يوليو 01, 2016 كلمة تقال 0 تعليقات

التكامل بين الصناعة والتجارة

* فؤاد اللحــام

في الوقت الذي لايمكن فيه نفي وجود منافسة وتعارض مصالح بين الصناعي والتاجر كما وجوده فعلياً بين الصناعيين والتجار بعضهم مع بعض ، فإنه لايمكن إغفال واقع وحقيقة وجود نوع من التكامل فيما بينهما وامكانية تطويره على الرغم من التصريحات المتعارضة التي تصدرأحياناً عن هذا الطرف اوذاك والتي تصاعدت في الفنرة الأخيرة بشكل خاص بسبب الظروف الراهنة واطلاق الجهات المعنية العديد من التصريحات حول حماية الانتاج الصناعي الوطني وإعطائه الأولوية واعلانها منع استيراد المنتجات التي تنتج محلياً والتي تكفي حاجة السوق المحلية .
التنافس ، أو تعارض المصالح ، اذا أردنا أن نكون أكثر تحديداً ، لاينحصر فقط بين الصناعي والتاجر الذي يستورد منتجاً مثيلاً لما ينتجه الصناعي ، بل هو موجود أيضاً داخل القطاع الصناعي نفسه أي بين حلقات الانتاج في هذا القطاع ، فمثلاً هناك تعارض مصالح بين الصناعي الذي يريد استيراد المادة الخام لصناعته وبين من ينتج هذه المادة محلياً ، وأكبر مثال على ذلك الغزول والأقمشة والملابس الجاهزة خاصة عندما تسمح التشريعات بذلك أو / و يمكن الالتفاف عليها بهذا الشكل أوذاك أوكما كان يحدث باستغلال مزايا اتفاقيات تحرير التبادل التجاري وخاصة فيما يتعلق بشهادة المنشأ ، اضافة إلى حالات التلاعب المعروفة بأسعار وتصنيف المواد المستوردة. وتجربة السنوات الخمس التي سبقت الأزمة تؤكد ذلك بالبرهان القاطع سواء في تراجع عدد المشاريع الصناعية المرخصة والمنفذة أوبإغلاق العدديد من المصانع القائمة وتحول أصحابها إلى الاستيراد لنفس منتجاتهم.
لكن على الجانب الآخر لا يمكن نفي وجود نوع من التكامل بين الصناعة والتجارة في أكثر من مجال سواء فيما يتعلق بتأمين القطاع التجاري حاجة الصناعة من الآلات والتجهيزات ومستلزمات الانتاج أو / و في توزيع وتصدير عدد من المنتجات الصناعية . فأكثر من 95% من منشآتنا الصناعيةهي منشآت متوسطة وصغيرة ومتناهيةالصغر وليست جميعاً لديها القدرة المالية والادارية والخبرة في الأسواق الخارجية لاستيراد موادها الأولية ومستلزمات انتاجها ، ولذلك فإن قسماً هاماً من هذه المنشآت يعتمد على الوكلاء والمستوردين في تأمين احتياجاته من الالات والتجهيزات والمواد الأولية ما يخفف عنهم أعباء ومصاعب توفر التمويل الكامل الذي يدفع مقدماً لاستيراد احتياحاتهم بما في ذلك جهود الحصول على اجازةالاستيراد وتخصيص القطع والنقل والتأمين مقابل توفير كل هذه الأمور من قبل الوكلاء والتجار محلياً وفي معظم الحالات بالعملة المحلية و تسهيلات بالدفع.
الأمر يختلف فيما يتعلق بالتسويق الداخلي والتصدير حيث يبدو دور القطاع التجاري في هذا المجال أقل من المطلوب رغم ضرورته وتوفر الفرص والامكانيات لتطويره ، حيث أن العديد من المنشآت الصناعية المتوسطة والصغيرة والمتناهية الصغر ، كما هو معروف ، تفتقر إلى الخبرات والقدرات المناسبة في التسويق المحلي والتصدير ما يؤدي إلى قيام اصحاب هذه المنشآت بجهود كبيرة في هذا المجال كان من الممكن توفيرها لتطوير منتجاتهم وهو ما يشكل فرصة أمام القطاع التجاري لسد هذا النقص بالنسبة للتسويق والتوزيع والتصدير .
الظروف الراهنة تفرض المزيد من التنسيق والتكامل بين قطاعي التجارة والصناعة من أجل توفير مستلزمات الانتاج وتنشيط الصادرات الصناعية من ناحية وسد النقص في حاجة السوق الداخلية من السلع الأساسية والضرورية التي لاتلبيها الصناعة بشكل كامل ، وهذا من شأنه أن ينشّط الانتاج ويشّغل المزيد من العمال ويحّرك السوق ليس بالنسبة للمنتج المحلي وحسب بل حتى للمنتجات الضرورية الأخرى التي لاتنتج محليا أو التي لا تكفي حاجة السوق المحلي ويتم استيرادها .
وقف استيراد كل ما يمكن انتاجه محلياً ويسد حاجة السوق المحلية هوأمرمقبول وضروري تفرضه الظروف الراهنة من كافة النواحي التي تتعلق بمحدودية الموارد وخاصة من القطع الأجنبي ، اضافة إلى ترشيد الاستيراد والاستهلاك ودعم الصناعة الوطنية .لكن هذا الاجراء يجب أن يكون مشروطاً بتأمين مستلزمات الانتاج للصناعة المحلية أولاً وتحديده ثانياً بفترة زمنية محددة وكافية وملزمة لتحسين تنافسية المنتج الوطني من حيث الجودة والسعر في مواجهة المنتجات المستوردة فيما بعد ، وهذا يتطلب جهداً مشتركاً من الجهات العامة والخاصة والأهلية المعنية من اتحادات وغرف الصناعة والتجارة وغيرها للوصول إلى ذلك من خلال برامج الدعم الفني التي يجب إعدادها وتنفيذها لهذا الغرض وبشكل مشترك . مع التأكيد على ضرورة الاستفادة من الدروس المستخلصة من تجارب الماضي القريب سواء فيما يتعلق بالحماية المطلقة والحصر والتقييد التي أدت إلى انتشار التهريب والفساد وضعف القدرة التنافسية للعديد من المنتجات الوطنية او في مجال التحرير التجاري المتسرع وغير المنضبط الذي أدى إلى كورث اقتصادية واجتماعية لايستطيع أحد انكارها .