فبراير 06, 2019 كلمة تقال 0 تعليقات

من الأزمة إلى النهوض

تواجه الصناعة السورية في هذه المرحلة مهمة كبيرة ثلاثية الأبعاد  تتمثل أولاً بإعادة التأهيل والتشغيل والعودة إلى ما كانت عليه قبل الأزمة ، وثانياً استدراك ما فات هذه الصناعة من فرص النمو التي كان من الممكن تحقيقها خلال السنوات الثمان الماضية لولا حدوث الأزمة  وثالثاً الانتقال بالصناعة السورية إلى مرحلة جديدة من التميز والنهوض   .

هذه المهمة ليست هينة و لا سهلة المنال في ظل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي نجمت عن الأزمة وانعكست على حياة كافة السوريين وأعمالهم ، خاصة اذا ما ارتبطت بمهمة أخرى تتكامل معها وهي الاستفادة من فرصة ما حدث لإعادة توطين وتأهيل وتحديث الصناعة السورية بشقيها العام والخاص ، وهي مهمة أساسية وضرورية لا يجوز تأجيلها أو تجاوزها.

وعليه ليس المطلوب فقط  إعادة الصناعة السورية لوضع ما قبل الأزمة  لأن وضعها آنذاك لم يكن مريحاً  كونها  كانت أصلاً في أزمة  لعدم قدرتها ، أو تمكينها ، على زيادة قدرتها التنافسية سواء أمام المنتجات المستوردة أو في النفاذ للأسواق المستهدفة ، وانما المطلوب أيضاً تلبية حاجتها لبرنامج شامل للتحديث والتطوير تتكامل فيه الأدوار بين المستوى الكلي ( السياسات  الحكومية ) والمستوى المتوسط ( المؤسسات الداعمة التدريبية والاستشارية وغيرها العامة والخاصة ) والمستوى الجزئي ( المنشآت الصناعية ) .

هذه المهام هي بالتأكيد أكبر حالياً من القدرات والامكانيات المالية والتنظيمية والفنية المنفردة  للجهات المعنية الحكومية والخاصة سواء غرف الصناعة والتجارة أو الاتحادات الأخرى ، وبالتالي لابد من فرق عمل قطاعية متخصصة من هذه الجهات ومجموعة من الخبراء المختصين لوضع الخطط والبرامج وتحديد الأولويات حسب الامكانيات والضرورة والأهمية للبحث عن مصادر لتمويلها وتنفيذها ضمن برنامج متكامل لإعادة الاعمار ، على أن  تنجز وتناقش  نتائج  عمل هذه الفرق في أقرب وقت ممكن في مؤتمر عام أو في ورشات عمل متخصصة يشارك فيها ، إلى جانب هذه الجهات ، الصناعيون والخبراء وجهات التمويل والمؤسسات الداعمة القائمة المختصة بالتدريب والتأهيل والمواصفات والاختبارات والجودة وجمعية العلوم الاقتصادية السورية والجمعات الأهلية الأخرى ذات العلاقة .

وفي عملية الدراسة والمناقشة من قبل هذه الفرق وغيرها ، من الضروري والمفيد الرجوع إلى الدروس المستفادة من تجارب الدول الأخرى التي مرت بظروف مشابهة ولو قليلاً لظروفنا الحالية، وكذلك الرجوع  إلى المحاولات العديدة التي سبق أن بذلت في مجال التحديث والتطوير الصناعي في سورية  قبل وأثناء الأزمة من أجل تحديث وتطوير الصناعة السورية بعضها نجح وبعضها الآخر تعثر وبعضها أهمل أو تم وأده لأسباب غير موضوعية وبذرائع واهية …. وقد أكد معظم  تلك الدراسات  على الحاجة الماسة لتنفيذ هذه البرامج التي كان يتضمن بعضها رفع قدرات العاملين في الجهات العامة والخاصة المعنية حتى يتم اتقان التعامل في مجالات التعاون الفني مع الجهات الداعمة والمانحة بفعالية وبشكل يبين لها  كفاءة وقدرة الجهات الوطنية المستفيدة في اقتراح واختيار وتنفيذ ومتابعة برامج التعاون الفني معها وفي ذات الوقت المساهمة في تعظيم الاستفادة من هذه البرامج  ووضع حد للازدواجية  والتعارض فيما بينها وضعف المتابعة والتنسيق بين الجهات المعنية في هذا المجال.

لذلك فإنه في عملية البحث عما يجب القيام به في هذه المرحلة والمراحل اللاحقة من المفيد أولاً نفض الغبار عن الدراسات التي تمت ومراجعتها وتحديث ما يجب منها  لتكون أداة بين ايدي كل من يرغب جدياً في تطوير الصناعة السورية وتمكينها من الخروج من أزمتها بكفاءة ومهارة السوريين صناعيين وعمال وفنيين واستشاريين.

مسؤول كبير في وزارة الصناعة قال ذات مرة لخبراء إحدى المنظمات المتخصصة التي قامت بإجراء دراسة عن القطاع الصناعي في سورية ( ما ورد في هذه الدراسة نعرفه جيداً ولم تأتنا  بشيء جديد ؟!! ) …. فريق الخبراء صدم بهذا القول ليس لأنه لم يقدم شيئاً جديداً في الدراسة التي أعدها ولأن هذا المسؤول بالتأكيد لم يقرأ الدراسة أو أن من قرأ عنه اطلع عليها ولم يستوعب ما جاء فيها ، بل لأن مثل هذا القول يمثل فضيحة تدين هذا المسؤول وأمثاله… فإذا كان ما ورد في تلك  الدراسة سبق أن ورد في دراسة أخرى فهذا يعني التأكيد على أهميتها من أكثر من طرف وبالتالي ضرورة تنفيذها، كما أنه اذا كان ما توصلت اليه هذه الدراسات وغيرها معروف كما زعم ذلك المسؤول  فلماذا لم يتم تنفيذه ؟؟؟

الجميع في سورية اليوم يدرك أن وضعها الاستثنائي ومنها الصناعة يحتاج إلى قيادات واجراءات استثنائية وهذه لا يمكن الوصول اليها من خلال رؤية أحادية من زاوية ضيقة بل من خلال رؤية عريضة قوامها الأساسي فرق العمل المتخصصة المؤهلة وذات الصلاحيات .

فؤاد اللحــــــام