أكتوبر 31, 2015 دراسات وتقارير 0 تعليقات

الصناعة السورية في ظل الأزمة : الواقع والمطلوب

جمعية العلوم الاقتصادية السورية

 

الصناعة السورية في ظل الأزمة : الواقع والمطلوب

ورقة عمل للمناقشة في ورشة العمل بتاريخ 13/5/2014

تواجه الصناعة السورية اليوم أزمة مركبة  نتيجة تراكم العوامل الثلاثة التالية:

1-    نقاط الضعف والسمات العامة المعروفة عن واقع هذه الصناعة.

2-    النتائج السلبية  لتحرير التبادل التجاري ومحدودية نتائج الخطة الخمسية العاشرة .

3-    آثار ومنعكسات الأزمة الراهنة.

وقد وضعت هذه الأزمة المركبة الصناعة السورية في وضع صعب للغاية بات  يهدد وجودها ومستقبلها ما يتطلب اتخاذ الاجراءات والتدابير اللازمة لمعالجة آثارونتائج هذه الأزمة بمجملها وبشكل شامل ومتكامل، والاستفادة منها كفرصة متاحة لإعادة هيكلة وتوطين الصناعة السورية وتحديثها وتمكينها من القيام بدورها كقاطرة رئيسية للتقدم والنمو والتشغيل وبشكل خاص في مرحلة إعادة البناء ، وهذا يتطلب – قبل أي شيء آخر – فهم وتحليل الأسباب التي أدت الى وصول الصناعة إلى هذه الأوضاع الصعبة والوقوف على نتائجها بموضوعية وشفافية ليصار إلى اتخاذ الاجراءات والتدابير اللازمة لمعالجة هذه الأوضاع بشكل فوري وعلى المدى القصير والمتوسط بشكل يراعى فيه تحديد الأولويات الملحة وبما يساهم في اختصار الوقت والجهد والكلفة لتنفيذها .  وفي هذا الإطار تتناول هذه الدراسة ثلاثة محاور رئيسية :

1-    واقع الصناعة السورية قبل الأزمة

2-    أثر الأزمة على الصناعة السورية

3-    الاجراءات والتدابير اللازمة لإعادة تأهيل وتنشيط الصناعة السورية

أولاً- واقع الصناعة السورية في مرحلة ما قبل الأزمة .

1- السمات العامة للصناعة السورية:

تتمتع الصناعة السورية بمزايا ونقاط قوة عديدة في مقدمتها الموقع الجغرافي والعراقة الصناعية وتوفر كافة حلقات الانتاج في العديد من الصناعات كالصناعات النسيجية والغذائية إضافة إلى وفرة ورخص اليد العاملة ، إلا أنها تعاني من عدة نقاط الضعف الناجمة عن ظروف نشأتها وتطورها خلال المرحلة السابقة للأزمة من أهمها:

1- ضعف البنية الهيكلية  بسبب اعتمادها على الصناعات التقليدية الخفيفة التي تقوم إما على موارد زراعية وتعدينية محلية ذات قيمة مضافة متدنية ومكون تكنولوجي بسيط، أو صناعة تجميعية (إحلال الواردات).

2- اعتماد نظام حماية مطلق للإنتاج الوطني (عام وخاص) تجاه المنتجات الأجنبية من ناحية، وحصرمطلق لعدد من المنتجات الصناعية الوطنية بالقطاع العام، ، دون تحديد فترة زمنية لهذه الحماية أو ربطها بصناعات مستقبلية محددة، ووضع شروط محفزة أمام الشركات الوطنية لتحسين قدرتها التنافسية .

3- وجود خلل هيكلي في بنية التجارة الخارجية حيث تنحصر معظم الصادرات السورية بالمواد الأولية ونصف المصنعة. وينحصر معظم المستوردات بالمنتجات الجاهزة ونصف المصنعة ما يؤدي إلى خسارة القيمة المضافة التي يمكن تحقيقها من تحويل المواد الأولية ونصف المصنعة إلى منتجات نصف مصنعة ومنتجات نهائية في الاستيراد والتصدير.

4- ضعف التشابك والتكامل ضمن مختلف أنشطة قطاع الصناعات التحويلية من ناحية، وبينه وبين القطاعات الاقتصادية والخدمية الأخرى.

5- الافتقار إلى العديد من الهيئات الداعمة الضرورية لتعزيز القدرة التنافسية  للمنشآت الصناعية مثل المراكز الفنية المتخصصة والمخابر المعتمدة دولياً ، والهيئات المختصة بالتسويق والترويج والتمويل، والمكاتب والشركات الاستشارية المؤهلة. إضافة إلى ضعف إمكانيات الهيئات الداعمة القائمة حالياً.

6- ضعف التمويل الصناعي وارتفاع تكاليفه وصعوبة شروطه. ما يضطر الصناعيين إلى الاعتماد على مواردهم الذاتية في إقامة وتشغيل منشآتهم الصناعية، أو كما يحصل في كثير من الأحيان تشغيل أموال الأقارب والغير وبفوائد كبيرة،

7- توزع الشأن الصناعي من الترخيص حتى التنفيذ والتشغيل بين عدة وزارات وجهات عامة (اقتصاد، مالية ، إدارة محلية ، نقل، كهرباء، نفط…..) تفتقرفي معظم الأحيان إلى التنسيق والفعالية في الأداء ما يزيد من فترة وعناء ممارسة العمل الصناعي، ويشجع على انتشار وتوسع المنشآت الصناعية الحرفية والصغيرة غير النظامية.

8- غلبة الأسلوب الإداري التقليدي لدى القسم الأعظم من منشآت القطاع الخاص التي تندرج نسبة 99% من منشآته تحت تصنيف الصناعات الحرفية والصناعات الصغيرة والمتوسطة.

9- ضعف مناخ الاستثمار بشكل عام وبيئة الاستثمار الصناعي بشكل خاص ما يحد من حجم وعدد المشاريع الصناعية العربية والأجنبية المنفذة في سورية، حيث تركز معظم الاستثمارات في القطاعات الخدمية (السياحة والمال والتأمين والعقارات والتجارة) في حين لم تتجاوز الاستثمارات الصناعية حسب تقرير لهيئة تخطيط الدولة  نسبة 13% من مجمل الاستثمارات الخاصة والأجنبية. 

10- ضعف البحث والتطوير والابتكارفي المجال الصناعي، و محدودية الإنفاق وبشكل خاص في المجال الصناعي اضافة لتوزعه بين  العديد من الجهات التي ما تزال  تفتقد إلى اعتماد الأولويات التي تلبي  احتياجات الصناعة السورية الملحة وربط نتائجها بالمجالات التطبيقية.

11- عدم الاهتمام الكافي بأشكال الملكية الأخرى، حيث تتركز الصناعة السورية بشكل أساسي في القطاعين العام والخاص مع وجود متواضع جداً للقطاع المشترك والقطاع التعاوني وهما القطاعان اللذان يملكان مزايا اقتصادية واجتماعية عديدة ،ويمكن أن يلعبا ،في حال تشجيعهما ، دوراً هاماً في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

12- البطء في معالجة أوضاع القطاع العام الصناعي الذي يستنزف بوضعه الحالي الموارد المالية والبشرية الموجودة فيه بسبب عدم التوصل حتى الآن إلى برنامج توافقي متكامل لإصلاحه ومعالجة مشاكله، وبشكل خاص بيئة العمل الإدارية والتنظيمية والمالية التي يعمل ضمنها وأسلوب اختيار إداراته.

13- اغفال أهمية الجانب البيئي في القطاع الصناعي سواء في تأثيره على الموارد الطبيعية المحدودة وعلى البيئة والسلامة العامة ، أو في تحقيق المتطلبات البيئية  للتصدير الخارجي . 

14-التأخرفي اتخاذ الاجراءات والتدابير اللازمة لرفع القدرة التنافسية للصناعة السورية وتمكينها من مواجهة متطلبات ونتائج التغيرات الإقليمية والدولية التي برزت بشكل أساسي في تسعينيات القرن الماضي وتمثلت بإقامة التكتلات الاقتصادية وتحرير التبادل التجاري وإطلاق منظمة التجارة العالمية .

2- أحداث وصعوبات ونتائج الفترة 2000-2011

إضافة إلى السمات العامة للصناعة السورية ونقاط الضعف والمشاكل والصعوبات التي تواجهها والتي سبق الاشارة إليها ، واجهت الصناعة السورية خلال الفترة 2000-2011 التي سبقت نشوب الأزمة في سورية  مجموعة هامة  أخرى من  الأحداث والصعوبات  من  أهمها:

1-    تحرير التبادل التجاري وفتح السوق السورية نتيجة استكمال تنفيذ الاتفاقيات الجماعية والثنائية مع عدد من البلدان العربية وتركيا، دون أن يسبق ذلك أو يترافق معه على الأقل تنفيذ برامج ملموسة لرفع القدرة التنافسية للصناعة السورية وتمكينها من الاستفادة من الفرص التي تتيحها هذه الاتفاقيات ومواجهة المخاطر والسلبيات الناجمة عنها وجعلها في أدنى الحدود ، إضافة إلى ضعف وتأخر الاجراءات المتخذة لمواجهة الآثار السلبية التي رافقت تطبيق هذه الاتفاقيات.

2-    انعكاس نتائج الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008 وما رافقها من تراجع الصادرات وتوقف العديد من المعامل.

3-    محدودية نتائج تنفيذ الخطة الخمسية العاشرة لقطاع الصناعات التحويلية في معالجة مشاكل هذا القطاع من ناحية وتحقيق الأهداف المحددة له في هذه الخطة من ناحية أخرى.

4-    رفع أسعار المحروقات داخلياً وانعكاس ذلك على مختلف أسعار السلع والخدمات  – إضافة إلى أثر الجفاف – ما أدى إلى ارتفاع تكاليف الانتاج مع محدودية القدرة أو عدم إمكانية عكس هذه الزيادات على سعر المنتج بسبب المنافسة الخارجية من ناحية وعدم وجود صندوق تعويض لهذه الغاية من ناحية أخرى.

5-    ارتفاع أسعار العديد من مدخلات الانتاج عالمياً نتيجة ارتفاع أسعار النفط ثم انخفاضها بسعر سريع ما ألحق ضرراً كبيراً بالصناعة السورية في المرحلتين.

6-    انخفاض الطلب الداخلي نتيجة ضعف القوة الشرائية للمواطن السوري من ناحية،  وبروز حالة الترقب والانتظار لنتائج ومنعكسات الأزمة الاقتصادية العالمية التي ظهرت عام 2008 ، إضافة إلى تراجع تحويلات العاملين في الخارج بسبب هذه الأزمة من ناحية أخرى.كذلك تراجع الصادرات إلى أسواق المنتجات السورية التقليدية في الخليج العربي وشمال إفريقيا نتيجة تراجع عدد المقيمين في دول الخليج  و/ أو تخفيض  رواتبهم بسبب تلك الأزمة.

7-    عدم  تنفيذ البرنامج الشامل للتحديث والتطوير الصناعي الذي أعد في عام 2007 بهدف تحديث وتطوير 1000 شركة صناعية خلال 3 سنوات ، إضافة الى عدم إحداث المؤسسات الداعمة التي كان من الضروري إحداثها في هذا المجال (مجلس التنمية الصناعية ، مركز التحديث الصناعي، مراكز فنية للصناعات النسيجية والغذائية والكيميائية والهندسية ، صندوق التحديث الصناعي  …)

وقد أدت كل ههذ العوامل إلى تراجع الاهتمام يالصناعة وانتقال العديد من الصناعيين إلى التجارة واستيراد المنتجات المشابهة لما ينتجونه من الصين وغيرها مما انعكس على عدد المشاريع الصناعية المنفذة خلال الفترة 2006-2010 حيث أشارت بيانات وزارة الصناعة إلى تراجع عدد  المشاريع الصناعية المنفذة سنوياً من 2251 مشروعاً في عام 2006 إلى 1718 مشروعاً في عام 2007 وإلى 1658 مشروعاً في عام 2008 وإلى 1476 مشروعاً في عام 2009 وصولاً إلى 1408 في عام 2010 حيث بلغت نسبة التراجع بين 2006-2010حوالي 38%. كما تم إلغاء 3282 سجلاً وقراراً صناعياً في عام 2009 بناء على طلب أصحابها واستناداً لما تقتضيه القوانين والأنظمة النافذة وذلك حسب وزارة الصناعة آنذاك.

تنقسم المنشآت الصناعية الخاصة في سورية إلى ثلاث فئات:

– الفئة الأولى وتتضمن منشآت بسيطة وذات إمكانيات متواضعة جداً  في الادارة والانتاج والتسويق  وغالباً ما تكون غير قادرة بوضعها القائم على  الصمود والمنافسة وهي المهددة بالخروج أولاً قبل غيرها وقد خرج فعلياً قسم هام  منها خلال الفترة السابقة وما يزال.

– الفئة الثانية وهي المنشآت الحرجة، التي وإن كانت أفضل من الفئة الأولى نسبياً وتملك إمكانيات للتطور، إلا أن بقاءها وصمودها بحاجة إلى جهود كبيرة من أصحابها ومن الجهات الحكومية المختلفة للتحديث والتطوير وفي غير ذلك فإن مصيرها سيكون كالفئة الأولى.

– الفئة الثالثة وتشمل المنشآت المتطورة نسبياً والقادرة على المنافسة والصمود وهي مطالبة باستمرار العمل والتطويرمن أجل المحافظة على وجودها ونجاحها وهذه مهمة ليست بالسهلة في ظل الأوضاع الاقتصادية المحلية والإقليمية السائدة.

هناك سؤال هام لابد من طرحه وهو: لماذا لم تستفد الصناعة السورية من اتفاقيات تحرير التبادل التجاري  بالشكل المطلوب؟ 

هناك  عدة  أسباب أخرى من أهمها :

-التسرع في توقيع وتنفيذ هذه الاتفاقيات وبشكل خاص مع تركيا لأسباب سياسية ، والمشاركة الرمزية أوالشكلية للصناعيين ومنظماتهم في اللجان الحكومية التي تولت مناقشة واعتماد هذه الاتفاقيات والأمور المتعلقة بها ، وعدم الأخذ بآرائهم بالشكل المناسب حولها ، إضافة إلى عدم بذل القيادات الصناعية الاهتمام الكافي والقيام بالدور المطلوب لمناقشة ومعالجة هذه الأمور.

 2- الدعم الخفي والمعلن الذي تقدمه بعض البلدان العربية وتركيا للمصدرين سواء بشكل مباشر أو / وغير مباشر من خلال الخدمات الداعمة ، مقابل غياب أية إجراءات مماثلة بالنسبة للصناعة السورية.

3- سوء استخدام بعض المزايا التي تتيحها هذه الاتفاقيات والمتمثلة بتزوير شهادات المنشأ لبضائع غير منتجة في البلد المورد لتدخل السوق السورية معفاة من الرسوم الجمركية وبالتالي منافسة المنتج الوطني.

4- التهاون والفساد والإفساد فيما يتعلق بالتخليص الجمركي وخصوصاً فيما يتعلق بقيمة فواتير الاستيراد وتصنيف المواد المستوردة ونوعية ومواصفات المنتج المستورد وقصور الجهات المعنية في معالجة هذه الأمور بشكل جاد وفعلي بمنظور وطني بعيداً عن توجيه هذه المعالجات في بعض الأحيان بما ينسجم مع  مصالح بعض الفئات المتنفذة.

5- ضعف التنسيق والترابط بين عملية تحرير التبادل التجاري من ناحية وتنفيذ برنامج شامل ومتكامل لتحديث وتطوير الصناعة الوطنية من ناحية أخرى، لتحسين قدرتها التنافسية وتمكينها من مواجهة متطلبات ونتائج تطبيق هذه الاتفاقيات والاتفاقيات الأخرى المشابهة التي يمكن توقيعها مستقبلاً ، ما أدى إلى ضعف منافسة العديد من المنتجات المحلية مقارنة بالمنتجات المستوردة لجهة السعر والجودة وخدمة ما بعد البيع وما نجم عن ذلك من خروج وتوقف كلي أو جزئي للعديد من المنشآت الصناعية. .

6- عدم قيام الجهات الحكومية ومنظمات وجمعيات الأعمال بالتعريف الكافي بمضمون هذه الاتفاقيات ومتطلبات الاستفادة منها وكيفية تجنب مخاطرها وآثارها السلبية ،ما أدى إلى ضعف معرفة الصناعيين المفصلة بمضمون هذه الاتفاقيات وكيفية الاستفادة منها وتخفيف جوانبها السلبية إضافة إلى قصور نسبة كبيرة من  الصناعيين أنفسهم باتخاذ ما يلزم من جانبهم على الأقل لمواجهة هذه التحديات .

وفي ضوء بروز واتساع النتائج السلبية على الصناعة خلال تلك الفترة  ، اتخذت الحكومات السابقة مجموعة من الاجراءات والتدابير لمعالجة تلك النتائج حيث صدر عددمن المراسيم والقوانين كان من بينها تخفيض الرسوم الجمركية على المواد الأولية ومستلزمات الانتاج، تخفيض ضرائب الأرباح واستكمال قانون السرية المصرفية ومكافحة تبييض الأموال، إصدارقانون جديد للشركات ،تخفيض سعر الفيول، وضع سعر أدنى لعدد من المنتجات الصناعية المستوردة المماثلة للمنتجات المحلية، الاتفاق مع شركتيمراقبة دوليتين لمراقبة مواصفات المستوردات، إلغاء العمل بالمخصصات الصناعية ، إلغاء عمولة مؤسسات التجارة الخارجية ، إصدار قانون المنافسة ومنع الاحتكار وقانون حماية الصناعات الناشئة، وتحديث قانون الاستثمار وقانون الشركات ، إحداث هيئة الاستثمار السورية والنافذة الواحدة ، والعمل على تنفيذ مضمون الميثاق الأورو متوسطي في مجال تبسيط الاجراءات وتحسين بيئة عمل الاستثمار الصناعي وغير ذلك . إضافة إلى اتخاذ مجموعة من الإجراءات والتدابير الهادفة إلى تشجيع القطاع الخاص وإفساح المجال له بشكل مضطرد  للدخول في مجالات استثمارية كانت محصورة بالقطاع العام.

من جانب آخر، حفلت  الفترة الماضية بتشكيل عدد غير قليل من فرق العمل واللجان الوطنية وتكليفها بوضع برامج لإصلاح القطاع العام الصناعي، لكن من المؤسف أن  معظم نتائج عمل هذه الفرق و اللجان لم تدخل حيز التنفيذ أو أنها لم تنفذ بالشكل المطلوب إما لكونها مجتزئة ولم تتم ضمن رؤية شاملة ، أو لعدم توفر الموارد المالية والإرادة الحقيقة لتنفيذها بسبب تباين وجهات النظر حولها حتى ضمن الفريق الحكومي.

بشكل عام  يمكن القول أن معظم  الإجراءات التي اتخذت، لم تستكمل بتحسين بيئة العمل الصناعي الأخرى التي لا بد منها. كما أنها غالباً ما كانت تأتي متأخرة أو متسرعة، أو أنها غير متكاملة بحيث كانت في حالات عديدة تعالج الأزمة بخلق أزمة أو أزمات أخرى.

ثانياً- آثار ونتائج الأزمة على الصناعة السورية

جاءت الأزمة التي بدأت في منتصف آذار 2011 لتضيف المزيد من الصعوبات والمعوقات التي تواجه الصناعة السورية. وقد بدأت منعكساتها بصعوبة وصول العمال ونقل مستلزمات الانتاج والانتاج الجاهز من وإلى المعامل. ومع تصاعد استخدام السلاح والعنف بدأت عمليات القتل والخطف والاعتقال والتهديد تطال عدداً من الصناعيين،ترافقت مع فرض العقوبات العربية والدولية على سورية ، وايقاف برامج التعاون مع العديد من الدول ، ما أضاف صعوبات جديدة أمام الصناعيين  لجهة التصديروالاستيراد  والنقل والتأمين وفتح الاعتمادات . وجاء إيقاف العمل باتفاقية الشراكة السورية التركية ، وانفتاح سوق العراق وايران بمثابة  متنفس جديد للصناعة السورية بسبب منح منتجاتها في هذين البلدين تسهيلات ومزايا خاصة . إلا أن تصاعد أعمال العنف وانتشارها في مناطق عديدة في حلب وريف دمشق والمنطقة الشرقية كان نقطة تحول سلبية فاقمت من أزمة الصناعة السورية فتمت سرقة مخازن المعامل من المواد الأولية والمنتجات الجاهزة وتفكيك الآلات ونقلها لبيعها خارج سورية ، كما تحولت أبنية العديد من المعامل العامة والخاصة  لمقرات للجنود والمسلحين ما أدى إلى احتراق وتدمير عدد كبير منها .

يمكن تلخيص أهم آثار الأزمة على الصناعة السورية بما يلي:

1- خروج منشآت صناعية عن الانتاج لأسباب عديدة منفردة أو مجتمعة من أهمها:

·        تدمير وحرق الأبنية و الآلات و المواد الأولية وسرقتها.

·        صعوبة الوصول إلى المعامل ونقل الانتاج ومستلزماته سواء المحلية أو المستوردة..

·        صعوبة توفير حوامل الطاقة اللازمة ( كهرباء ، مازوت ، فيول، غاز..) بالكميات والأسعار المناسبة نتيجة تدمير العديد من المرافق التحتية و الخدمية ( طرق ، شبكات كهرباء ، السكك الحديدية  والمياه) .

2- تجزئة أعداد كبيرة من المنشآت الصناعية ونقلها إلى المناطق والأحياء الآمنة داخل سورية أوخارجها.

3- نزوح عدد كبير من الصناعيين والعمال والخبراء إلى مصر، الأردن، لبنان، تركيا، السعودية…

4- توقف العمل في المنشآت الصناعية التي كانت قيد الإنشاء والتجهيز.

5- توقف الانفاق الاستثماري في شركات القطاع العام الصناعي وكذلك تمويل القطاع الخاص.

6- صعوبة تحصيل ديون الشركات الصناعية من الزبائن وتسديد التزاماتها للموردين.

7- خسارة أسواق محلية بسبب تراجع القدرة الشرائية للمواطنين وانخفاض قيمة العملة الوطنية وارتفاع الأسعار .

8- خسارة الأسواق الخارجية بسبب توقف الانتاج وارتفاع تكاليفه وصعوبة نقله  وإلغاء عقود التصديرمن قبل عدد من الشركات الأجنبية بسبب المقاطعة أو بسبب الخوف من عدم وفاء الشركات الوطنية بالتزاماتها.

9- تسريح أعداد كبيرة من العمال وتوقف العديد من المنشآت والمشاغل المتناهية الصغر التي كانت تزود المنشآت الصناعية الصغيرة والمتوسطة ببعض الخدمات الانتاجيةوحسب وزارة الصناعة بلغ عدد العمال الذين خسروا عملهم إثر توقف معامل القطاع الخاص الصناعي فقط ، 800 ألف عامل، منهم 200 ألف مسجلين في التأمينات الاجتماعية.

10-تراجع انتاج العديد من المحاصيل الزراعية التي تشكل مدخلات للصناعات النسيجية والغذائية ، حيث انخفض انتاج القطن المستلم رسمياً  في عام 2013 إلى حوالي 40 ألف طن تعادل حوالي 6% من الانتاج قبل الأزمة وينطبق نفس الشيء على الشمندر والقمح والخضروات  والحليب وغيره .

11- توقف العمل بمشاريع التعاون مع المنظمات الدولية والجهات المانحة وانسحاب الخبراء الأجانب الذين كانوا يتولون تنفيذ وتركيب خطوط الانتاج في عدد من المنشآت الصناعية العامة والخاصة .

لقد كان لأعمال العنف دوراً كبيراً في وجود هذه المشاكل وتفاقمها ، إلا أنه لايمكن إغفال  دور الأسباب الأخرى التي ساهمت بهذا القدر أو ذاك في تردي الأوضاع التي وصلت اليها الصناعة السورية وفي مقدمتها:

1-    ضعف الاجراءات والتدابير الأمنية المتخذة من أجل حماية  المدن والمناطق والمنشآت الصناعية العامة والخاصة .

2-     بطء وضعف الاجراءات المتخذة لمعالجة آثار الأزمة  ونتائجها المتوقعة بشكل مبكر، واعتماد أسلوب إطفاء الحرائق يوماً بيوم ، بعيداً عن اتخاذ الاجراءات والتدابير الضرورية  لمواجهة الاحتمالات السلبية المتوقعة مسبقاً  وتحضير البدائل اللازمة .

خسائر القطاع الصناعي :

لم يتم حتى الآن الانتهاء من حصر الخسائر النهائية للقطاع الصناعي  بسبب  استمرار الأزمة والأعمال المسلحة، وبالتالي عدم تمكن الجهات المعنية العامة والخاصة من الوصول إلى عدد غير قليل من المنشآت الصناعية وحصر الأضرار التي لحقت بها ، ولذلك  فإن خسائر القطاع الصناعي المعلنة حاليا نتيجة هذه الأزمة هي أرقام أولية .

حسب آخر الأرقام التي أعلنتها وزارة الصناعة بلغت خسائر القطاع العام الصناعي لغاية الربع الأول من عام 2014 نحو 188 مليار ليرة سورية . وقد بينت الوزارة أن قيمة الأضرار التي لحقت بشركات المؤسسة العامة للصناعات الكيميائية بلغت 47,888 مليار ليرة سورية و في المؤسسة العامة لحلج وتسويق الأقطان إلى 42,732 في حين بلغت قيمة أضرار المؤسسة العامة للصناعات النسيجية 23,620 مليار والمؤسسة العامة للاسمنت 22,540 مليار ، وأضرار المؤسسة العامة للصناعات الهندسية بـ 18,695 مليار، وأضرار وأضرار المؤسسة العامة للتبغ 14,850 مليار،والمؤسسة العامة للصناعات الغذائية 11,163 مليار، والمؤسسة العامة للسكر أكثر من 6 مليارات".مع الاشارة إلى أن  القطاع العام الصناعي التابع لوزارة الصناعة يتألف من  ثمان مؤسسات عامة تضم حوالي 116 شركة ومعمل ومحلجوقد أدت الأزمة إلى خروج 49 شركة ومعمل ومحلج  من الانتاج إضافة إلى 14 شركة ومحلجين كانت متوقفة قبل الأزمة ، كما أدت الأزمة  إلى انخفاض نسبة تنفيذ الاستثمارات في مؤسسات القطاع العام الصناعي إلى 15% فقط في عام 2012 وإلى 22% في عام 2013. كما أعلن رئيس مجلس الوزراء مؤخراً أن الحكومة دفعت 23 مليار ليرة سورية  للعاملين في الشركات المتوقفة رغم عدم القيام بأي عمل . 

وقد سبق للوزارة  تقدير خسائر القطاع الخاص لغاية شهر شباط الماضي بنحو 254 مليار ليرة سورية ليصبح المجموع حوالي 442 مليار ليرة سورية . كما سبق أن أعلنت وزارة الادارة المحلية حسب دراسة أجرتها أن قيمة الأضرار المباشرة وغير المباشرة التي  لحقت باستثمارات المدن الصناعية الأربع في سورية ( عدرا، الشيخ نجار ، حسيا ودير الزور) بسبب الأزمة الراهنة بلغت حوالي417 مليون ليرة منها 180 مليون ليرة سورية أضرار خاصة بالاستثمارات في هذه المدن ، فيما بلغ عدد المنشآت المتوقفة عن البناء 3360 منشأة، وعدد المنشآت المتوقفة عن الإنتاج 548 منشأة ، في حين تعطل 87484 عاملاً عن العمل في هذه المدن.

ديون المصارف:

من جانب آخر بلغت خسائر المصرف الصناعي  في عامي 2011 و2012 نحو 4 مليارات ليرة سورية تتكون بمجملها من القروض التي مولها المصرف ولم يتمكن مقترضوها من سداد أقساطها المتراكمة على عاتقهم بالنظر إلى التراجع الاقتصادي الملحوظ في سورية ، وهذا عدا المصارف العامة والخاصة الأخرى. كما وصل إجمالي عدد القروض المتعثرة لدى المصرف الصناعي من مختلف الفئات إلى 10 آلاف قرض و قيمة القروض الملاحقة لديه 18 مليار ليرة سورية. كما تم سحب 14 مليار ليرة سورية  من ضمن الودائع الموجودة في صناديق المصرف خلال 30 شهراً من الأزمة . كما بلغ حجم القروض المتعثرة في المصرف التجاري السوري نحو 12 مليار ليرة سورية .

 

هجرة الصناعيين:

احتلت الشركات السورية في مصر، حسب وزارة الاستثمار المصرية ، قائمة الشركات الأجنبية ووصل عددها إلى 365 شركة استثمارية من أصل 939 شركة تم تأسيسها خلال عام   2012. وفي تصريح لوزير التجارة والصناعة المصري أفاد بأن 80 مصنعاً سورياً انتقل إلى مصر وأن الوزارة تتفاوض مع 300 رجل أعمال سوري آخرين يرغبون في نقل استثماراتهم إلى مصر، مشيراُ إلى أنه تقدم للوزارة 50 مستثمراً سورياً يعملون بالغزل والنسيج ويصدرون 90% من إنتاجهم لأوروبا وحسب صحيفة الأهرام المصرية قدّر مستثمرون سوريون حجم استثماراتهم في مصربما يقارب ملياري دولار تتركز في  الملابس والمنسوجات والسياحة والتعدين. تجدر الإشارة إلى أن عدداً من المستثمرين السوريين في مصر أكدوا في وقت سابق، وجود عراقيل وبيروقراطية ومشكلات تعوق إقامة مصانعهم في مصر، حيث شهد الإعلان عن إنشاء منطقة صناعية عربية في مدينة العاشرمن رمضان اعتراضات واسعة من قبل المستثمرين السوريين بسبب رفع سعر الأراضي بحجة ارتفاع سعر الدولار.وقد ازدادت هذه الصعوبات بعد أحداث 30 حزيران 2013.

وفي الأردن وحسب تقرير مجموعة ( أكسفورد بزنس جروب )  نقلاً عن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا ( اسكوا) أن السوريين أدخلوا أكثر من مليار دولار إلى الأردن خلال عام 2012. من جانب آخر تم تسجيل نحو 500 شركة سورية في الأردن خلال عامي 2011 و2012 منها 85 شركة سجلت في الشهرين الأولين من عام 2013وقد تم مؤخرا اتخاذ مجموعة من القرارت من قبل الحكومة الأردنية لمعالجة بعض المشاكل التي يواجهها المستثمر السوري وشكاوى المستثمرين الأردنيين منها السماح باستقدام العمالة السورية الماهرة "الحرفيين والفنيين" بنسبة 30 بالمئة في المدن الصناعية و60 بالمئة للمناطق النائية والأطراف خارج مراكز المحافظات. وتضمنت القرارات وضع آليات لتسهيل دخول المستثمرين السوريين.

التكيف مع الأزمة

أدت الأزمة إلى تقسيم الصناعيين في سورية إلى أربع فئات :

الفئة الأولى: وهي الفئة التي توجد منشآتها في مدن ومناطق آمنة نسبياً ومستمرة بالعمل جزئياً وهي وإن لم يطلها الدمار والتخريب والتوقف الدائم إلا أنها تأثرت بصعوبة انتقال العمال وتأمين المواد الأولية المحلية والخارجية  ونقل المنتجات وكذلك مصادر الطاقة وارتفاع أسعارها ودفع الأتاوات أحياناً وهذه المنشآت قليلة العدد مقارنة بالفئات الأخرى.

الفئة الثانية : وهي الفئة التي بقيت في سورية واستطاعت نقل جزء أو كل منشآتها إلى المدن والمناطق والأحياء الآمنة وإن اضطرت إلى تجزئتها وتوزيعها في أكثر من مكان إلا انها تعاني من نفس الصعوبات التي تعاني منها الفئة الأولى .وحسب وزارة الصناعة بلغ عدد المنشآت التي تم نقلها رسمياً إلى مناطق أكثر أماناً من محافظة إلى أخرى (26) منشأة وضمن المحافظة الواحدة (53) منشأة من كل القطاعات الهندسية والكيميائية والنسيجيةوالغذائية. إلا ان هناك العديد من المنشآت التي تعمل حالياً في الأقبية والدكاكين والمنازل في العديد من الأحياء والمناطق والمدن الآمنة نسبياً.

الفئة الثالثة: وهي الفئة التي تم تدمير منشآتها أو يستحيل الوصول اليها حالياً بسبب تواجدها في مناطق مشتعلة وغير آمنة وهي في وضع الانتظار لما تتمخض عنه الظروف الحالية ولما ستتخذه الحكومة من اجراءات بخصوص تعويضها ومعالجة مشاكلها .

الفئة الرابعة: وهي الفئة التي قامت منذ بداية الأزمة بنقل معاملها كليا أو جزئياً إلى خارج سورية  كمصر والأردن ولبنان وغيرها …. هناك قسم من هذه الفئة اضطر للانتقال بشكل مؤقت الى تلك البلدان لتنفيذ التزاماته تجاه المستوردين ريثما  تهدأ الأمور في سورية ، وقسم اتخذ الاجراءات اللازمة للبقاء في البلدان التي انتقل اليها ، والقسم الآخر يرى الاستمرار بالعمل في البلدين.

 لقد بات معروفاً أن العمل في البلدان التي انتقل اليها الصناعيون السوريون ليس سهلاً فهناك   شكاوى عديدة صرح بها الصناعيون السوريون حول المشاكل والمضايقات التي يواجهونها في تلك البلدان وبشكل خاص في مصر والأردن.وهناك بوادر لعودة جزء من هؤلاء الصناعيين إلى بلدهم حيث قام  مؤخراَ وفد من رجال الأعمال السوريين في مصر بزيارة سورية وأجرى لقاءات عديدة  مع المسؤولين الحكوميين بهدف تسهيل عودة المستثمرين الصناعيين الى سورية .

بعد مرور ثلاث سنوات ، بدأ الصناعيون السوريون يتأقلمون مع الأزمة ويتكيفون مع الأوضاع التي نشأت عنها والتعامل معها قدر الإمكان ، فبدأت وتيرة الانتاج والتصدير وخاصة في صناعة الملابس والغذائيات  والصناعات الهندسية في المناطق الآمنة  تعود وإن بشكل منخفض نسبياً . كما عادت غرف الصناعة والتجارة ورابطة المصدرين السوريين للألبسة والنسيج واتحاد المصدرين إلى النشاط وإقامة المعارض الخاصة بالمنسوجات السورية في لبنان اضافة إلى  المشاركة في المعارض الخارجية في دول أخرى ، وقد حققت هذه المعارض نجاحات ملموسة في توقيع عقود لتصدير المنتجات النسيجية تفوق 100مليون دولار. كما بين تقرير غرفة صناعة دمشقأن القيمة الإجمالية للبضائع المصدّرة  للبلدان العربية والأجنبية عن طريق الغرفة  في عام 2013 وصلت إلى حوالي 15 مليار ليرة سورية رغم انخفاضها عن عام 2012  بحدود  26 مليار ليرة سورية .  

وتشير بيانات هيئة الاستثمار السورية إلى أن عدد المشاريع الاستثمارية التي تم تشميلها  منذ بداية عام 2014 وحتى نهاية نيسان  بلغ 21 مشروعاً، بتكلفة استثمارية تزيد على 26 مليار ليرة سورية، وتوفر 4117 فرصة عمل ،  وقد استحوذ القطاع الصناعي على الحصة الأكبر من المشاريع بواقع 19 مشروعاً.كما بلغت المشروعات قيد التنفيذ في مجال القطاع الصناعي3 مشاريع  بتكلفة استثمارية تقدر بمليار ليرة من المتوقع أن توفر أكثر من 400 فرصة عمل.

كما تشير بيانات وزارة الصناعة إلى أن عدد المشاريع المنفذة خلال عام 2013 بلغ 277 مشروعاً منها 3 مشاريع حسب قانون الاستثمار و168 منشأة حرفية و106 منشأة وفق القانون 21 . ويلاحظ تراجع عدد المنشآت النسيجية  المنفذة الى 4 مشاريع فقط من أصل المجموع الكلي البالغ 277 مقابل ارتفاع عدد المشاريع الغذائية الى 114 والمشاريع الهندسية الى 98 مشروعاً  والمشاريع الكيميائية الى 61 مشروعاً. وفي ذات الوقت تم اتخاذ مجموعة من الاجراءات الحكومية ، وإن كانت متأخرة ، للمساعدة في هذا الاتجاه مثل إعادة جدولة القروض والاعفاء من الغرامات المتعلقة بالضرائب والتأمينات وتسهيل نقل المنشآت إلى المناطق الآمنة وتعويض المتضررين ….، كما تم إعادة تشكيل مجالس ادارة اتحاد غرف الصناعة وغرف الصناعة في دمشق وريفها وحلب وحمص وحماه  وكذلك اتحاد غرف التجارة وغرفة تجارة دمشق .

أما بالنسبة للقطاع العام الصناعي فقد تم وضع خطة إسعافية له بقيمة /800/ مليون ل.س في عام 2014 وهذه المبالغ هي بالحدود الدنيا من أجل إعادة تشغيل الشركات الصناعية التي توقفت نتيجة الأزمة وتم رصد هذه المبالغ وفق الإمكانات المتاحة من حيث استقرار الوضع الأمني وإمكانية التشغيل خلال هذا العام.

ثالثاً – الاجراءات والتدابير اللازمة لإعادة تأهيل وتنشيط الصناعة السورية

دخلت الأزمة السورية عامها الرابع مع ازدياد واضح في حدة أعمال العنف واتساع رقعتها ما وضع البلاد أمام سيناريوهات خطيرة تهدد وحدتها واستقرارها وبنيتها الاقتصادية والاجتماعية ويجعل من الصعب توقع ما ستؤول إليه هذه الأزمة ونتائجها وبالتالي التوجهات الاقتصادية والاجتماعية في المرحلة التالية . لقد باتت قطاعات واسعة من السوريين تدرك اليوم  أن استمرار الأزمة يستهدف سورية وطناً وشعباً وحضارة وموقفاً وأن لاحل لهذه الأزمة إلا بتوافق وطني مدعوم بتوافق خارجي يؤدي إلى وقف العنف والحفاظ على وحدة البلاد والانتقال إلى نظام ديمقراطي تعددي، وهذا ما سيتم افتراض تحقيقه والاستناد إليه في اقتراح السياسات والاجراءات اللازمة لإعادة تنشيط وتأهيل الصناعة السورية في المرحلة الراهنة والفترة المقبلة . ولا شك بأن النجاح في تنفيذ هذه الاجراءات مرهون بتوفر الأرضية اللازمة لذلك والتي تتجسد بالأمور الأساسية التالية:

1-    معالجة ما يمكن من المشاكل الحالية التي تواجهها الصناعة ونتائجها من أجل استمرار عملها وتخفيف حجم العمل المطلوب في مرحلة ما بعد الأزمة.

2-    كفاءة التحضير المسبق الشامل والمتكامل لمرحلة ما بعد الأزمة

3-    سرعة وشمولية  وجدية عملية المصالحة والإصلاحوالتزام كافة الأطراف المعنية بها.

4-    رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سورية .

5-    توفر التمويل اللازم والمناسب لتنفيذ برنامج تأهيل وتحديث الصناعة بالتكامل مع برنامج إعادة تأهيل الاقتصاد السوري وبرنامج إعادة الإعمار.

لذلك فإن عملية إعادة تأهيل وتحديث الصناعة في سورية تتطلب العمل على ثلاثة مستويات:

1- مستوى السياسات الكلية

2-المستوى المتوسط ( الجهات الداعمة )

3- المستوى الجزئي ( الشركات)

وذلك لإنجاز ثلاثة مهام رئيسية هي :

1– المحافظة قدر المستطاع على وجود واستمرارية العمل في المنشآت الصناعية التي ما تزال قائمة ، والمعالجة السريعة والفعالة لما تواجهه من مشاكل (المواقع البديلة المؤقتة، الحماية والأمن، النقل، المحروقات ، التمويل، الاعتمادات ، فتح الأسواق، الديون والالتزامات المالية  …) وذلك في إطار العمل على تخفيف نتائج وكلفة إعادة التأهيل بعد الأزمة قدر الإمكان.

2- التحضير المسبق والمدروس لما يجب اتخاذه –وتنفيذ ما يمكن منه  منذ الآن – لمعالجة نتائج الأزمة ومنعكساتها على القطاع الصناعي للبدء بتنفيذه فور زوال الأزمة وعدم تأجيل هذه المهمة لأي سبب كان إلى ذلك الحين نظراً لمنعكساته السلبية على حسن وسرعة وكفاءة عملية إعادة البناء وتنشيط الصناعة الوطنية.

3- أن تتضمن الاجراءات الفورية وكذلك الاجراءات التحضيرية لمرحلة ما بعد الأزمة ، معالجة الآثاروالنتائج السلبية التي لحقت بالصناعة السورية خلال الفترة السابقة للأزمة  نتيجة السياسات المتسرعة في تحرير التبادل التجاري، بحيث تكون معالجة آثار الأزمة على الصناعة السورية فرصة لإعادة هيكلة وتحديث وتطوير هذه الصناعة بشقيها العام والخاص ورفع قدرتها التنافسية  بشكل أفضل مما كان.

تنقسم  المقترحات المتعلقة بإعادة تأهيل وتنشيط الصناعة السورية  إلى جزئين:

الجزء الأول: يتناول الاجراءات الاسعافية المطلوبة لوقف تدهور وضع الصناعة السورية في الوقت الراهن وإعادة دورة الانتاج اليها.

الجزء الثاني:يتناول عملية تأهيل وتحديث الصناعة السورية في مرحلة ما بعد الأزمة.

 ومن الضروري والهام عدم الفصل بين االجزئين إذ لابد من ايجاد التنسيق والتكامل فيما بينهما من أجل حسن التنفيذ وسرعة الانجاز وتحسين الكفاءة  والمردود وخفض التكاليف .

أولاً- الاجراءات والتدابير الفورية

أن المهمة الأساسية اليوم فيما يتعلق بالصناعة الوطنية  تتمثل بما يلي:

تمكين أكبر عدد ممكن من المعامل من معاودة  الانتاج  ولو جزئياً من أجل تلبية حاجة السوق المحلية من السلع الضرورية منها واستيعاب ما يمكن من العمال العاطلين عن العمل لإعادة عجلة الانتاج الى العمل وتحريك الأسواق الداخلية وعملية التصدير وهذا يتطلب توفير الشروط والتسهيلات اللازمة لذلك في كافة المجالات وعلى جميع المستويات وبشكل مؤقت ريثما تستقر الظروف .

أن تحقيق هذه المهمة يتطلب على وجه السرعة اتخاذ ما يلي:

1- اتخاذ الاجراءات اللازمة لتأمين مواقع بديلة آمنة  للمنشآت الصناعية التي تم تدميرها أو يصعب الوصول اليها وتوفير الأمن والأمان في المناطق والمدن الصناعية والاسراع في تنفيذ المناطق الصناعية الجديدة في مدينة عدرا الصناعية وفي السويداء وفي المنطقة الحرة باللاذقية وأية مناطق مناسبة أخرى وتسهيل نقل المنشآت الصناعية إلى المناطق الحرة .كما يجب التغاضي مؤقتاً عن المنشآت الصناعية التي توزعت داخل المدن والأحياء ريثما يتم توفير البديل وكذلك تسهيل عملية مرور العمال والانتاج ومستلزماته على الحواجز. مع مراعاةأن تتم هذه العملية قدر الإمكان وفق منظور أوسع وأشمل يتمثل بإعادة النظر بالتوزع الجغرافي للمنشآت الصناعية من ناحية ومراعاة التخطيط الاقليمي والعمل على  تنظيم هذه المنشآت ضمن تجمعات صناعية عنقودية تساهم في تطوير المنشآت الصغيرة والمتوسطة  من ناحية أخرى  في المرحلة المقبلة.

2- معالجة المصاعب التي تواجه الصناعيين فيما يتعلق بإعادة جدولة ديونهم وبشكل خاص  تخفيض دفعة حسن النية إلى النصف فيما يتعلق بالديون الكبيرة  للمصارف العامة وكذلك الحوار بين الجهات الحكومية المعنية والمصارف الخاصة لدراسة امكانية تسهيل عملية تأجيل سداد ديونها للصناعين وخفض كلفتها كأن تتحمل الحكومة جزأ من كلفة إعادة جدولة الديون لدى هذه  المصارف.

3- البت السريع بصرف التعويضات للمنشآت الصناعية المتضررة ودفع جزء مقبول منها لتمكين الصناعيين من إعادة إحياء منشأتهم وتشغيلها أونقلها إلى الأماكن الآمنة مع ضرورة إعادة النظر بنسبة تعويض المنشآت ذات الخسائر الكبيرة حيث يتم تعويض من بلغت قيمة أضراره /5/ ملايين بحدود 30% ومن كانت خسارته /50/ مليوناً بحدود 20% ومن تجاوزت خسارته 100 مليون ليرة أخذ نسبة 10%  فقط وهذا المبلغ بالنسبة لهذه الشريحة قليل.

4- تقديم قروض قصيرة وبشروط ميسرة للمنشآت الصناعية المتعثرة حالياً لاستخدامها كرأسمال عامل من أجل تحريك الانتاج والأسواق والمحافظة على وجودها والعاملين فيها ، بما يعيد دوران حركة العمل والانتاج في قطاع الصناعة والقطاعات الإنتاجية والخدمية التي تترابط مع هذا القطاع  نظراً لأهمية ذلك  في تحريك الأسواق .

5- تسهيل عملية فتح الاعتمادات المستندية ومنح إجازات الاستيراد لتعويض الآلات والتجهيزات  ووسائل النقل التي دمرت أو فقدت وإعفائها من كافة الرسوم والضرائب، وكذلك لتأمين مستلزمات الانتاج وبشكل خاص للمنتجات الضرورية التي تلبي حاجة المواطن السوري الأساسية  مع مراعاة تثبيت سعر الصرف لفترة محددة .

6- تقديم الدعم الفني لمساعدة المنشآت الصناعية على تجاوز آثار الأزمة التي لن  تقتصرفقط  على الأبنية والآلات وإعادة الصناعة السورية إلى ما كانت عليه قبل الأزمة ، بل استدراك ما فاتها ومعالجة المشاكل الأساسية التي كانت تعاني منها بحيث تصبح معالجة آثار ونتائج الأزمة فرصة مواتية لإعادة هيكلة وتوطين الصناعة السورية بشقيها العام والخاص وتعزيز قدرتها التنافسية .إن الدعم الفني وإعادة بناء القدرات التنظيمية والفنية في المنشآت الصناعية مهمة مترابطة مع مهمة إعادة البناء والتشغيل ولا يمكن  أن تؤتي ثمارها بدون التدريب والتأهيل وبناء القدرات لتمكين هذه المنشآت من تعزيز قدرتها التنافسية من جديد . وتتطلب هذه المهام احداث المؤسسات الداعمة الجديدة والضرورية مثل مركز التحديث الصناعي والمراكز الفنية في أقرب وقت.  

7-الإسراع في إصلاح وإعادة تأهيل البنية التحتية والخدمات اللازمة ( طرق ، محطات توليد وتحويل ونقل الكهرباء، شبكات النقل الطرقي والسكك الحديدية، الاتصالات …) وإعطاء الأولوية للمرافق التي تربط المدن والمناطق الصناعية العاملة و بشكل يتزامن مع العمل في تنفيذ المجالات الأخرى وفق برنامج زمني محدد ومفصل والبدء بتنفيذ ما يمكن منها منذ الآن ، وتعميم تجربة عدم تطبيق تقنين التيار الكهربائي خلال فترة ساعات  وأيام العمل في المعامل ضمن المناطق الصناعية على المناطق والمدن الصناعية الأخرى.

8- إحداث صندوق وطني لإعادة إعمار وتشغيل المنشآت الصناعية يتولى تقديم قروض وتسهيلات بشروط ميسرة للصناعيين المتضررين وتعويضهم لنقل وإعادة إعمار وتشغيل منشآتهم أو إعادتها إلى سورية ضمن فترة وشروط  وحوافز محددة ( فوائد منخفضة ، فترة سماح مقبولة، فترة سداد طويلة، ضمانات سهلة ) ويكونمن ضمن مصادر تمويل هذا الصندوق فرض ضريبة أو رسم على المستوردات لصالحه، إضافة إلى الموارد المخصصة له من ميزانية الدولة وكذلك الهبات و التبرعات الأخرى التي يمكن أن تأتي في مرحلة ما بعد الأزمة .

9- إطلاق حملة وطنية أهلية شاملة (غير حكومية ) لتشجيع وحث المواطنين على دعم الصناعة الوطنية بشراء المنتج الوطني ، وبيان أثر ذلك على معالجة آثار الأزمة اقتصادياً واجتماعياً ، على أن يترافق ذلك بالتزام واضح من قبل الصناعيين بمراعاة موضوع السعر المنافس والجودة المطلوبة  وخدمة ما بعد البيع  وبتسهيلات الشراء ، مع ضرورة  التحذير الشديد مما قد يلجأ إليه بعض الصناعيين من تخفيض نوعية المنتجات الوطنية لتخفيض كلفتها وسعرها لمنافسة البضائع المستوردة لأنهم بذلك يسيئون أكبر الإساءة إلى سمعة الصناعة الوطنية ومصداقيتها محلياً وخارجياً.

10- دعم ومتابعة جهود اتحاد المصدرين وهيئة تنمية الصادرات ورابطة المصدرين السوريين للألبسة والنسيج في اقامة المعارض الخارجية وبشكل خاص في الأسواق المستهدفة شرقاً وتفعيل عمل الملحقيات التجارية في السفارات السورية للقيام بالمهام المناطة بها . وإجراء الدراسات التسويقية اللازمة لاختيار المنتج المناسب للسوق المناسبة و تشجيع إقامة شركات متخصصة لتسويق المنتجات الوطنية.

11- الإسراع في اصدارقانون الاستثمار الجديد ومرسوم هيئة الاستثمار والبدء في إعداد ملفات الفرص الاستثمارية الضرورية التي تتطلبها عملية إعادة بناء وتنشيط الصناعة الوطنية بالتعاون بين الهيئة والجهات العامة والخاصة المعنية للترويج لإقامتها بالتركيزعلى المستثمرين السوريين كأولوية أولى وتهيئة البيئة التشريعية والمالية والتنظيمية اللازمة  لتحفيز الاستثمار الصناعي واستعادة رؤوس الأموال والمنشآت والخبرات التي نزحت بفعل الأزمة .

12- تكليف فريق عمل فني (قانوني وصناعي) مهمته دراسة إمكانية تعديل بعض المواد المجحفة بحق سورية الواردة في اتفاقيات تحرير التبادل التجاري الموقعة ومعالجة النتائج السلبية التي أدت إليها ووضع تصور وآلية عمل لتنفيذها ، وكذلك الاستفادة من بعض نصوص هذه الاتفاقيات المتعلقة بمكافحة الإغراق وحماية الصناعات الناشئة سواء بتشميل أكبر عدد ممكن من الصناعات فيها أو / و تمديد الفترة الزمنية الممنوحة لهذه الصناعات.  وتفعيل قانون حماية الانتاج الوطني والصناعات الناشئة ومنع الاحتكار، ووضع أسس محددة تراعي مصالح الصناعة السورية عند مناقشة إقامة أية شراكة أو اتفاقية تحرير تبادل تجاري مستقبلاً، واختيار الدول والأقاليم التي تحقق الاتفاقيات معها مصالح متوازنة وعادلة للجانب السوري ، على أن يترافق ذلك بتكثيف جهود الحكومة والصناعيين من أجل تطوير القدرة التنافسية للصناعة السورية  خلال الفترة المحددة. ومن الهام في هذا المجال إعطاء الاهتمام اللازم لتطويرالمديرية العامة للجمارك والجهات الأخرى ذات العلاقة بالتجارة الخارجية لضمان التطبيق السليم والعادل للاتفاقيات في هذه المجالات بما في ذلك مجابهة إمكانية استخدام بعض الدول المواصفات والاشتراطات الفنية وغير الفنية الأخرى كوسيلة لإعاقة دخول  المنتجات السورية إلى أسواقها.

ثانياً- الاجراءات والتدابيرالمطلوبة على المدى القصير

1- إحداث مجلس تنمية صناعية يضم الوزراء المعنيين بالشأن الصناعي ( الصناعة ، الزراعة، الاقتصاد ، المالية ، العمل، الادارة المحلية ،النفط، الكهرباء،  هيئة التخطيط والتعاون الدولي…)  إضافة إلى ممثلين عن القطاع الخاص وعدد من الخبراء المختصين ، مهمته تنسيق جهود هذه الجهات وإقرارالاستراتيجيات والسياسات الصناعية الرامية إلى تنشيط الصناعة وتحديثها  واتخاذ الاجراءات الفورية من أجل تنفيذها ومتابعتها لتجاوز آثار الأزمة ومعالجة موضوع تشتت وتوزع الشأن والقرار الصناعي بين عدة جهات.  

2-الانتقال إلى دور جديد تنموي ولا مركزي لوزارة الصناعة يحولها إلى وزارة سياسات صناعية تقوم بتشجيع وتحفيز وتمكين الصناعة السورية كقطاع وطني واحد بكافة أشكال الملكية ، بما فيها القطاع المشترك والقطاع التعاوني ، لتحسين  قدرتها التنافسية، وهذا يتطلب عكس هذا الدور بالشكل المناسب على البنية الهيكلية والتنظيمية للوزارة والجهات التابعة لها  وتطوير قدرات العاملين فيها بما ينسجم مع هذا الدور الجديد.

3- تحديث الدراسات الكلية والقطاعية التي تم إنجازها سابقاً وإجراء دراسات قطاعية حديثة للصناعات الغذائية والكيميائية لمواكبة التطورات العالمية في هذه الصناعات والترويج للاستثمار فيها  وكذلك إعداد استراتيجيات تسويق لمنتجات هذه الصناعات في الأسواق المستهدفة.

4- الإسراع في إحداث  المؤسسات الداعمة للقطاع الصناعي وبشكل خاص المؤسسات الداعمة التالية:

أ- مركز التحديث الصناعي الذي يتولى مهمة تأهيل وتحديث وتطوير الشركات الصناعية التي تحتاج لعملية التحديث من أجل متابعة نشاطها وزيادة قدرتها التنافسية، والذي سيتولى لاحقاً مهمة تنفيذ البرنامج التنفيذي لتأهيل وتحديث الصناعة السورية.

ب- الصندوق الوطني الخاص بالتحديث الصناعي الذي يتولى تمويل جزء من تكاليف تحديث الشركات من المبالغ التي تتوفر له من فرض رسم بسيط على المستوردات الصناعية والهبات المقدمة من الجهات المانحة ومن النسبة التي يفترض أن تسددها الشركات المستفيدة  من تكاليف تحديثها ومن الاعتمادات التي يمكن أن تخصصها الدولة لهذا الغرض.

ج- المراكز الفنية المتخصصة للصناعات النسيجية والغذائية والهندسية والكيميائية وغيرها، التي تتولى توفير خدمات المخابر المعتمدة والمعلومات الصناعية والتسويقية والتدريبية والدراسات والاستشارات المختصة في كل قطاع، على أن تعمل هذه المراكز بشكل مستقل وبالمشاركة مع القطاع الخاص.

د- الهيئة الموحدة للتعليم والتدريب المهني لتتولى عملية تطوير وتشغيل  كافة مراكز ومعاهد  التدريب والتعليم المهني بشكل عصري متقدم (مناهج ومدربين وأدوات) وبشكل يلبي  الاحتياجات الحالية والمستقبلية للصناعة السورية وإدارة هذه الهيئة والمراكز التابعة لها بالمشاركة مع القطاع الخاص والجامعات والمؤسسات التعليمية  والبحثية الأخرى.

هـ- الهيئة الموحدة المستقلة لدعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بمشاركة كافة الوزارات المعنية والقطاع الخاص .

و-  الهيئة الناظمة للجودة.

بالإضافة إلى ضرورة تفعيل دور المؤسسات والهيئات الداعمة القائمة حاليا ( مركز تطوير الادارة والإنتاجية،هيئة المواصفات والمقاييس ، مركز الاختبارات والأبحاث الصناعية ، التدريب المهني  ….)  بمعالجة المعوقات الادارية والمالية والتنظيمية والعلمية التي تواجهها.

5- اعتماد وتنفيذ برنامج وطني متكامل لإصلاح القطاع العام الصناعي – في إطار الالتزام بالتعددية الاقتصادية –  يركز بشكل أساسي على تحسين بيئة عمل هذا القطاع الإدارية والتنظيمية والمالية والإنتاجية وأسلوب اختيار إداراته، بما يؤدي إلى معالجة مشاكله وتمكينه من العمل كالقطاع الخاص بالأسلوب الذي يجعله قطاعاً رابحاً منافسا قادراً على البقاء والتوسع بإمكانياته الذاتية ، ولا يختلف عن القطاع الخاص إلا في توريد الجزء الخاص الموزع من أرباحه إلى وزارة المالية. مع التأكيد على ضرورة  أن يتم إعداد هذا البرنامج وتنفيذه وفق جدول مادي وزمني واضح ومحدد. كما يجب إعداد دراسات تشخيصية ودراسات جدوى اقتصادية وفنية موسعة لشركات القطاع العام الصناعي التي دمرت بفعل الأزمة سواء لتغيير نشاطها أو متابعة نشاطها القديم . ويمكن تنفيذ عملية إعادة تأهيل أو تغيير نشاط عدد من هذه الشركات عن طريق تحويلها إلى شركات مساهمة عامة أو مشتركة عامة أو محدودة المسؤولية أو وفق نظام BO.

6- تفعيل دور منظمات رجال الأعمال ( الصناعة ، التجارة ، اتحاد المصدرين ، رابطة المصدرين….لتمكينها من القيام بالدور المطلوب منها أسوة بمثيلاتها في البلدان الأخرى وبشكل خاص ما يتعلق بتحسين المنتج والتصدير).. 

7- وضع تصورات أولية وفق أولويات محددة  لبرامج التعاون الفني التي تحتاجها عملية إعادة بناء وتنشيط الصناعة السورية بشكل منسق ومتكامل مع الجهات المعنية الداخلية لطرحها بعد الأزمة على الدول المانحة والمنظمات العربية والدولية المختصة منعاً للازدواجية والتعارض وهدر الوقت والمال ، والعمل على رفع كفاءة العاملين في الإدارات المعنية في الجهات المستفيدة من برامج التعاون لغوياً وفنياً مع تقديم الحوافز اللازمة لهم.وفي هذا المجال يمكن اقتراح برامج التعاون الثنائي والجماعي التالية على الجهات المانحة والمنظمات العربية والدولية :

1- إعادة تأهيل الصناعات القائمة لتمكينها من تجاوز المشاكل والآثار الناجمة عن الأزمة.

2- تنمية التجمعات الصناعية العنقودية وبشكل خاص للمنشآت الصغيرة والمتوسطة.

3- إقامة مراكز فنية متخصصة ( نسيج،غذائية….) وبناء القدرات اللازمة لتشغيلها.

4- دعم فني لتحديث وتطوير قطاعات صناعية مختارة جديدة ورفع قدرتها التنافسية.

5- رفع كفاءة المؤسسات الداعمة الحالية .

6- بناء القدرات الوطنية في المجالات الضرورية وذات الأولوية التي  تتطلبها مرحلة إعادة تنشيط الصناعة الوطنية.

7- صندوق ائتمان خارجي لتمويل الاستثمارات الجديدة للمنشآت الصناعية التي يتم تحديثها.

ومن الضروري والهام في هذا المجال مراجعة برامج التعاون الجماعية والثنائية ذات العلاقة بالصناعة التي تم توقيف العمل فيها بسبب مواقف الدول والجهات المانحة من الأحداث في سورية قبل متابعة تنفيذها للتدقيق في مدى ملاءمتها للأوضاع المستجدة للصناعة السورية وانسجامها مع السياسات والإجراءات المقترحة وتجنب الازدواجية والتكرار في عملها ونشاطها.

8- التركيزعلى بناء الخبرات الوطنية في مجال التحديث والتطوير الصناعي في كافة الاختصاصات ، وإفساح المجال أمامها للمساهمة بشكل أكبر وأفضل في هذه العملية، وهذا بدوره  يتطلب تنظيم مهنة الاستشارات من خلال دعم وتطوير الجمعيات والمكاتب الموجودة والمعتمدة وتشجيعها على تطوير نفسها ورفع كفاءة أعضائها بشكل مستمر، وإزالة الغبن والتمييز الذي تقوم به بعض المنظمات والجهات المانحة بين الاستشاري الوطني والأجنبي عند تساوي الكفاءات والمؤهلات.والعمل من قبل هيئة التخطيط والتعاون الدولي على أن يكون للاستشاريين الوطنيين دوراً واضحاً ومحدداً وملزماً  في كافة برامج التعاون الثنائية والجماعية  التي تتفق عليها مع الجهات الداعمة والمانحة.

 9- تشجيع إقامة الشركات المساهمة العامة وكذلك تحويل الشركات الفردية ومحدودة المسؤولية لشركات مساهمة عامة ما يساهم في توفير التمويل اللازم لإعادة بناء وتأهيل هذه  الشركات.

10- تحديث قانون التعاون الانتاجي بشكل يشجع على نشر وتوسيع هذا الشكل من أشكال الملكية.

11- توعية الصناعيين ومنظماتهم بأهمية وضرورة وجود معلومات وبيانات صحيحة وواقعية لضمان تشخيص ومتابعة واقع الصناعة السورية بشكل دقيق ووضع السياسات واتخاذ الإجراءات التي تتناسب مع هذا الواقع الفعلي. وهذا يتطلب أيضاً توفير الإمكانيات المادية والفنية والبشرية المؤهلة للمكتب المركزي للإحصاء وأجهزة التخطيط والإحصاء في مختلف الجهات العامة والخاصة المعنية من أجل رفع سوية الإحصاءات ذات العلاقة بالصناعة والتجارة الخارجية بشكل خاص ورصد وتقييم آثار تطبيق السياسات والإجراءات والاتفاقيات  بشكل عام  وتوفيرها بسوية عالية وبأسرع وقت ممكن وكذلك رصد تنافسية الصناعة السورية.

12- اعتماد برنامج واسع ومستمر لتعريف وتوعية القطاع الخاص بمتطلبات وشروط وكيفية الاستفادة من فرص اتفاقيات تحرير التبادل التجاري.وتقديم الدعم الفني المستمر لرفع قدرة رجال الأعمال ومؤسساتهم فيما يتعلق بأساليب الادارة الحديثة ومواجهة المخاطر وإعادة النظر بالأسس والقوانين التي تحكم عمل غرف واتحادات التجارة والصناعة بما يضمن تجاوز نقاط الضعف والسلبيات الحالية وتشجيع قيام جمعيات الأعمال المتخصصة والاتحادات الصناعية النوعية.

13–اقامة دورات تدريبية وتأهيلية واسعة للعمال العاطلين عن العمل وكذلك المهجرين لتوفير اليد العاملة المختصة واللازمة  في الصناعات ذات الأولوية في مرحلة إعادة  الإعمار وهي:

1- الصناعات المرتبطة بإعادة الإعمار:(الاسمنت ، الحديد ، الكابلات ، الألمنيوم ،الزجاج ، البلاط و السيراميك، الدهان……)

2- الصناعات الغذائية والدوائية التي تلبي الاحتياجات الأساسية للمواطنين ( السكر،الزيوت، الألبان، الأدوية….).

3- الصناعات التي تلبي احتياجات القطاع الزراعي ( الأسمدة،الأعلاف، الأدوية البيطرية، المبيدات، الجرارات….).

4-الصناعات التي تستوعب الانتاج الزراعي والحيواني المحلي ومدخلات الانتاج المحلية الأخرى  ( الصناعات النسيجية، الصناعات الغذائية…).

أخيراً ..التمويل ؟!

المسألة الأساسية في عملية إعادة تأهيل وتنشيط الصناعة السورية هي التمويل خاصة بعد استنزاف معظم الاحتياطي الوطني من القطع الأجنبي. في مرحلة ما بعد الأزمة  يمكن سد جزء هام من الحاجة للتمويل من خلال  المنح والمساعدات و القروض والتسهيلات الخارجية واستعادة رؤوس الأموال السورية المهاجرة والغاء تجميد الأموال السورية في المصارف الخارجية اضافة لموارد النفط والغاز المأمول انتاجها من الشاطىء السوري.

لكن المشكلة الحقيقية اليوم هي في توفير الموارد المالية اللازمة في المرحلة الحالية وهذا ماطرحه الصناعيون في المؤتمر السنوي لغرفة صناعة دمشق وريفها بتاريخ 23/4/2014 بخصوص حاجتهم  للقروض والتسهيلات لإعادة اقلاع منشآتهم ورد رئيس الوزراء بأن هناك صعوبات في تلبية كافة الطلبات نتيجة نقص الموارد التي من بينها الضرائب التي كان الصناعيون يدفعونها قبل تدمير منشآتهم . إن المسألة الهامة التي يجب مناقشتها بشكل جاد ومسؤول هي كيف يمكن توفير التمويل اللازم والضروري لإعادة تشغيل المنشآت الصناعية العامة والخاصة ذات الأولوية  في المرحلة الحالية في ظل محدودية موارد الحكومة ؟

فيما يلي بعض المقترحات التي يمكن مناقشتها في هذا الخصوص:  

1-    حث المصارف على استخدام التأجير التمويلي وتشجيع القطاعين العام والخاص على الاستفادة من هذا الأسلوب لإعادة تأهيل المنشآت المتضررة .

2-    احداث صندوق وطني لتمويل إعادة تأهيل الصناعة  يكون من موارده فرض رسم على المستوردات الصناعية اضافة إلى أية موارد أخرى ممكنة ….

3-    الاتفاق مع شركات منتجة للآلات من الدول الصديقة على تزويد المنشآت  الصناعية المتضررة بالآلات والتجهيزات  مقابل تسديد قيمتها أو جزء منها بمنتجات المشروع.

4-    تشجيع المصارف الخاصة على التمويل الصناعي من خلال تحمل الدولة الفرق بين الفوائد التشجيعية وسعر الفائدة الرائج.

5-    تسهيل عملية منح القروض والتسهيلات المصرفية للمنشآت الصناعية بحيث تكون موجودات المعامل هي الضمانة لهذه القروض.

6-    الاسراع في البت بطلبات التعويض للمنشآت الصناعية المتضررة وصرف جزء معقول من هذه التعويضات بما يمكن أصحاب هذه المنشآت من إعادة تشغيلها ولو بالحدود الدنيا.

7-    تشجيع وتسهيل عملية تحويل الشركات الفردية إلى شركات محدودة أومساهمة خاصة أو عامة تطرح أسهمها للاكتتاب العام  بهدف تغطية ما يمكن من نفقات إعادة التأهيل . 

8-    تحويل بعض الشركات الصناعية العامة التي هي خارج الانتاج حالياً الى شركات مشتركة أو مساهمة عامة لتغطية قيمة الالات والتجهيزات اللازمة لاعادة الشركات الى الانتاج وفق قواعد وأسس واضحة ومحددة ..