أكتوبر 31, 2015 دراسات وتقارير 0 تعليقات

تحديث الصناعة السورية

شهدت تسعينيات القرن الماضي مجموعة هامة من التغيرات السياسية والاقتصادية سواءً على المستوى العالمي أو الإقليمي أو على مستوى عدد غير قليل من الدول. ويمكن تحديد  أهم هذه التغيرات بما يلي:

1-    انهيار الاتحاد السوفيتي وما تبعه من انهيار دول أوروبا الشرقية وتحولها مع  عدد من البلدان النامية )التي كانت تتبع الطريق غير الرأسمالي أو الاقتصاد المخطط مركزياً (إلى نظام اقتصادي مغاير هو اقتصاد السوق.

2-    قيام الاتحاد الأوروبي وتزايد عدد أعضائه نتيجة توسعه ضمن أوروبا الغربية أولاً ثم شرقاٌ باتجاه دول أوروبا الشرقية.

3-    تأسيس منظمة التجارة العالمية وتوجه العديد من دول العالم  إلى إقامة تجمعات اقتصادية ومناطق تجارة حرة في آسيا وأفريقيا، والأمريكيتين، ومن ضمنها البلدان  العربية.

4-    عقد مؤتمر برشلونة وبدء الحوار العربي الأوروبي حول التعاون الاقتصادي المشترك وما تبعه من توقيع اتفاقيات شراكة بين العديد من البلدان العربية والاتحاد الأوروبي.

أدت كل تلك الأحداث والاتفاقيات إلى بروز مجموعة كبيرة من التحديات أمام مختلف مجموعات هذه الدول، التي يتفاوت أعضاؤها بشكل واضح في مستوى النمو الاقتصادي بشكل عام، والنمو الصناعي بشكل خاص، ما تطلب منها التكيف مع متطلبات النظام الاقتصادي الجديد الذي قررت أن تتبعه أو/ و ما تفرضه عليها التزاماتها تجاه الأطراف الأخرى المشاركة معها في هذه الاتفاقيات،  وفي مقدمتها فتح الأسواق وتخفيض ثم إلغاء الرسوم الجمركية وغيرها من الإجراءات والتدابير التي تضمنتها هذه الاتفاقيات.  إن كل هذه التحديات والمتطلبات وضعت البلدان المذكورة أمام تحد مصيري كبير من أجل الاستفادة من الفرص التي تتيحها لها هذه الاتفاقيات من ناحية،  والحد قدر الإمكان من الآثار السلبية لتطبيقها واستيعابها. ولذلك كانت مهمة تحديث اقتصاد هذه البلدان وتعزيز قدراتها التنافسية، وبشكل خاص في المجال الصناعي، في مقدمة الأولويات من أجل الحفاظ على أسواقها الوطنية والنفاذ إلى الأسواق الخارجية، ما تطلب صياغة استراتيجيات وبرامج خاصة بهذا التوجه عرفت باسم برامج التحديث والتطوير الصناعي. فقد تم إعداد وتنفيذ عدد كبير من هذه البرامج في العديد من دول العالم في أوروبا وآسيا وإفريقيا سواءً بإمكانياتها الذاتية أو/ و بمساعدة عدد من الجهات المانحة والمنظمات الدولية وبشكل خاص الاتحاد الأوروبي ومنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية ( اليونيدو).  وقد أدى تنفيذ هذه البرامج إلى تحسن واضح وإنجازات هامة في المجال الصناعي في العديد من البلدان بدأً من البرتغال مروراً ببلدان شرقي آسيا والصين وصولاً إلى تونس ومصر. فقد استطاعت هذه البلدان بشكل عام تحديث صناعاتها، وزيادة صادراتها وتنويعها،  وتركيزها على المنتجات ذات المكون التكنولوجي والقيمة المضافة الأكبر،  وتحسين البيئة الاستثمارية، وبناء القدرات والتدريب والتأهيل بما في ذلك المؤسسات الداعمة، ما ساهم في خلق المزيد من فرص العمل، وزيادة نسبة مساهمة الصناعات التحويلية في الناتج المحلي الإجمالي الذي حقق معدلات نمو قياسية،  إضافة إلى تطور ملموس في صناعة الاستشارات الوطنية.

وعلى المستوى السوري انضمت  سورية إلى اتفاقية منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى التي بدأ العمل بتنفيذها عام 1998، واستكملت في عام 2005. كما وقعت اتفاقيات ثنائية أخرى مع عدد من البلدان العربية لتحرير التبادل التجاري مثل لبنان والأردن والسعودية والإمارات… حيث تم تحرير التبادل التجاري مع هذه الدول بالكامل. كما تم التوقيع بالأحرف الأولى على اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي أواخر عام 2004، إلا أنها لم تستكمل بسبب الأوضاع السياسية حيث وقعت ثانية بالأحرف الأولى في عام 2008. كما وقعت اتفاقية تحرير التبادل التجاري مع تركيا، وهناك محادثات مشابهة بهذا الخصوص مع إيران. وقدمت سورية طلباً للانضمام لمنظمة التجارة العالمي وتم قبولها مؤخراً كعضو مراقب في هذه المنظمة.

من جانب آخر قررت الحكومة السورية في عام 2005 الانتقال إلى اقتصاد السوق الاجتماعي، وجاءت الخطة الخمسية العاشرة (2006-2010)  لتترجم هذا الانتقال حيث أعطت الخطة دوراً رئيسياً للقطاع الخاص في مختلف المجالات وأبقت على دور أقل  للدولة.

القسم الأول: ضرورة التحديث الصناعي في سورية:

1.1    مبررات التحديث:

تبرز ضرورة وأهمية التحديث الصناعي في سورية من خلال الأمور التالية:

1- التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها الاقتصاد السوري في المرحلة الراهنة، وفي مقدمتها تراجع إنتاج النفط الذي كان كما هو معروف يمول حوالي 50% من الميزانية ويساهم بحوالي 28% من الناتج المحلي الإجمالي،  وما يستوجب ذلك من ضرورة تأهيل قطاع اقتصادي أو أكثر ليعوض موارد النفط المتراجعة، إضافة إلى توفير فرص العمل لأعداد متزايدة من الداخلين الجدد لسوق العمل والعاطلين عن العمل حالياً، وتخفيض مستوى العجز في الميزان التجاري، حيث يعتبر القطاع الصناعي أحد أهم القطاعات الاقتصادية المرشحة للقيام بالدور المطلوب. ولابد هنا  من الإشارة إلى أن الكثير من الاقتصاديين السوريين سبق وأن أشاروا، منذ سنوات عديدة إلى ضرورة تأهيل قطاع اقتصادي أو أكثر لتعويض ودعم موارد النفط المتراجعة حتى قبل تراجعها الفعلي. 

2- المنافسة الشديدة التي باتت تهدد الصناعة السورية في عقر دارها وفي أسواقها التقليدية، نتيجة انفتاح الأسواق ،وتحرير التبادل  التجاري، وتبييض شهادات المنشأ، والتلاعب في فواتير المستوردات الصناعية وعدم التدقيق في مواصفاتها، ما يهدد وجود ومستقبل  هذه الصناعة. حيث بدأنا نسمع في الآونة الأخيرة عن إغلاق العديد من المصانع و/ أو تحول عدد غير قليل من الصناعيين إلى التجارة، الأمر الذي ينعكس سلباً على مجمل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.

إن ازدياد حدة المنافسة ومخاطرها، لا يعود فقط للأسباب التي سبق ذكرها،  بل أيضاً لمجموعة من السمات العامة ونقاط الضعف التي تعاني منها الصناعة السورية بوضعها الراهن، والتي لم تمكن معظم الشركات من مواجهة المتغيرات والتحديات الجديدة لأنها لا تملك القدرة الذاتية على ذلك .

 من المعروف أن الصناعة في سورية بشقيها العام والخاص نشأت ونمت في ظل نظام الحماية.  وإذا كان الهدف من تطبيق هذا النظام هو حماية الصناعة الناشئة من منافسة الصناعات الأجنبية المتقدمة ريثما يشتد عودها وتصبح قادرة على مواجهة تلك الصناعات بالجودة والسعر،  فإن هذه السياسة  – المشروعة والمبررة والتي اتبعتها معظم دول العالم-  لم تستطع في سورية  تحقيق الأهداف المرجوة منها لعدة أسباب، منها أنها كانت مطلقة ودائمة ودون تدرج زمني ،  وشاملة لكافة القطاعات دون تمييز في نوعية وطبيعة الصناعة والقيمة المضافة التي تحققها وعدد العاملين فيها، ونوعية مدخلاتها ومخرجاتها ومكونها التكنولوجي وفرصها في التصدير، ما أشاع فيها جواً من الاتكالية والكسل والاعتماد على السياسة الحمائية في بقائها واستمرارها، الذي كان يتم في كثير من الأحيان على حساب الجودة والسعر ومصلحة المستهلك والاقتصاد الوطني على المدى المتوسط والبعيد. لقد تم كل ذلك في ظل غياب سياسات وطنية عملية تربط بين سياسة الحماية وبين عملية تطوير وتحديث المنشآت الصناعية وتعزيز قدرتها التنافسية في كافة المجالات من ناحية، ومع وجود مؤسسات داعمة فعالة لتنفيذ هذه السياسات من ناحية أخرى.

2.1  السمات العامة للصناعة السورية:

  يمكن إيجاز أهم السمات العامة للصناعة التحويلية السورية بانخفاض القيمة المضافة المتحققة، وتدني نسبة مساهمتها بالناتج المحلي الإجمالي، والعجز في  ميزانها التجاري، و ضعف التشابك داخلها ومع القطاعات الاقتصادية الأخرى، وتدني المستوى والمكون التكنولوجي فيها، واعتمادها على الصناعات الاستهلاكية الخفيفة وعلى موارد زراعية وتعدينية محلية وبدائل المستوردات، وعجز بيئة العمل التنظيمية والإدارية والتشريعية عن تحفيز ومواكبة التطوير والتحديث، و قصور دور المؤسسات الداعمة، و تدني كفاءة الادارة بشكل عام، وضعف الخبرات التسويقية والتدريب والتأهيل مع غياب ثقافة العمل، وغلبة المنشآت الحرفية الصغيرة والشركات العائلية والصناعات البسيطة على نشاط  القطاع الخاص الصناعي، وعدم الاهتمام بأشكال الملكية الأخرى كالقطاع المشترك والتعاوني والشركات المساهمة الواسعة، و تدني نسبة الاستفادة من الطاقات الإنتاجية القائمة ما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج وبالتالي ضعف القدرة التنافسية للمنتجات الصناعية من حيث الجودة والسعر، وضعف المستوى التعليمي للقوى العاملة – حوالي 75% من العاملين من مستوى الإعدادية ومادون و6% من خريجي الجامعات –  وغياب الرؤية الإستراتيجية المتكاملة لتطوير الصناعة وتأمين مستلزمات هذا التطوير من مختلف النواحي التشريعية والتنظيمية والإدارية والموارد المالية والبشرية، وضعف التمويل الصناعي من المصارف العامة والخاصة الذي لم يتجاوز حتى الآن نسبة 6% لقطاع الصناعة والتعدين معاً (47% للتجارة ،19% خدمات 15% عقارات ،14% زراعة)  إضافة إلى ارتفاع تكاليفه، ما أدى إلى اعتماد التمويل الذاتي للمشاريع الصناعية الخاصة في معظم المشاريع، و ضعف مناخ الاستثمار. ( للإطلاع على السمات العامة الراهنة للصناعة السورية بشكل مفصل يرجى الرجوع إلى الدراسة السابقة: الصناعة السورية وتحديات المستقبل).

لقد أدت السمات والظروف التي سبق ذكرها، إلى  وضع الصناعة السورية في مواجهة منافسة حادة سواء في سوقها الداخلي أو في أسواقها الخارجية التقليدية، وقد زاد من حدتها  غياب سياسة شاملة وفعالة لتأهيلها، وتأخر اتخاذ الإجراءات اللازمة لذلك، وعدم تزامنها وترافقها مع إجراءات تحرير التبادل التجاري التي كانت تتم بشكل أسرع من إجراءات التأهيل المتواضعة.

3.1 محاولات التحديث الصناعي في سورية:

لم تخل السنوات الماضية من إجراءات ومحاولات متعددة ومتكررة لتحديث الصناعة السورية وتعزيز قدرتها التنافسية ويمكن الإشارة في هذا المجال إلى ما يلي:

1-  إفساح المجال أمام القطاع الخاص إبان أزمة النصف الثاني من الثمانينات من أجل إقامة صناعات جديدة كانت محصورة بالقطاع العام من أجل سد حاجة السوق الداخلية .

2-  إلزام الصناعيين الذين كانوا يصدرون إلى بلدان اتفاقيات المدفوعات بتصدير نسبة 20% من صادراتهم إلى بلدان أخرى من أجل تحسين نوعية المنتجات.

3-    إصدار قانون تشجيع الاستثمار رقم 10 لعام 1991 ما أدى إلى إقامة العديد من الصناعات الحديثة المتقدمة. 

4-    الاستثمارات في الاستبدال والتجديد في القطاع العام الصناعي.

5-    تشكيل العديد من اللجان لوضع برنامج للإصلاح الاقتصادي بشكل عام وإصلاح القطاع العام الصناعي بشكل خاص.

6-    إعداد أكثر من برنامج للتحديث والتطوير الصناعي. 

تجدر الإشارة إلى أن المحاولات، التي تمت خلال الفترة السابقة، كانت في معظمها محاولات جزئية ولم تكن تندرج ضمن منظور استراتيجي شامل ومتكامل، كما أنه لم تتوفر لها الإرادة الجدية ولا التمويل اللازم، وهو ما حال دون تنفيذها أحياناً، أو جعل دورها ونتائجها محدودة الأثر والفعالية أحياناً أخرى. كما أن نتائج أعمال اللجان التي تم تشكيلها في إطار الإصلاح الاقتصادي بشكل عام وإصلاح القطاع العام الصناعي – والتي أدت دوراً مهماً في تسليط الأضواء على ضرورة التحديث الصناعي –  لم تر النور أيضا كونها ما تزال حتى الآن تنتقل من حكومة إلى أخرى ومن وزير إلى وزير ومن لجنة إلى لجنة.  وفي مجال الحديث عن وضع التحديث والتطوير الصناعي خلال الفترة السابقة فإنه لابد من التوقف أمام أمرين هامين :

1- الاستبدال والتجديد في القطاع العام الصناعي:

فقد بذلت جهود كبيرة في مجال استبدال وتجديد القطاع العام الصناعي وخصوصاً خلال الفترة من عام  1995 وحتى الآن .  حيث بلغ  مجموع الإنفاق الاستثماري في القطاع العام الصناعي خلال الفترة 1995-2009 حوالي 92  مليار ليرة سورية وزعت على المشاريع المباشر بها والمشاريع الجديدة ومشاريع الاستبدال والتجديد التي بلغت حصتها لوحدها من هذه الاستثمارات حوالي 45 مليار  أي قرابة  50%. وقد تركز الإنفاق على الاستبدال والتجديد بشكل رئيسي في المؤسسة العامة للصناعات النسيجية 42% ثم المؤسسة العامة للتبغ 15% فالمؤسسة العامة للصناعات الكيميائية 11% فالمؤسسة العامة للسكر 9% ثم المؤسسة العامة للاسمنت 8% فالمؤسسة العامة للصناعات الهندسية 7% وتوزعت النسبة المتبقية حوالي 8% بين المؤسسة العامة للصناعات الغذائية والمؤسسة العامة للأقطان.

 من جانب آخر بلغ مجموع الاستثمارات في المؤسسات الداعمة التابعة لوزارة الصناعة خلال الفترة ذاتها حوالي 1.9 مليار ليرة سورية تركزت بشكل أساسي في مركز الاختبارات والأبحاث الصناعية 1.2  مليار ليرة سورية، وهيئة المواصفات والمقاييس 290 مليون ليرة سورية. وهنا لابد من القول بأن عملية الاستبدال والتجديد التي تمت في القطاع العام الصناعي، وإن أدت إلى تجديد العديد من خطوط الإنتاج،  إلا أنها لم تحقق الأهداف المرجوة منها لسببين: الأول عدم استكمالها سواءً على مستوى  القطاع ككل أو حتى على مستوى عدد غير قليل من الشركات وخطوط الإنتاج، والسبب الثاني أن تنفيذها لم يتم ضمن رؤية شمولية متكاملة لتحديث وتطوير هذا القطاع الذي بدا أن مفهومه انحصر فقط بتجديد الآلات دون التطرق إلى بيئة العمل الإدارية والتنظيمية والمالية وأسلوب انتقاء إداراته و تحقيق التوازن بين صلاحياتها ومسؤوليتها، وينطبق نفس الشيء على المؤسسات الداعمة.

2- مشاريع التحديث والتطوير الصناعي:

في النصف الثاني من التسعينات،  أخذ الاهتمام بالتحديث الصناعي يأخذ طابعاً أكثر جدية  نتيجة الظروف التي سبق الإشارة إليها ،وخاصة بدء مباحثات الشراكة السورية الأوروبية، حيث قامت لجنة الصناعة والتكنولوجيا المنبثقة عن اللجنة العليا للشراكة السورية الأوروبية في عام 1999 بإعداد  برنامج  لتحديث الصناعة السورية بشقيها العام والخاص إلا أن هذا البرنامج لم ير النور .

 وفي عام 2002 تم الاتفاق بين وزارة الصناعة ومنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (يونيدو)، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي على إجراء مجموعة من الدراسات حول استراتيجية التنمية الصناعية وإصلاح القطاع العام الصناعي وعدد من الدراسات القطاعية ( الصناعات النسيجية والغذائية). كما تم في عام 2003 إعداد برنامج جديد للتحديث الصناعي من قبل خبراء منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (يونيدو) تضمن تحديث وتطوير 2000 شركة من مختلف الأنشطة الصناعية خلال 5 سنوات بكلفة تقديرية إجمالية حوالي 93 مليار ليرة سورية،  إلا أن هذا البرنامج لم ير النور أيضاَ بسبب مشكلة التمويل، حيث كان من المتوقع أن يقوم الاتحاد الأوروبي بتمويل هذا البرنامج أو جزء منه إلا أنه اعتبر أن تمويله لمركز الأعمال السوري الأوروبي الذي يتبع له وتمديد فترة عمله لعام 2006 هو الأفضل له.

وفي عام 2004 أعدت منظمة اليونيدو برنامجاً جديداً للتحديث الصناعي في سورية بمثابة مشروع رائد بميزانية أقل وبعدد محدود من الشركات العاملة في قطاع النسيج والملابس،  وتمكنت من الحصول على موافقة الحكومة الايطالية ممثلة بمؤسسة التنمية الايطالية التي تتبع وزارة الخارجية الايطالية من الحصول على مبلغ 2.2 مليون يورو،  وتم توقيع اتفاقية تنفيذ البرنامج في أواخر عام 2006 ليبدأ  تنفيذه في عام 2007.  وبذلك يكمن القول أن عملية التحديث والتطوير الصناعي في سورية قد انتقلت بهذا البرنامج إلى مرحلة التنفيذ الفعلي الجدي.  

القسم الثاني: الواقع الراهن لتحديث الصناعة السورية:

يمكن القول أن السنوات الأربع الأخيرة شهدت بداية الخطوات التنفيذية للتحديث الصناعي والعمل على تعزيز قدرة الصناعة السورية التنافسية وقد تجسد ذلك من خلال ما يلي:

1.2   تحسين بيئة العمل ومناخ الاستثمار:

تم خلال السنوات الأخيرة اتخاذ عدد من الإجراءات والتدابير،  وإصدار عدد من الأنظمة والقوانين بهدف تحسين بيئة العمل الصناعي وتعزيز القدرة التنافسية للصناعة السورية، وتحسين مناخ الاستثمار بشكل عام. ويمكن إيجاز أهم ما تم في هذا المجال بما يلي:

1- تفعيل دور مجلس النقد والتسليف والسماح بالمصارف وشركات التأمين الخاصة بما فيها الإسلامية، مع تطوير ملموس في عمل  المصارف العامة، إضافة إلى توحيد سعر الصرف، والعودة لتمويل المستوردات بالقطع الأجنبي، وإصدار قانون السرية المصرفية وغسيل الأموال. 

2- تخفيض الرسوم الجمركية على مستلزمات الإنتاج و تخفيض الضرائب على الأرباح و إلغاء ضريبة الآلات.

3- تعديل قانون الاستثمار رقم 10 لعام 1991 بالقانون رقم 8 لعام 2006 وإحداث الهيئة السورية للاستثمار، وفتح المزيد من مجالات الاستثمار الصناعي أمام القطاع الخاص، إضافة إلى انضمام سورية إلى المركز الدولي لتسوية نزاعات الاستثمار والوكالة الدولية لضمان الاستثمار . 

4-إحداث المدن الصناعية في عدرا وحسيا والشيخ نجار وأخيراً في دير الزور .

5- افتتاح  سوق الأوراق المالية بدمشق. 

6- إصدار القانون رقم 42/2006 لحماية الإنتاج الوطني من الآثار الناجمة عن الممارسات الضارة في التجارة الدولية.

7-إصدار القانون رقم 2/2005 الخاص بالمؤسسات والشركات العامة .

8-إصدار القانون رقم 54/2006 المتضمن القانون المالي الأساسي للمؤسسات والشركات العامة حيث بدء تطبيقه اعتباراً من  بداية 2008. 

8-إصدار قانون الشركات، وقانون التجارة والقانون رقم 4 للعام 2008 الخاص بالتحكيم بالمنازعات المدنية والاقتصادية والتجارية ،  وقانون المنافسة ومنع الاحتكار. كما تم مؤخراً إصدار قانون العمل وهناك مشاريع قوانين ما زالت قيد الدراسة في مقدمتها قانون تنظيم الصناعة،  وقانون التأمينات الاجتماعية …

وعلى الرغم من الأهمية الكبيرة للإجراءات والصكوك القانونية التي صدرت، والتدابير التي اتخذت حتى الآن، إلا أن المطلوب هو التنفيذ الخلاق لكل ذلك بما يضمن تحقيق الأهداف المتوخاة منها من ناحية ومتابعة تنفيذها وتطويرها في ضوء المستجدات المحلية والإقليمية والدولية من ناحية أخرى.

من جانب آخر بدأ مركز الأعمال السوري الأوروبي نشاطه في عام  1996 ليلعب دوراً هاماً في التعريف بالمفاهيم والأساليب الجديدة في الادارة والتنظيم والتسويق، ومساعدة  قطاع الأعمال في التعرف على هذه الأساليب وممارستها بما يساهم في تعزيز قدرته التنافسية، وقد شمل عمل المركز إعداد الدراسات والتدريب والجولات الاطلاعية وما يزال يتابع مسيرته بعد تحويله إلى مؤسسة وطنية مستقلة عام 2006. كما قام مشروع التحديث القطاعي والمؤسساتي ISMF   التابع للاتحاد الأوروبي والمخصص لتطوير وتحديث الجهات العامة بإجراء عدد من الدراسات في مجال التحديث الصناعي في مقدمتها إعادة هيكلة وزارة الصناعة والمؤسسة العامة للصناعات الغذائية. كما قام  برنامج دعم الجاهزية التنافسية برصد ومتابعة تنافسية الاقتصاد السوري وإحداث مرصد خاص بذلك. كذلك تم تنفيذ مشروع تطوير التدريب المهني ومشروع التلمذة الصناعية (VET) . وتم مؤخراً الشروع في تنفيذ الميثاق الأورومتوسطي والبرنامج الوطني للجودة وتشكيل اللجنة العليا للجودة وإطلاق برنامج التحديث والتطوير الصناعي IMUP-SYRIA  عام 2007.

2.2  الخطة الخمسية العاشرة :

جاءت الخطة الخمسية العاشرة لقطاع الصناعات التحويلية لتحقيق هدفين رئيسيين:

 الأول: معالجة السلبيات والمعوقات التي تعاني منها  الصناعة التحويلية .

الثاني: إيجاد البيئة المناسبة لتمكين هذا القطاع من القيام بدور محوري وأساسي في التنمية الاقتصادية والاجتماعية .

ولذلك تضمنت الخطة الخمسية العاشرة 2006-2010 لقطاع الصناعات التحويلية، خمسة أهداف رئيسية هي:

1- زيادة مساهمة الصناعة التحويلية في الناتج المحلي الإجمالي وذلك عن طريق تمكين القطاع العام الصناعي وتأهيله وتوسيع مشاركة القطاع الخاص السوري والعربي والأجنبي وتوفير البيئة التمكينية الملائمة لعمله.

2-تطوير البنية الهيكلية للصناعة السورية وتطوير قدراتها الإنتاجية.

3- إعادة هيكلة المنشآت الصناعية القائمة وجعلها تعمل بقواعد الربحية .

4- تصعيد مستوى التنافسية الصناعية لرفع القدرة التصديرية للصناعة التحويلية .

5 – خلق المزيد من فرص العمل وتحسين دخول العاملين وتحسين توزيع الدخل والاهتمام بتطوير الصناعات وخاصة في المناطق الريفية.

كما حددت الخطة مجموعة من المرامي الكمية الأساسية على المستويين القطاعي والكلي تتضمن المؤشرات التالية:

·        تحقيق معدل نمو سنوي لناتج الصناعة التحويلية بحدود 15% وسطياً خلال سنوات الخطة. 

·        رفع مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي بحيث تصل إلى 15% مع عام 2010.

·        تحقيق حجم الاستثمارات خلال الخطة الخمسية العاشرة للقطاع العام 104967 مليون ليرة سورية في حال وسطي معدل نمو 7% و للسيناريو الثاني سيبلغ 101678 مليون ليرة سورية في حال وسطي معدل نمو 5%.

·        التوسع في التشغيل بمعدل 10% سنوياً بين 2006 و2010، مع تحسن مؤهلات العاملين بحيث يصبح حملة الشهادات الثانوية العامة والفنية والمعاهد المتوسط والجامعات نحو 60% من العاملين، وأن يخلق وظائف جديدة ذات مهارات عالية.

·        تحقيق نمو في الصادرات الصناعية بمعدل 10% سنوياً بين 2006 و2010 لتصل إلى 2.38 مليار دولار وبحيث تشكل الصادرات الصناعية ذات القيمة المضافة المتوسطة والعالية النسبة الأكبر من هذه الصادرات.

·        زيادة نسبة الشركات المساهمة والتعاونية في الصناعة التحويلية.

·        تنمية مساهمة القطاع الخاص في الاستثمار الصناعي .

( للإطلاع على المزيد من التفصيل حول أهداف واستراتيجيات الخطة الخمسية العاشرة وتقييمها يرجى الرجوع للدراسة السابقة حول الصناعة السورية وتحديات المستقبل ).

يندرج برنامج تحديث الصناعة في إطار الخطة الخمسية العاشرة من خلال مستويين اثنين: مساهمة البرنامج في تحقيق الأهداف العامة لهذه الخطة، ومساهمة البرنامج تحديداً في بلوغ أهداف خطة قطاع الصناعة، وبالتحديد فإن البرنامج يدمج الإصلاح في مكوناته الرئيسية، على مستوى سياسة القطاع الصناعي، والبنية المؤسساتية والفنية والمساعدة الفنية، وذلك بهدف تحسين بيئة الأعمال والاستثمار أمام الصناعيين، وبناء قدرات الشركات وتزويدها بالأدوات الضرورية اللازمة للإنتاج ضمن معايير الجودة والمنافسة في الأسواق المحلية والدولية، سيما وأن تحقيق هذه المكونات وتطوير قطاع الصناعة، سيساهم في تنفيذ أهداف الخطة الخمسية.

3.2  برنامج التحديث والتطوير الصناعي IMUP-SYRIA:

برنامج التحديث والتطوير الصناعي في سورية  IMUP-SYRIA   هو برنامج معونة فنية متعدد الأطراف بين وزارة الصناعة  والقطاع الخاص الصناعي في الجمهورية العربية السورية (الجهة المستفيدة)، ومنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية – يونيدو( الجهة المنفذة)، ومؤسسة التنمية الايطالية (الجهة المانحة). يهدف البرنامج إلى تعزيز القدرة التنافسية للصناعية السورية ومواجهة التحديات التي تواجهها نتيجة تحرير التبادل التجاري وانفتاح الأسواق  وذلك من خلال:

1-    وضع إستراتيجية شاملة لتحديث وتطوير الصناعة السورية في مختلف القطاعات مع الخطة التنفيذية لذلك. 

2-    رفع قدرة الاستشاريين السوريين من مختلف الاختصاصات في مجال إعداد الدراسات التشخيصية الشاملة وإعداد ومتابعة تنفيذ خطط التحديث والتطوير الصناعي.

3-    تحديث وتطوير أربعين شركة صغيرة ومتوسطة من الشركات العاملة في صناعة النسيج، والألبسة ، والصباغة والتحضير، والخدمات المرتبطة بها، منها ثلاث شركات عامة.  

وتبلغ ميزانية المشروع 2.2 مليون يورو مقدمة كهبة من الحكومة الايطالية، كما تبلغ فترة تنفيذ المشروع سنتين اعتباراً من شهر شباط 2007 تم تمديدها مؤخراً لنهاية حزيران 2010. وخلال هذه الفترة قام  البرنامج بما يلي:

1-  إنجاز إستراتيجية التحديث والتطوير الصناعي في سورية وبرنامجها التنفيذي بعد أن تمت مناقشتها في ورشة عمل متخصصة بتاريخ 5/9/2007.  حيث وجه رئيس مجلس الوزراء في شهر شباط  2008 اللجنة الفنية العليا للخطة للنظر باعتبار هذه الوثيقة جزأً متمما ومتكاملاً مع الخطة الخمسية العاشرة لقطاع الصناعات التحويلية وإطاراً لخطته الخمسية الحادية عشرة. 

2- تعريف الاستشاريين السوريين من مختلف الاختصاصات بمنهجية منظمة اليونيدو المعتمدة في إعداد الدراسات التشخيصية الشاملة (الفنية والتسويقية والموارد البشرية والمالية) وإعداد ومتابعة خطط التحديث والتطوير الصناعي وذلك من خلال دورة تدريبية  من 24-28/11/2007 وبمشاركة 53 استشاري سوري من مختلف الاختصاصات،  حيث تمت الاستفادة من حوالي نصفهم في إعداد الدراسات التشخيصية الشاملة وخطط التطوير والتحديث وتنفيذ المعونة الفنية للشركات الصناعية التي تم قبولها في البرنامج بالتعاون مع الخبراء الدوليين.

3-إعداد دراسة خلفية عن المؤسسات الداعمة لقطاع النسيج والملابس في سورية، وإستراتيجية لتطوير قطاع النسيج والملابس في سورية، ودراسة لإحداث مركز فني للنسيج في دمشق، وتقديم المعونة الفنية اللازمة لتطوير مركز النسيج والملابس في حلب. 

4-  إنجاز  تحديث وتطوير 33 شركة صغيرة ومتوسطة  خاصة وثلاث شركات عامة من الشركات العاملة في صناعة النسيج والملابس والصباغة والتحضير. وتتوزع الشركات الخاصة المقبولة جغرافياً كما يلي: 19 شركة  في محافظة دمشق وريف دمشق و ثمان شركات في محافظة حلب، وأربع شركات في محافظة حماه وشركتان في محافظة حمص. أما شركات القطاع العام فهي شركتان في دمشق وواحدة في حلب.

تجدر الإشارة إلى أن اللجنة التوجيهية لبرنامج التحديث والتطوير الصناعي قد حددت معايير قبول الشركات الخاصة للاستفادة من خدمات البرنامج  بما يلي:

1- مشروع خاص يمارس عمله الفعلي منذ ثلاث سنوات  على الأقل.

2- يستخدم أكثر من عشر عمال بدوام كامل مسجلين رسمياً في التأمينات الاجتماعية .

3- يعمل في مجال النسيج والملابس والتجهيز والخدمات المرتبطة بها.

4- ملكيته سورية كاملة أو معظمها.

5- لديه فرص للنمو والتصدير.

6- مسجل رسمياً.

7- ليس لديه مشاكل مالية.

8- يقبل بتحمل نسبة 10% من نفقات التحديث والتطوير.

أما بالنسبة للشركات العامة فقد اشترط عدم وجود خسارة فيها.

4.2  مزايا برنامج التحديث والتطوير الصناعي:

من خلال استعراض أهداف برنامج التحديث والتطوير الصناعي في سورية، وما تم إنجازه على أرض الواقع من هذه الأهداف بعد ثلاثة أعوام من العمل الفعلي، يمكن الإشارة إلى أهم ما يميز  هذا البرنامج عن المحاولات والبرامج السابقة الأخرى بما يلي:

1-    يتم تنفيذه  في ضوء دروس وخبرات منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية ( يونيدو) في تنفيذ برامج مماثلة ناجحة في دول عديدة بما فيها بعض البلدان العربية مثل تونس، مصر ، المغرب..

2-    يتم تنفيذ البرنامج وفق رؤية شمولية متكاملة لتحديث وتطوير  قطاع الصناعات التحويلية في سورية بكافة أنشطته ومؤسساته الداعمة والاقتصاد السوري عموماً.

3-    يضع برنامجاً تنفيذياً تفصيلياً للاستراتيجيات والسياسات التي يجب تطبيقها وكذلك إحداث الهيئات والمؤسسات الداعمة اللازمة لتحديث الصناعة السورية.

4-    البدء باختيار قطاع يتمتع بأهمية كبيرة بالنسبة للاقتصاد السوري هو قطاع النسيج والملابس، وقد تم إعداد إستراتيجية خاصة لهذا القطاع لتتم عملية التحديث والتطوير للشركات المقبولة في إطارها. 

5-    يقدم معونة فنية متكاملة للشركات المستفيدة حيث لا يكتفي  بالدراسات والخطط بل يقدم المعونة الفنية ويمول 90% من الاستثمارات غير المادية.    

6-    يقدم نموذجاً رائداً لأسلوب إصلاح القطاع العام الصناعي من خلال اختياره ثلاث شركات عامة للتحديث والتطوير واقتراح خطة تنفيذية لتحديثها. 

7-    يقترح آلية ومؤسسات وطنية لضمان استمرارية التحديث الصناعي في سورية مستقبلاً (مركز وطني للتحديث الصناعي) ليتابع هذه العملية بعد انتهاء فترة هذا البرنامج .

8-    يتضمن البرنامج صندوق ائتمان باعتماد خاص حوالي 20 مليون يورو بشروط ميسرة جداً لتمويل الاستثمارات المادية (آلات وتجهيزات ) التي قد  تحتاجها عملية تحديث وتطوير  المؤسسات الصناعية الصغيرة والمتوسطة والتي تكون ذات جدوى اقتصادية وقد تم توقيع الاتفاقية الخاصة بهذا القرض بين الجانبين السوري والايطالي  بتاريخ 18 / 3 /2010 .

9-    يبني ويؤهل كوادر وطنية سواء من الاستشاريين أو العاملين في مجال التحديث والتطوير الصناعي وذلك من خلال إحداث وحدة للتحديث والتطوير الصناعي تتولى مهمة الإشراف والمتابعة لمختلف أنشطة البرنامج .

10- يتم تنفيذ البرنامج بتعاون وثيق ومتميز مع وزارة الصناعة وغرف الصناعة ورابطة المصدرين السوريين للألبسة والنسيج ومع الوزارات والهيئات العامة المعنية وكذلك البرامج المكملة والجمعية السورية لمستشاري الادارة، من خلال مشاركة كل هذه الجهات في اللجنة الاستشارية للبرنامج .

5.3-  إستراتيجية التحديث والتطوير  الصناعي في سورية :

تضمن الهدف الأول من أهداف برنامج التحديث والتطوير الصناعي IMUP- SYRIA،إعداد إستراتيجية شاملة لتحديث الصناعة السورية في كافة القطاعات والأنشطة. وقد تمت مناقشة المسودة النهائية لهذه الوثيقة في ورشة عمل خاصة عقدت بتاريخ 23/9/2007 شارك فيها عدد كبير من الاستشاريين وممثلين عن القطاع العام والخاص والمنظمات والهيئات الدولية والجهات المانحة.  وفي ضوء المناقشات التي جرت خلال هذه الورشة تم إعداد الاستراتيجية  بشكل نهائي ورفعها إلى الجهات الوصائية لاعتمادها كجزء متمم ومتكامل مع الخطة الخمسية العاشرة لقطاع الصناعات التحويلية وإطار لخطته الحادية عشرة . وقد وافق رئيس مجلس الوزراء بتاريخ 12/2/2008 على عرض هذه الوثيقة على اجتماع خاص للجنة الفنية العليا للخطة الخمسية العاشرة لاتخاذ قرار حول تشميل هذه الوثيقة في الخطة ليصار إلى تصديقها لاحقاً في اجتماعات المجلس الأعلى للتخطيط ،  وفيما يلي عرض موجز لأهم مكونات هذه الاستراتيجية.

 الرؤية:

 تتمثل رؤية إستراتيجية التحديث والتطوير الصناعي بأن تصبح الصناعة السورية محرك النمو للاقتصاد وتساهم في تحقيق أهداف الخطتين الخمسيتين العاشرة والحادية عشرة وذلك في إطار الإصلاح الاقتصادي.

المهمة: 

مهمة إستراتيجية التحديث والتطوير الصناعي أن تكون خطة عمل لتحقيق تحول الصناعة من صناعة قائمة على المواد الأولية والسوق المحلية وأنشطة عائلية صغيرة، إلى صناعة تحقق قيمة مضافة عالية، وتقوم على منشآت حديثة موجهه للتصدير، مع تلبية السوق الداخلية بالكميات والجودة المطلوبة.

ملكية برنامج تحديث الصناعة:

إن برنامج تحديث الصناعة في سورية هو ملكية مشتركة بين الحكومة والقطاع الخاص. فبينما تتعهد الحكومة حسب الخطة الخمسية العاشرة، بدعم القطاع الخاص وتسمح له بالمشاركة الإيجابية في فعاليات وإدارة تحديث الصناعة، فمن المتوقع في المقابل أن يقوم القطاع الخاص بواجباته ويحقق نتائج ايجابية تعزز من نمو الاقتصاد السوري ككل. ولذلك فإن الشراكة الحقيقية بين الحكومة وبين القطاع الخاص تعتبر من العوامل الهامة لنجاح الإستراتيجية.

مكونات الاستراتيجية:

تتألف الاستراتيجية من  ثلاث أقسام فنية:

1-    المؤسسات والسياسات.

2-     التكنولوجيا والجودة.

3-    الدعم الفني.

وداخل كل قسم يوجد عدد من البرامج، وكل برنامج ينقسم إلى عدد من الأهداف تترجم إلى إجراء أو أكثر، بحيث يتم عرض الوضع الحالي لكل إجراء، والجهات المسؤولة، وخطواته التنفيذية حسب الأولوية. كما يتضمن البرنامج جدولا زمنيا مقترحاً  لتنفيذ جميع البرامج الفرعية داخل كل قسم، وميزانية تقديرية إجمالية.  

أولاً-  قسم المؤسسات والسياسات:

يتضمن قسم المؤسسات والسياسات ثلاثة برامج فرعية هي:

1- برنامج المؤسسات : مهمة هذا البرنامج استكمال الجهود الجارية لإعادة هيكلة وزارة الصناعة وكذلك التغييرات المتعلقة بالمؤسسات الأخرى، وإنشاء مؤسسات جديدة حسب حاجة العناصر الأخرى لإستراتيجية تحديث الصناعة.

2-  برنامج السياسات: مهمة هذا البرنامج اقتراح التغييرات والأولويات المطلوبة في مجموعة السياسات المؤثرة على الصناعة، وذلك لتعزيز الجهود المبذولة حالياً من قبل الحكومة في مجال تحسين بيئة الأعمال ودعم الصناعة ككل. مع العلم بأن تناول السياسات في حزم منفصلة، يجب أن يأخذ بعين الاعتبار التأثير المتبادل فيما بينها جميعاً.

3-  برنامج الدراسات : يشمل هذا البرنامج جميع الدراسات اللازمة لدعم وتنفيذ استراتيجية تحديث الصناعة في سورية على المستويات الرأسية والأفقية.

 حيث يبين الجدول التالي أهداف كل برنامج.

(1) برنامج المؤسسات

 (2) برنامج السياسات

(3) برنامج الدراسات

1. تحديث وزارة الصناعة.

2. إيجاد آلية فعالة للتنسيق بين وزارة الصناعة وجميع الوزارات ذات الصلة بالصناعة التحويلية.

3. استيعاب التغييرات المؤسساتية الجديدة حسب الحاجة، وفي الوقت المناسب وبطريقة فعالة

1. الترويج للتصدير.

2.   جذب الاستثمارات.

3.   تحسين نظام الضرائب والجمارك.

4.   توسيع المناطق الصناعية وتحسين أداء المناطق القائمة بالفعل.

5.   تيسير تمويل المشاريع الصناعية.

6.   تسهيل النقل والتجارة.

1. الكشف عن الإمكانات التنموية للقطاعات الصناعية المختلفة.

2.   ترويج الصادرات على أسس سليمة وواقعية.

3.   وضع الأسس لتشكيل تجمعات صناعية ذات كفاءة عالية (clusters).

4.   تحديد أولويات التغيير في القطاع

 

 

إن الإطار الزمني لتنفيذ قسم المؤسسات والسياسات هو سنتان، حيث لا بد من الإشارة إلى أن الشروع في التنفيذ والإسراع في إنهاء أنشطة هذا القسم يمثل أولوية عليا، كونه نتائج التنفيذ ستظهر حتى قبل انتهاء تنفيذ الأقسام الأخرى للبرنامج، حيث ستلاحظ هذه النتائج على قطاع الصناعة.

ثانياً- قسم التكنولوجيا والجودة:

يتضمن قسم التكنولوجيا والجودة برنامجين فرعيين هما :

1-     برنامج التكنولوجيا والابتكار.

2-     البرنامج الوطني للجودة.

 

1- برنامج التكنولوجيا والابتكار:

هو عبارة عن مجموعة من البرامج التي تهدف إلى تدعيم البنية التكنولوجية التحتية، وحل المشاكل الفنية التي يواجهه الصناعيون وتعميق مفهوم الابتكار.

2- البرنامج الوطني للجودة:

يتكون البرنامج من مجموعة من الإجراءات المتكاملة لخلق نظام كامل لضمان الجودة، مما يسمح للمنتجات السورية بالتوافق مع المواصفات العالمية، وبالتالي التنافس في الأسواق الدولية. إن معظم الإجراءات متواجدة بالفعل في مسودة السياسة الوطنية للجودة التي أعدتها الجهات الحكومية المعنية، وبالتالي فإن البرنامج الوطني للجودة يهدف ضمن إطار برنامج تحديث الصناعة، إلى إحياء المسودة والترويج للانتقال بها إلى مرحلة التنفيذ بعد استكمال ما ينقصها.

إن الإطار الزمني لتنفيذ قسم التكنولوجيا والجودة هو 4 سنوات، حيث لا بد من الإشارة إلى أنه وعلى الرغم من ضرورة البدء الفوري في البرامج، فإن الطبيعة الفنية للقسم تجعل منه نشاطا مستمرا لفترة طويلة ولا تظهر نتائجه الكاملة إلا في المدى المتوسط.

ثالثاً-  قسم الدعم الفني:

يتضمن قسم الدعم الفني برنامجين اثنين هما : برنامج الدعم الفني للقطاع الخاص و برنامج الدعم الفني للقطاع العام.

1-     برنامج الدعم الفني للقطاع الخاص:

يتمثل في عدد من البرامج المصممة خصيصاً بهدف تنمية قدرات منشآت الصناعة التحويلية لتمكينها من التوسع والمنافسة محلياً ودولياً. و يعمل نظام الدعم الفني على أساس تقاسم التكاليف. وفق النسب المقترحة (استنادًا إلى التجربة المصرية) وهي: (70٪ تمول من مركز تحديث الصناعة و30٪تمول من قبل منشآت القطاع الخاص في حالة التطبيق الفردي) و (80٪تمول من مركز تحديث الصناعة و20٪ تمول من المنشآت الخاصة، في حالة تقدم مجموعة من المنشآت لا يقل عددها عن 5 منشآت للحصول على ذات الخدمة). ويقوم مركز تحديث الصناعة بتسهيل وتنظيم جميع الخدمات، بينما يقوم الخبراء المختصون بتقديم الخدمات  المطلوبة.

2-    برنامج الدعم الفني للقطاع العام:

سيقدم مركز تحديث الصناعة الدعم الفني للقطاع العام وفق الصيغة والمنهجية التي تقرها الحكومة بخصوص إصلاح القطاع العام الصناعي. وسيتركز هذا الدعم كأولوية في المنشآت الناجحة التي ستحددها الحكومة. ونظراً لتبعية هذه المنشآت  المالية للحكومة، فإن تمويل الدعم الفني للمنشآت العامة المختارة سيكون من الميزانية العامة. 

من المقترح أن تحصل 1000 منشأة صناعية على الدعم الفني في السنوات الثلاثة الأولى للبرنامج، وهذا العدد لا يشمل المنشآت النسيجية التي يتم مساعدتها من خلال المشروع الحالي وسيتم مراجعة هذا العدد التقديري على أساس التجربة العملية من المرحلة الأولى لهذا المشروع. علماً بأنه من المفترض أن يزداد عدد الشركات التي ستتلقى الدعم الفني في السنة الثانية والثالثة، لأن نجاح التجربة في السنة الأولى وخبرة مركز تحديث الصناعة التي تكون قد اكتُسبت، ستحفز المزيد من الشركات لطلب خدمات قسم الدعم الفني.

مركز تحديث الصناعة:

يرتبط نجاح  الاستراتيجية (البرنامج الشامل) للتحديث الصناعي ارتباطاً وثيقاً بالإدارة الفعالة والكفؤة لتنفيذها. وكما هو متبع في العديد من التجارب العالمية والعربية من حيث البدء ببرنامج رائد أولاً ثم الانتقال إلى مركز تحديث صناعي شامل ودائم، فإنه لابد من إحداث مركز وطني دائم  للتحديث الصناعي كمؤسسة مستقلة ومسؤولة عن إدارة وتنفيذ البرنامج الشامل (الاستراتيجية) وبمشاركة حقيقية وفعالة مع القطاع الخاص وبحيث يتبع مباشرة إلى رئيس الوزراء أو نائبه، وأن يكون وزير الصناعة هو رئيس مجلس إدارة هذا المركز.

إن مسؤولية إدارة المركز تتضمن تنفيذ الإجراءات المقترحة في استراتيجية  التحديث الصناعي، وبشكل خاص الدعم الفني المقدم للشركات، كما تواكب إدارة المركز تنفيذ الإجراءات الأخرى التي يتم تنفيذها من قبل وزارة الصناعة والمؤسسات الحكومية والخاصة المرتبطة بقطاع الصناعة، وبالنتيجة يوجد ثلاثة أذرع  للتنفيذ:

1-     وزارة الصناعة.

2-     مركز تحديث الصناعة (تنفيذ الأقسام الفنية).

3-     المؤسسات والهيئات العامة والخاصة المعنية بقطاع الصناعة.

ويحتاج إنشاء وعمل المركز إلى تحقيق ثلاثة شروط مسبقة ليقوم بمهامه وبنجاح:

1-    إحداث  المركز بموجب مرسوم رئاسي وبسلطات تسمح بإدارة البرنامج بكفاءة ومرونة. فأهمية هذا الشرط تنبع من أن شمولية وعمق وتنوع الإجراءات الموصوفة في البرنامج تتطلب مرونة عالية وإدارة وسلطة يمكن من خلالها تتبع ما تقوم به المؤسسات الأخرى المعنية بالصناعة.

2-    أن يكون البرنامج الوطني الشامل لتحديث الصناعة ومركز تحديث الصناعة تحت إشراف رئيس مجلس الوزراء أو نائبه للشؤون الاقتصادية، مع رئاسة وزير الصناعة لمجلس إدارة المركز. إن تبعية المركز المقترحة تؤمن سهولة التنسيق بين مختلف الوزارات والوقوف على مراحل تنفيذ البرنامج . 

3-    أن يتم اختيار أعضاء مجلس الإدارة من قبل رئيس الوزراء أو نائبه، من القطاعين الخاص والعام، ووفقا لمعايير شفافة: (الخبرة السابقة الفعالة في مجموعات العمل الفنية والإلمام بالمسائل الصناعية..).

تمويل مركز تحديث الصناعة:

يمول مركز  تحديث الصناعة من خلال صندوق خاص يحدث لهذه الغاية يتكون من ثلاثة مصادر:

1-    الميزانية العامة للدولة.

2-     مساهمة القطاع الخاص السوري.

3-     الجهات المانحة.

علماً بأنه يوجد حالياً عدد من وكالات التنمية الدولية والجهات المانحة التي تنفذ برامج وأنشطة تدعم الصناعة السورية، لكن عملها يتسم أحياناً في ضعف التنسيق والتكامل بين مختلف المشاريع المنفذة (وحتى قيد التنفيذ)، بالإضافة إلى تعدد الدراسات، وبالتالي فإن زيادة التنسيق بين مختلف هذه البرامج سيساعد فعلياً في تنفيذ برنامج تحديث الصناعة.

القسم الثالث: تحديات التحديث الصناعي في سورية:

مما تقدم نجد أن تحديث وتطوير الصناعة السورية أصبح ضرورة ملحة لا تحتمل التأجيل، وبالتالي فإنه يمكن اعتبار برنامج التحديث والتطوير الصناعي IMUP-SYRIA ، وإن تأخر البدء به  بعض الشيء، بمثابة  البداية الجادة والسليمة في هذا المجال، بحيث يتحول إلى عنصر محرض على توسيع نطاق التحديث والتطوير الصناعي سواء بتشميل عدد أكبر من الشركات ضمن قطاع النسيج والألبسة، أو بالانتقال إلى قطاعات وأنشطة صناعية أخرى كالصناعات الغذائية وصناعة المكونات الهندسية والكيميائية التي تؤكد الدراسات ضرورة تحديثها وتطويرها وذلك من خلال مركز وطني دائم للتحديث الصناعي. كما يؤمل أن يساهم تنفيذ هذا البرنامج في خلق تفاعل متبادل مع مختلف القطاعات والأنشطة الاقتصادية الأخرى ذات العلاقة وبما ينعكس ايجابياً على مسيرة التنمية الصناعية في سورية، وفي هذا المجال لابد من أخذ الأمور التالية بعين الاعتبار: 

1-  إن عملية التحديث والتطوير الصناعي في سورية وقد بدأت فإنه لابد من توفير كافة الشروط والمستلزمات البشرية والمادية لنجاحها.

2-  إن عملية التحديث والتطوير الصناعي ليست عملية محدودة بمكان أو زمان تنتهي باستحقاقهما وإنما هي عملية مستمرة طالما كانت هناك منافسة وتحديات تتطلب التطوير والتقدم.

3-  إن عملية التحديث والتطوير الصناعي لا يمكن أن تحقق النتائج المرجوة منها ما لم تتجاوب معها بيئة العمل المحيطة بها وتساهم في نقل مخرجاتها ونتائجها إلى كافة القطاعات الاقتصادية والخدمية الأخرى.

4-  إن مهمة التحديث الصناعي هي مهمة مشتركة بين الحكومة والمؤسسات الصناعية،  وبالتالي فإنه لا يمكن  إلقاء هذه المهمة على عاتق طرف واحد فقط.

من هنا فإننا لا نجافي الحقيقة عندما نؤكد مجدداً أن تحديث وتطوير الصناعة السورية أصبح مهمة وطنية ملحة بكافة الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية بل وحتى السياسية، وأن  تنفيذها يشكل نقلة نوعية هامة في عمل الحكومة السورية ووزارة الصناعة وفي ذات الوقت في عمل غرف الصناعة ورجال الصناعة في سورية تعبر عن الانتقال إلى دور جديد أكثر أهمية ومسؤولية ومشاركة فعالة في القرار والتنفيذ من كافة الأطراف.  

تواجه عملية تحديث الصناعة السورية مجموعة من المخاطر والتحديات في مقدمتها:

1-   الظروف المحلية والإقليمية السائدة، ومؤخراً الأزمة الاقتصادية العالمية وانعكاساتها على الصناعة السورية من ناحية  وعلى  جذب الاستثمارات وحجم المنح والمساعدات المتعلقة بالتحديث الصناعي من ناحية أخرى.

2-    البطء في عملية الإصلاح الاقتصادي الشامل وتوفير مستلزماته، وكذلك التأخر في معالجة المعوقات والسلبيات التي تعاني منها الصناعة السورية والتي سبق عرضها في القسم الأول.

3-  التأخر في توفير البنية التنظيمية والمالية الضرورية لمتابعة عملية التحديث والتطوير الصناعي (مركز تحديث، صندوق تحديث، مؤسسات داعمة …)  حتى لا يصبح برنامج التحديث والتطوير الصناعي الذي يجري تنفيذه حالياً مجرد محاولة من المحاولات السابقة التي تم تنفيذها أو لم يتم استكمالها.  وهي مسألة على درجة كبيرة من الخطورة خاصة وأن  فترة المرحلة الأولى من هذا البرنامج قد أوشكت على الانتهاء رغم تمديدها عدة مرات ومن المفترض أن تبدأ المرحلة الثانية من بداية النصف الثاني من عام 2010 .  

4-   ضعف تجاوب القطاع الخاص مع هذه العملية وتحقيق الآمال المعقودة على دوره، سواء في تقديم المعلومات والبيانات بشفافية أو تنفيذ ما تتطلبه خطط التحديث والتطوير من إجراءات وتدابير.

5-  ضعف العمل المؤسساتي ضمن الجهات المشرفة على عملية التحديث والتطوير الصناعي  وبينها وبين الجهات العامة والأهلية المعنية من ناحية أخرى، وتحديد التعامل سلباً أو إيجابا مع البرامج المعنية استناداً إلى المواقف الشخصية.

لذلك وفي ضوء تجارب البلدان الأخرى والظروف السائدة حالياً في سورية،  فإنه لابد من اتخاذ مجموعة من الإجراءات والتدابير التي تكفل أولاً بقاء الصناعة السورية، وثانياً تعزيز قدرتها على الاستمرار والنمو من خلال تعزيز قدرتها التنافسية وتوفير كافة المستلزمات التي تساعد على تحقيق هذا الهدف. إن الصناعة السورية اليوم تعمل في الوقت الضائع وبالتالي فإن المطلوب كبير والزمن محدود والفرص تقل شيئاً فشيئاً وهذا ما يجب أن  يدفعنا إلى تجنب الانتظار الطويل وبنفس الوقت عدم  التسرع والارتجال،  ولاشك بأن فرق عمل مؤهلة ومخولة قادرة على تنفيذ المطلوب بالشكل الأفضل.

إن  توفير البيئة المناسبة لنجاح عملية التحديث الصناعي في سورية، ومواجهة التحديات والمخاطر والمعوقات التي قد تحد أو تؤثر سلباً على أدائه وتحقيق أهدافه، يتطلب  اتخاذ الإجراءات والتدابير التالية:

أولاً- على المستوى الحكومي:

1- تبني برنامج وطني شامل للتحديث والتطوير الصناعي من قبل أعلى سلطة سياسية،  وذلك لضمان التزام كافة المستويات الإدارية والتنظيمية بالتعاون مع هذا البرنامج بفعالية تضمن تسهيل مهامه وبالتالي نجاحه في تنفيذ أهدافه التي  ستنعكس على قطاعات الاقتصاد الوطني من خلال زيادة الصادرات، و خلق المزيد من فرص العمل،  ورفع الكفاءات وبالتالي زيادة الدخل وتحسين مستوى المعيشة. وهذا يتطلب بداية إدماج استراتيجية التحديث والتطوير الصناعي الشاملة في الخطة الخمسية الحادية عشرة والبدء بتنفيذها.

2- إن عملية التحديث والتطوير الصناعي ليست عملية محددة بإطار زمني محدد لمعالجة واقع أو مشكلة أو قطاع ما أو نشاط ما ، بل هي عملية مستمرة ومتجددة،  وبالتالي يجب توفير الرؤية والأداة الفعالة لضمان استمراريتها بنجاح وشمولها أوسع عدد ممكن من الشركات من كافة الأنشطة الصناعية والخدمية المرتبطة بها. ومن المعروف أن المرحلة الأولى من برنامج التحديث والتطوير الصناعي الرائد، الذي يجري تنفيذه حالياً سوف تنتهي في منتصف 2010، لذلك فإنه لابد من التحرك الفوري من أجل تهيئة الكيان الوطني البديل منذ الآن وهو مركز التحديث الصناعي (مكاناً وكوادر وتجهيزات وأنظمة ولوائح ) لضمان استمرارية عملية التحديث والتطوير الصناعي والاستفادة من الخبرات الوطنية التي تراكمت من خلال البرنامج الرائد الحالي.

3- التأكيد وبالتالي القناعة والعمل بأن مهمة التحديث الصناعي هي مهمة وطنية وليست مهمة وواجب أصحاب الشركات فقط ،  لذا  يجب أن تقوم الحكومة بتوفير كل ما يلزم  لتشجيع  القطاع الخاص على القيام  بالدور المأمول منه في التوجه إلى القطاعات الإنتاجية،  والدخول في الصناعات ذات المكون التكنولوجي الأكبر،  وتوسيع استثماراته،  وتحسين كفاءة منشآته، كما أنه لابد من  توفير المؤسسات والهيئات الداعمة  والضرورية للتحديث الصناعي وتفعيل دور ما هو موجود حالياً منها مثل مراكز التدريب المهني، هيئة تنمية الصادرات، المراكز الفنية المتخصصة، مؤسسة المعارض الخ..والتي تعتبر عنصرا  أساسياً في تحسين بيئة الاستثمار من ناحية، وتحسين القدرة التنافسية للصناعة السورية بشكل متواصل.

4- الإسراع في اعتماد وتنفيذ برنامج  لإصلاح القطاع العام الصناعي يتضمن حزمة متكاملة من الإجراءات والتدابير التي تعالج أوضاعه (الإدارية والتنظيمية والمالية والفنية) بشكل جذري وشامل ووفق برنامج مادي وزمني محدد يحول هذا القطاع إلى قطاع ناجح منافس قادر على التوسع بإمكانياته الذاتية.    

5- إن المعونات والمساعدات التي تقدمها الدول المانحة والمنظمات الإقليمية والدولية من أجل تحديث وتطوير الصناعة السورية وتحسين قدرتها التنافسية، عنصر هام وفعال في تمويل هذه العملية والتعريف بها ونشرها ونقل الخبرات والتجارب العالمية المفيدة التي تساعد في تحقيق الأهداف المرجوة من التحديث الصناعي وخاصة بناء القدرات الوطنية في هذا المجال ، إلا أنه من الضروري وجود مورد مالي  وطني متجدد ومستمر من أجل ضمان استمرارية  هذه العملية، لذلك فإنه لابد من إقامة صندوق وطني لهذه الغاية تصب فيه المعونات والمساعدات والمنح الخارجية المخصصة لهذا الهدف إضافة إلى مصدر وطني داخلي تشاركي بين الحكومة والقطاع الخاص يتمثل بتخصيص نسبة صغيرة من قيمة الواردات والصادرات لهذا الصندوق على أن تتم إدارته بشكل مشترك من قبل ممثلين لكلفة الجهات المشاركة والمعنية.  

6- في الوقت الذي ازدادت فيه المصارف الخاصة وتحسن أداء المصارف العامة،  فقد بات من الضروري أن  تتوجه هذه المصارف إلى التمويل الاستثماري متوسط الأمد عوضاً عن تمويل شراء السيارات والمنازل كما هو حاصل حالياً، خاصة في ظل وجود سيولة مالية كبيرة لدى المصارف العامة والخاصة بلغت بنهاية عام 2009 حوالي 256 مليار ليرة سورية لا يتم استثمارها أو توظيفها.

7- ضرورة التنسيق والتكامل بين مختلف المشاريع والبرامج ذات العلاقة بالتحديث الصناعي التي يجري تنفيذها من قبل مختلف المنظمات والبرامج الدولية والجهات المانحة الأخرى بما فيها الاتحاد الأوروبي  الخ.. من أجل توزيع أدوار ومهام هذه البرامج بشكل يضمن تكاملها وعدم التكرار والازدواجية كما هو حاصل حالياً،  وبما يزيد من فعالية هذه البرامج وتحقيق أهدافها بأفضل الأساليب وأقل التكاليف وأقصر الأوقات،  ويشجع المزيد من الجهات الداعمة والمانحة على استمرار نشاطها في سورية في ضوء ما يتحقق من نتائج وتقييم ايجابي لما تقدمه.

8- إن التزام سورية بمضمون اتفاقيات تحرير التبادل التجاري التي وافقت عليها ودخلت حيز التنفيذ قد أصبح  أمراً واقعاً ،إلا أنه من الضروري مواجهة الأساليب التي تتبعها بعض الشركات في عدد من البلدان العربية والأجنبية من أجل الالتفاف على هذه الاتفاقيات واستغلال ما ورد فيها على غير وجه حق، لذلك فإن التشدد في التدقيق بشهادات منشأ البضائع المستوردة ضمن هذه الاتفاقيات أصبح مسألة وطنية بامتياز نظراً للآثار المدمرة على الصناعة السورية التي سيؤدي إليها أي تهاون في ذلك. من جانب آخر وكما بات معروفاً، فإنه لا توجد دولة في العالم تستغني عن صناعتها بسهولة وبدون ثمن مقابل فتح أبوابها كاملة أمام بضائع الدول الأخرى. فمن المعروف أن هناك مجموعة من الإجراءات والتدابير تساهم بهذا الشكل أو ذاك في تحسين وضع الصناعة الوطنية بما لا يتعارض مع الالتزامات بالاتفاقيات الموقعة وهذا ما يجب تطبيقه في أسرع وقت ممكن وفي مقدمته الإسراع في إصدار قانون تنظيم حماية الصناعة الناشئة.

9- إن عملية التحديث والتطوير الصناعي كما سبق الإشارة،  تحتاج إلى خبرات استشارية متنوعة ومتقدمة سواء في مرحلة إعداد الدراسات التشخيصية الشاملة ووضع خطط التطوير والتحديث أو في تنفيذ هذه الخطط ومتابعتها، والمسألة بالتأكيد لن تتوقف عند هذا الحد باعتبار أن عملية التحديث والتطوير عملية مستمرة ومتجددة، الأمر الذي يتطلب التركيز على الخبرات الوطنية وإفساح المجال أمامها للمساهمة بشكل أكبر وأفضل في هذه العملية، وهذا بدوره  يتطلب  تنظيم مهنة الاستشارات من خلال الجمعيات الموجودة والمعتمدة وتشجيعها على تطوير نفسها ورفع كفاءة أعضائها بشكل مستمر،  وإزالة الغبن والتمييز الذي تقوم به بعض المنظمات والجهات المانحة بين الاستشاري الوطني والأجنبي عند تساوي الكفاءات والمؤهلات.

10 – إن الأمور الأساسية التي سبق ذكرها تتطلب دوراً جديداً لوزارة الصناعة يتمثل بتشجيع وتحفيز وتمكين الصناعة السورية بكافة أشكال الملكية، وتوسيع نطاق اللامركزية فيها. كما يتطلب أن ينعكس هذا الدور على البنية الهيكلية والتنظيمية للوزارة والعاملين فيها بما يؤكد الدور الجديد لوزارة الصناعة كوزارة سياسات صناعية.  

ثانيا- على مستوى القطاع الخاص:

1- إن الدور التشاركي للقطاع الخاص في عملية التحديث والتطوير الصناعي يتطلب منه التزامات محددة تتمثل بمزيد من الوعي والإدراك للتعامل بصدق وموضوعية وشفافية في هذه العملية حتى تكون مشاركته بالمستوى المطلوب والمأمول.  ذلك أن إضاعة فرصة المشاركة الجادة والمسؤولة من قبل القطاع الخاص في هذه العملية سيكون لها تأثيرات سلبية كبيرة على مستوى الاقتصاد الوطني وعلى العلاقة بين الحكومة والقطاع الخاص ومصداقيته وجديته في تنفيذ ما يطالب به من المشاركة في القرار والتنفيذ .

2- إن إدراك أهمية التحديات المحلية والخارجية التي تواجهها المؤسسات الصناعية، يجب أن تتحول إلى إرادة وفعل علمي ومدروس من أجل أن تكون المواجهة ناجحة وفعالة ذلك أن الإرادة في التحديث والتطوير من أجل البقاء ومواجهة المنافسة  ينبغي أن تكون عن قناعة واستعداد تام للقيام بكل ما تتطلبه هذه العملية من جهد ووقت ومال.

3- إن النقلة النوعية المطلوبة في ذهنية ومنهجية وأسلوب القطاع الخاص لا تقتصر  فقط على علاقاته وتشابكاته خارج نطاق مؤسساته وحسب، بل لابد أن تترافق مع تطور نوعي آخر داخل منشأته وبشكل خاص ما يتعلق بإتباع أساليب الادارة الحديثة  وكذلك في مهام ودور  المؤسسات والجمعيات والاتحادات التي تمثله.

4- إن التوازن بين الحقوق والواجبات لا يمكن أن يتحقق دون رؤية موضوعية ومسؤولة من قبل القطاع الخاص تكون هي الضمانة الفعلية في تجنب أي اختلال في هذا التوازن سواء بالفعل أو برد الفعل وفي مقدمة ذلك الالتزام الواضح والفعلي في الأنظمة والقوانين في كافة المجالات دون اللجوء إلى الانتقائية في الالتزام.

5- إدراك أهمية وضرورة العمل الاستشاري لمجتمع الأعمال،  وبشكل خاص ما يتعلق بالاستشارة الوقائية ، التي تدرس وتشخص مواقع القوة والضعف في الشركات الصناعية وتعالج مظاهر التراجع والخطر قبل حدوثها، ما يجعل المنشأة الصناعية في مأمن كبير من تفاقم أية مظاهر سلبية ومعالجتها منذ بدايتها، و يوفر الكثير من الجهد والوقت والمال الذي ستتطلبه عملية معالجة نتائج هذه المظاهر عند تفاقمها.  كما أن الاستشارة أصبحت صفة ملازمة ومهمة دائمة لكافة الشركات الجدية الراغبة في الاستمرار والنمو. 

إن الصناعة السورية اليوم تعيش في ظروف غاية في الصعوبة والتعقيد،  ويتوقف وجودها ومستقبلها، على حسن وكفاءة الإجراءات التي تتخذ لمواجهة هذه الظروف، ما ينعكس بشكل مباشر على الاقتصاد الوطني بشكل عام وقرار سورية  السياسي المستقل في المحصلة. إن الوقت الضائع الذي تعمل فيه غالبية المنشآت الصناعية اليوم لم يعد يسمح بمزيد من التأجيل أو التسويف وأيضاً بمزيد من  التسرع والارتجال،  والمسألة لا تتوقف فقط على مطالبة الحكومة أو القطاع الخاص بشكل منفرد باتخاذ هذا الإجراء أو ذاك،  بل هي مطالبة جماعية تشاركية ومسؤولة تخرج الصناعة من مأزقها لتلعب الدور المأمول منها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية. ولاشك بأن تكامل جهود الحكومة مع جهود القطاع الخاص الوطني في هذا المجال وفق ما هو مبين في استراتيجية التحديث والتطوير الصناعي هو وحده بداية وضمان نجاح سورية في تحديث وتطوير صناعتها الوطنية .

** محاضرة ألقيت في ندوة الثلاثاء الاقتصادية – نيسان 2008       

 

     مراجع  الدراسة:

–          فؤاد اللحام، برنامج التحديث والتطوير الصناعي في سورية : المنجزات وآفاق المستقبل، ورقة عمل 2009 .

–          برنامج التحديث والتطوير الصناعي في سورية ، منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية ، 2007 .

–          منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية – وثيقة مشروع برنامج التحديث والتطوير الصناعي في سورية 2006.

–           وحدة التحديث والتطوير الصناعي ، تقارير تقدم العمل في برنامج التحديث والتطوير الصناعي ، 2007-2010  .

–          وزارة الصناعة ، تقارير تتبع التنفيذ  1995-2009  .