يناير 01, 2019 كلمة تقال 0 تعليقات

صناعة بدائل المستوردات الممكن والمطلوب

أعادت الحكومة مؤخراً فتح ملف انتاج بدائل المستوردات من جديد بهدف توفير ما يمكن من القطع الأجنبي الذي تتطلبه عملية الاستيراد . وفي هذا الاطار تم عقد عدد من الاجتماعات على المستوى الوزاري والمختصين لبلورة رؤية هذا الموضوع الذي ما يزال قيد البحث والمناقشة والتطوير.

صناعة احلال المستوردات ليس مفهوماً جديداً على سورية . حيث اعتمد ونفذ منذ فترة طويلة وبشكل خاص منذ ستينيات القرن الماضي . وكانت نتيجته اقامة العديد من هذه الصناعات نجح بعضها وتعثر الآخر، بسبب التسرع وعدم اجراء الدراسات اللازمة لاقامة هذه الصناعة أو تلك، وتوفير مستلزمات نجاحها الحقيقي وليس الشكلي ، بالقول أننا انتجنا هذا المنتج أو ذاك بغض النظرعن كلفته ونوعيته مقارنة بالمنتج المستورد ، وكذلك عدم اتخاذ الاجراءات والتدابير اللازمة لتمكينه من أن يكون منتجاً منافساً من حيث الجودة والسعر . وهو ما أدى  في كثير من الأحيان إلى فرض منتج مرتفع السعر ومتدني الجودة ، الأمر الذي شجع على التهريب. في ذات الوقت الذي تم فيه اضاعة فرصة الدخول أو / و الاستمرار في صناعة العديد من الصناعات الهامة مثل  المقاسم  الهاتفية ومكونات السيارات والجرارات….

تتألف الواردت الحالية من  المنتجات  التي لاتنتج أصلاً محلياً ، او التي لايغطي انتاجها الحاجة المحلية. اضافة إلى الواردات ( المؤقتة ) الناجمة عن خروج المنشآت الانتاجية الزراعية والصناعية عن الانتاج كلياً أو جزئياً بسبب الأزمة . يضاف الى ذلك الواردات المطلوبة لعملية إعادة الإعمار حالياً ومستقبلاً ..

من المؤكد أننا لانستطيع انتاح كل ما نحتاجه من المنتجات التي نستوردها  حالياً ، خاصة اذا ما تم التركيز على تحقيق الميزة التنافسية للمنتج البديل من حيث الجودة والسعر. لكن بالإمكان اختيار مجموعة من المنتجات المستوردة التي تحقق حالياً أو يمكن أن تحقق على التوازي الميزة التنافسية التي أشرنا اليها لانتاجها محلياً  . لكن هذا يتطلب توفير مجموعة من الشروط والظروف المناسبة لذلك في مقدمتها ما يلي:

1- ضرورة تقييم تجربة انتاج بدائل المستوردات التي تمت في سورية بشكل علمي وموضوعي واستخلاص الدروس المستفادة منها وكيفية تعظيم جوانبها الايجابية وتخفيف آثارها السلبية قبل معاودة تطبيقها من جديد . مع ضرورة الاستئناس بتجارب الدول الأخرى في هذا المجال  التي تشابه ظروف سورية …

2- اختيار مجموعة من المنتجات المستوردة ذات الأولوية التي لاتنتج حالياً والتي يمكن تصنيعها بميزة تنافسية . وحصر الطاقات القائمة من المنتجات التي لا تلبي حاجة السوق الحالية والمستقبلية فعلياً سواء العاملة فعلياً أو قيد الانشاء أوالتي يمكن إعادة تأهيلها ، وتقدير الاحتياجات المتوقعة لعملية إعادة البناء من هذه المنتجات . ومن ثم تحديد الفجوة التي يجب ردمها من من خلال اقامة المشاريع الجديدة ، أو توسيع وتطوير المنشآت القائمة . وهذا يتطلب- بالنسبة للمشاريع الجديدة- اعداد ملفات تعريفية بالفرص الاستثمارية المطلوبة وترويجها ليصار إلى إعداد دراسات جدوى فنية واقتصادية لتنفيذها .

3- إعطاء الأولوية في التمويل والتسهيلات والاعفاءات للمنشآت الانتاجية المتضررة أو  المتوقفة عن العمل أو التي تعمل جزئياً لعودتها للانتاج بكامل طاقتها لتلبية الحاجة المحلية من انتاجها بدلاً من استيراد البديل عنه في الوقت الراهن.

4- التركيز على سلسلة القيمة للمنتجات التي توفر أو يمكن أن توفر ميزة تنافسية في القطاعات  الصناعية الأساسية ( النسيجية والغذائية ) و تلك التي يمكن أن توفر مثل هذه الميزة في القطاعات الصناعية الأخرى ( الكيميائبة والهندسية )  بشكل يغني عن الاستيراد ويزيد التصدير.

5- توفير الدعم والحماية الذكية الفعالة للمنشآت الانتاجية الوطنية بشكل يحفزها على العمل المستمر لتحسين نوعية منتجها وميزته التنافسية من حيث الجودة والسعر وتجنبها حالة الكسل والخمول اعتماداً على سياسة حمائية غير الفعالة .

6- ان اقامة مشاريع صناعية وزراعية تحل محل الواردات تتطلب وجود عمالة محلية كافية ومؤهلة لتلبية هذه الاحتياجات. لذلك يجب توفير مراكز التدريب والتاهيل اللازمة من حيث الأبنية والتجهيزات والمدربين واتخاذ الاجراءات اللازمة لتشغيل المتدربين والمحافظة عليهم.

7- توفير العلنية والشفافية والتنوع في ترخيص وتنفيذ  مشاريع انتاج بدائل المستوردات  بعيداً عن تفصيل هذه الأمور والاجراءات  لمصلحة أشخاص أومجموعات محددة .

أخيراً ينبغي التذكير بأن  توفير القطع الأجنبي لايتم فقط من خلال انتاج بدائل المستوردات ، لأن هذه العملية أيضاً تتطلب قطعاً أجنبياً لتجهيزاتها ومدخلات انتاجها ، بل يتم أيضاً ، وكما هو معروف ، من خلال زيادة التصدير وهو ما يعيدنا إلى ضرورة  دعمه وتشجيعه والعمل الجاد على توفير الميزة التنافسية للمنتج المحلي المراد تصديره ..

                                                                                          فؤاد اللحـــــام