سبتمبر 08, 2019 كلمة تقال 0 تعليقات

التشاركية مرة أخرى

تساؤلات عديدة  حول واقع ومستقبل العلاقة بين القطاع العام والخاص والتعاون المفترض بينهما . اثارها  قرار القضاء الاداري  بالحجز على أموال الشركة الخاصة التي تم التعاقد معها على تطوير معمل اسمنت عدرا ، وقيام الشركة المتعاقد معها برفع دعوى تحكيم بين الطرفين رداً على ذلك ، اضافة إلى بروز مخاوف جدية  حول امكانية  التعامل المشترك  الفعال  والمطلوب في مرحلة إعادة الإعمار مستقبلاً سواء من خلال  التشاركية أو أي صيغة أخرى مشابهة . خاصة في ظل الطروحات العديدة التي تتكرر على أفواه المسؤولين من مختلف المستويات بالاعتماد على التشاركية في عملية إعادة تأهيل القطاع العام الصناعي .

من المؤكد أن سورية بظروفها الحالية وإمكاناتها الذاتية المادية والبشرية  الراهنة غير قادرة أو مؤهلة، منفردة،على إنجاز مهمة إعادة البناء والإعمار بالشكل والوقت المناسبين، خاصة إذا أخذنا بالحسبان أن المطلوب-  كما نشير دائما – لا ينحصر في إعادة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الى ما كانت عليه قبل الأزمة، أو تعويض ما كان ممكناً تحقيقه لولا حدوثها وحسب، بل المطلوب أيضاً تحويل الأزمة إلى فرصة لتطوير وتحديث  الاقتصاد السوري بمختلف قطاعاته وفق استراتيجية تنموية شاملة ورؤية وطنية جامعة .

من هنا تغدو التشاركية مع القطاع الخاص الوطني ( في مجالات محددة يتم التوافق حول أهميتها وأولويتها) ضرورة وطنية، باعتبارها كأحد الحلول الأقل كلفة والأكثر سرعة وكفاءة لإنجاز المهام المطلوبة. لكن ما سبق ذكره يجب ألا يبعد عن الأذهان والاهتمام حقيقة أن خيار التشاركية تشوبه – كما تثبت التجربة والواقع – محاذير ومخاطرعديدة، لابد من أخذها بعين الاعتبار، واتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة لمواجهتها، وضمان عدم حرفها بتحويلها إلى ممر وأسلوب متجدد للفساد والتفريط بالمال العام والمرافق والثروة الوطنية، لحساب فئة قليلة اعتادت على تفصيل القوانين على مقاسها ووفق رغباتها ومصالحها. وبمختلف السبل سواء بإمكاناتها الذاتية أو بشراكتها مع، أو رعايتها من، مراكز قوى  معروفة محلية وإقليمية ودولية.

إن من أهم مهام الهيئة التشريعية والرقابية ، ومعها هيئات المجتمع الأهلي ومؤسساته اليوم ، ضمان الشفافية في تنفيذ التشاركية، سواء لجهة عدم التفريط وعدم التنازل عن المرافق الأساسية والقطاع العام الناجح، أو لجهة ضمان النزاهة والسلامة في الإجراءات التنفيذية لهذا التوجه، وبضمن ذلك عملية طرح المشاريع وتلزيمها واختيار ممثلي الجهات العامة المشاركين في إدارتها والهيئات التشاركية الأخرى ذات العلاقة، آخذين بعين الاعتبار التجربة الحالية والسابقة غير الموفقة في معظم الحالات في تسمية ممثلي الجهات الحكومية في مجالس إدارة شركات وهيئات القطاع المشترك. وفي عير ذلك – وهذا مالا نرجوه – ستشكل نكسة كبيرة لآمال كل الذين عملوا من أجل الاصلاح ، وسوف تزرع بذور أزمة قادمة قبل أن ننسى آثار أزمتنا الحالية ونتائجها.

للتذكير سبق لموقع الصناعي السوري أن نشر على موقعه  قبل أكثر من أربع سنوات وفي النصف الثاني من حزيران عام 2015 بالتحديد مقالا بعنوان ” هل هذه هي التشاركية ؟ ” جاء فيه :

أثارت موافقة مجلس الوزراء الأخيرة على تصديق عقد تطوير معمل اسمنت عدرا تساؤلات قديمة جديدة حول الشفافية التي تمت في الموافقة على  تنفيذ هذا المشروع  من قبل عارض وحيد مباشر بمبررات غير مقنعة ودون الإعلان عن طلب استدراج عروض أخرى ولو بموجب قائمة قصيرة تضم الشركات المؤهلة وذات الخبرة في هذا المجال . والغريب في الأمر اعتبار البعض أن ما تم هو تنفيذ للتشاركية التي يجري الحديث حولها  بشكل واسع ومناقشة أسلوب تطبيقها على مختلف المستويات .

الأسلوب الذي تم اتباعه في هذا المشروع يثير مخاوف عديدة حول النتائج السلبية والخطيرة التي يمكن أن يؤدي اليها في حال اتباعه واعتماده في تنفيذ مشاريع أخرى حاليا ومستقبلاً ما يضيع على البلاد فرصة تنفيذ هذه المشاريع بشروط أفضل تحقق منافع أوسع وتبرهن عن شفافية واضحة من خلال المنافسة واستدراج عروض نظامية  لهذه الغايات مما يشجع مستثمرين آخرين محليين وخارجيين على الاستثمار في سورية وفق صيغة التشاركية  الحقيقية. ……

                                                                                                              فؤاد اللحــــــام