الاستيراد أو / و زيادة الصادرات وبالتالي تحسين الاحتياطي من القطع الأجنبي وبالتالي قيمة الليرة السورية. ونعود للتأكيد بأن الأرض الصلبة لتحسين وضع الليرة السورية محصورة بتحريك الانتاج المادي الفعلي وأي اجراء آخر مهما كان يبقى اجراء مؤقتاً .  فلتتوجه الجهود والامكانيات لتعزيز قدرات الانتاج الوطني بكافة قطاعاته لأنها الأرضية الصلبة التي يبنى ويعتمد عليها .