أكتوبر 31, 2015 دراسات وتقارير 0 تعليقات

إصلاح القطاع العام الصناعي

 

 

نهتم في سورية اليوم بأمر الصناعة بشكل يفوق اهتمامنا في السنوات الماضية، حقاً أنه دائماً اهتمت الدولة بتنمية الصناعة لكن الاهتمام بالقطاعات الصناعية وأولوية الصناعة كقطاع اقتصادي تبايناً بين سنة وأخرى، فعندما كانت سورية بلداً ينتج المواد الخام غير الطاقوية كان شأن الصناعة كبيراً نسبياً (إذ نهضت البلاد الصناعية في سنوات الأربعين والخمسين وحتى سنوات الستين)..

لكن اكتشاف النفط أدى إلى:

تعزيز دور القطاع الأولي غير الزراعي.

تعزيز قطاع الصناعة الاستخراجية.

إضعاف دور الصناعة التحويلية نسبياً.

ومع تطور الاقتصاد السوري (في العقدين السابع والثامن وحتى التاسع) فإن العقدين (السابع والثامن) شهدا انخفاضاً شديداً بالانتاج الزراعي مقارنة بالنمو السكاني، وأصبحت سورية بلداً مستورداً للمواد الغذائية وانعكس هذا سلباً على الموازنة العامة وعلى المالية العامة وبالتالي اتجهت الدولة لتعزيز شأن الزراعة.. وتميزت (سنوات التسعين) بنهوض كبير في الزراعة وهذا أدى إلى إضافة عامل أمن استراتيجي الطابع للأمن النفطي والطاقوي وهو الأمن الغذائي وبذلك أصبحت سورية تنعم بأمنين: الأمن الغذائي والزراعي – الأمن النفطي والغازي أي (الطاقوي).

إن هذا الأمن المزدوج له أهمية فائقة، حيث أعاد سورية للوضع الذي تركها بمقاومة الضغوط ، لكن هذا الامن المزدوج يكشف ضعفاً:

لأن تسعير النفط يخضع لتبدلات السوق العالمية وليس تحت التحكم الوطني التام.

لأن الانتاج الأولي هو تحقيق ضئيل للمنافع الاقتصادية من المواد الاقتصادية المتاحة.

بالتالي فإن تعزيز الصناعة التحويلية ضرورة اقتصادية واستراتيجية لأن من شأنها:

تخفيف الضغط عن المواد الأولية ولاسيما الطاقوية.

تلبية حاجات السكان.

إضعاف الضغط الحالي على ميزان الاستيراد.

بالتالي فإن الاهتمام بالصناعة التحويلية هو أحد السمات المميزة للسنوات الأخيرة من التطور الاقتصادي ومن السياسات الاقتصادية، لكن تطوير الصناعة يعني تطوير القطاعين معاً: القطاع العام والقطاع الخاص، والصناعة شأن يعنى به الأفراد في إطار القطاع الخاص كما تعنى به الدولة في إطار القطاع العام.. والدولة قد فتحت للقطاع الخاص الصناعات التحويلية بمعظم فروعها خلال السنوات الأخيرة من عقد الثمانين، وعملياً نجد قليلاً من الأنشطة لا يزال محصوراً للدولة، وبالمقابل فإن القطاع العام يستثمر استثماراً كبيراً في الصناعات التحويلية وبعض هذا الاستثمار قد أخذ يحدث تغييراً نوعياً في الواقع السوري…

فالغزل السوري لم يعد كما كان، فقد أصبحت سورية قادرة على أن تصدر غزولاً بأسعار تنافسية ومواصفات جيدة، ولكن هذا لايعفي من الوقوع في التهاون والقصور (فنجد أن بعض الغزول المصدرة لاتلبي المواصفات القياسية)، ولكن القاعدة العامة تمكننا من إحداث تغيير كبير نتيجة استبدال وتجديد واسعي النطاق في قطاع الغزل خلال سنوات / 1997 – 1998 / وحتى اليوم…

* القطاع العام الصناعي:

يضم جيلين اثنين من الصناعات:

الجيل الأول ويضم: صناعات نشأت بفعل تأميم الصناعات التي كانت تنتمي للقطاع الخاص، وهي صناعات تهتم بـــ: النسيجية – الهندسية – الكيميائية – الغذائية – الاسمنت – السكر، وبالتالي نجد هناك بدايات للصناعات التي قام بها القطاع الخاص.

ولكن الدولة أضافت لذلك جيلاً ثانياً وكبيراً من الصناعات شملت مختلف الفروع الصناعية ونحن نتناول فيمايلي: الصناعات التي قامت قبل ثورة الثامن من آذار والأخرى التي أقيمت بعدها..

*          إن القطاع العام الصناعي قطاع يتصف بصفات متناقضة:

-يقال بأن الصناعات السورية تتصف بسوء المواصفات وسوء صنف المنتجات (وهذا نصف الحقيقة) ، فالحقيقة أن الصناعة السورية اليوم هي بجانب منها صناعة ناجحة منتجاتها جيدة ومواصفاتها مناسبة ، ومن جانب آخر صناعة متخلفة – مواصفاتها ليست مرضية..

هذا هو الوصف الموضوعي للواقع ، فنحن أمام واقع يتغير نواجه مشكلة المواصفات والجودة لكنها ليست مشكلة.. فبعض المديرين في القطاع العام أفلحوا ويفلحون في إنتاج منتجات تنافسية ويبيعونها في الأسواق السورية والخارجية..

-كما أن هناك قصوراً في المواصفات وجودة المنتجات (لا يجب إغفاله) وهذا الجانب الذي يظهر عند معالجة مسألة القطاع العام الصناعي، والدخول في نطاق وآلية السوق من حيث تقييم الصناعة وتأثير جودة المنتجات والمواصفات على المستهلكين، وهناك جوانب أخرى لابد من التأكيد عليها:

oهناك عمالة فائضة كبيرة في القطاع العام الصناعي.

oهناك أجزاء كبيرة في القطاع العام الصناعي لم تخضع بعد لعملية الاستبدال والتجديد.

oوبعضها الآخر تتصف بالطابع التقليدي وتفتقر للاجتهاد والتجديد.

وهذا حصيلة تطور دام عقوداً من السنين..

فمثلاً: قلما تصدر الصناعات الهندسية إلى الأسواق الخارجية، وكذلك الأمر بالنسبة للصناعات الأخرى حيث نجد أوضاعاً مشابهة فالطابع الغالب على الصناعة هو اعتمادها على الأسواق الداخلية باستثناء صناعات الغزل والنسي التي تشكل كتلة الصادرات التحويلية السورية ، وهذا حصيلة التطور الذي حدث تاريخياً…

* التبعية المؤسسية والفروع الرئيسية للقطاع العام الصناعي:

إن القطاع العام الصناعي لا يقع بأكمله تحت وصاية وزارة الصناعة فهناك صناعات تخضع لــ: وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية (لاسيما محالج الأقطان والتبغ والسجائر) – وزارة التموين (لاسيما المخابز والمطاحن) – وزارة الدفاع… ولكن الصناعة التحويلية السورية التابعة للقطاع العام تخضع بمعظمها

أما القطاع العام الصناعي (التابع لوزراة الصناعة) فيضم الفروع الصناعية التالية:

1-الصناعات النسيجية:

نجد هنا أن حصة الصناعات النسيجية في مجمل إنتاج القطاع العام الصناعي 29 بالمائة حسب أرقام عام / 2002 /.

أما الناتج المحلي الاجمالي في هذا الفرع الصناعي فقد بلغ في عام / 2002 / حوالي / 4.493.000,000 / ل.س.

بلغ عدد العاملين في عام / 2002 / هو / 31.791 / عامل في هذا الفرع الصناعي.

أما نسبة الصادرات فلا تتجاوز 27 بالمائة من مبيعات القطاع العام النسيجي، وهي نسبة منخفضة تتحدد أساساً بالغزول القطنية ولاتمثل المنتجات النهائية منها إلا النزر اليسير.

2-أما الصناعات الغذائية:

فإن حصته من مجمل إنتاج القطاع العام الصناعي في العام 2002 لم تتجاوز 10 بالمائة.

بلغ عدد العاملين فيه / 4.979 / عامل وهذا عدد قليل لايصل إلى سدس القوة العاملة في القطاع العام الصناعي التابع لوزارة الصناعة.

أماقيمة الإنتاج فيه فهي لم تتجاوز / 126.516.000 / ل.س في العام المذكور.

الأمر الذي يعكس ضمور هذا الفرع وقلة تطوره.

3-أما بالنسبة لصناعات السكر:

بلغت قيمة الإنتاج / 7.365.000,000 / ل.س.

نسبة الإنتاج لمجمل القطاع العام الصناعي 15بالمائة.

وهذه الصناعة موجهة لتلبية نسبة المبيعات الخارجية 1 بالمائة، أما نسبة المبيعات المحلية 99 بالمائة.

4-أما صناعة الإسمنت: فإن:

نسبة الإنتاج فيها لم تتجاوز 14 بالمائة من قيمة الإنتاج المحقق في مجمل القطاع.

قيمة الإنتاج المتحقق/7.566.000,000/ ل.س في العام/2002/.

المبيعات الداخلية 100 بالمائة، لا تصدر الدولة اسمنت على الإطلاق.

5-أما الصناعات الكيميائية:

بلغت قيمة الإنتاج في هذا الفرع / 9.913.000,000 / ل.س في العام المذكور، وهذه النسبة تمثل 29 بالمائة من القيمة الإجمالية للانتاج من القطاع

وهذه الصناعة موجهة لتلبية نسبة المبيعات الخارجية هي 10بالمائة أما المحلية فهي 90 بالمائة.

إن هذه الصناعات موجهة أيضاً إلى السوق الداخلية حيث بلغت المبيعات الداخلية 90 بالمائة من مجمل المبيعات بينما لم تتجاوز صادرات هذا الفرع 10 بالمائة من مبيعاته.

6-أما الصناعات الهندسية:

اقتصرت قيمة الإنتاج على / 7.555.000,000 / ل.س.

ولم تتجاوز هذه حصة الإنتاج في هذا الفرع الصناعي: 15 بالمائة من قيمة الإنتاج في القطاع، وهذه النسبة منخفضة جداً.حيث تعد مؤشراً قوياً على ضعف التحويل الصناعي في القطاع العام الصناعي..

تشكل المبيعات المحلية حوالي 98 بالمائة.

بالتالي فإنه باستثناء القطاع العام النسيجي ونوعاً ما قطاع المنتجات الغذائية، فنحن لا نصدر شيئاً للخارج (كل ما ينتج يصدر محلياً)، وبالتالي فهذا الوجه الداخلي يعكس حصيلة التطور…

يتضمن إصلاح القطاع العام الصناعي عدداً من الجوانب أبرزها:

1-الناحية القانونية.

2-الناحية البنيوية:

إعادة النظر في البنية الصناعية الإجمالية للقطاع العام الصناعي.

إعادة النظر في أولوية الفروع الصناعية في استراتيجية التنمية الصناعية وتعديلها وفقاً لمقتضيات التحديث التكنولوجي والانتقال إلى الصناعات الجديدة المدرجة تحت اسم (الاقتصاد الجديد).

تحديث الصناعة السورية التحويلية.

3-دمج الشركات المتماثلة أو المتكاملة داخل كل فرع من الفروع الصناعية.

4-معالجة فائض العمالة في القطاع العام الصناعي.

* بالنسبة للعمالـــــة:

إن عملية الدمج بين الشركات العامة الصناعية في الفرع الصناعي الواحد ترفع عدد العاملين الزائدين عن الحاجة (رفع العمالة الفائضة)، ماهو موقف الدولة ؟ لقد قررت الدولة بأنه لا تخصيص ولا تسريح ونحن نؤيد قناعة عميقة وقوة هذا الخيار الاستراتيجي منطلقين من هذا الموقف من اعتبارات اقتصادية واجتماعية معاً:

*          إن السعي لتقليص عدد العاملين وتدوير العمالة لن يضاعف من أعداد العمال الفائضين عن حاجة المصانع بفضل التوسع المستمر في القطاع العام الصناعي تلبية لمقتضيات التنمية الوطنية الاقتصادية والاجتماعية.

*          ذلك أنه سيتم ربط بين تدوير العمالة وإنشاء مصانع أو توسعات صناعية جديدة بما يحقق إصلاح القطاع العام بالتلازم مع فروع القطاع العام وتوسيعها، حيث أن بنية القطاع العام الصناعي الحالية تشكلت تاريخياً على أساس تميز الاستثمارات الصناعية أحياناً بالمنهجية وأحياناً أخرى بعدم المنهجية.. مما أدى إلى ظهور تنافر داخل الفرع الصناعي الواحد، وإلى قصور التكامل الرأسي في بعض الفروع…

بالتالي حتى يستطيع القطاع العام أن يقف على قدميه فيجب:

*          أن يكون اقتصادياً في تأسيس مشاريعه وإدارتها.

*          أن يتمكن هذا القطاع من مواجهة تحديات السوق، مما يستوجب أن يكون متكاملاً.

لقد حدثت الدولة صناعات الغزل القطني بصورة فعالة وأصبحت هذه المنتجات قادرة على المنافسة، ولكن عند انخفاض أسعار الغزول بالعالم كانت هناك خسارة، لو لم تبع الدولة هذه المنتجات لكانت الخسارة أعظم وهي منعت ظاهرة المخازين، وهذا ليس شأن سورية فقط بل شأن كل الدول المنتجة للغزول ولكن هذه الدول لا تنتج الغزول فقط بل (الغزول والأنسجة والملابس) وتبيع بمنتجات تتمتع بقيمة مضافة عالية تغطي انخفاض أسعار الغزول.

وبالتالي لابد من رفع القيمة المضافة للصناعة في إطار إصلاح القطاع العام الصناعي، إذا كنا لا نريد تخصيص القطاع العام الصناعي أو نصفيه لابد من أن يكون اقتصادياً أي تمتعه بمواصفات اقتصادية وبالتالي لابد أن يحقق قيماً مضافة كافية وبالتالي لابد أن يكون متكاملاً رأسياً (مثال على ذلك: صناعات التكرير)، تحويل النفط يقف عند التكرير ولا يذهب لإنتاج الاتيلين والبولي إتيلين والبولي بروبولين والكالبولاكتر..

نحن نحتاج للانتقال لمرحلة جديدة نقوم فيها بتصنيع المنتجات لكل الفروع الصناعية الواحدة، هذا الأمر مهم للقطاع العام والخاص معاً.

*          بالنسبة لدرجة الوعي الاقتصادي في قيادة القطاع العام الصناعي، فمثلاً: كان لدينا و حتى الآن مصانع تقوم بتصنيع الشوندر السكري خلال مدة / 3 أشهر / وبعدها تتوقف عن العمل / شهر وقد يمتد لشهرين / خلال فترة الصيانة وبعدها يتوقف المعمل والعمال عن العمل حتى الموسم القادم، العمل يتراوح بين / 5 – 6 / أشهر في السنة بما فيها شهري الصيانة… كان ينبغي أن يصبح المعمل متكاملاً (أن يقوم بمعالجة مواد تنتج عن عملية تصنيع الشوندر: كإنتاج الخميرة والكحول العلف الحيواني)… وهذا كله بسبب عدم توفر الرؤية الاقتصادية الصحيحة في الإدارة الاستراتيجية الصحيحة في الصناعة، وهذا الأمر يتغير الآن لصالح إدارة فعالة..

*          بالنسبة للصناعة الهندسية: ينقلنا هذا لمشكلة أخرى فهناك صناعات هندسية هي أبعد ما يكون عن التجديد.. فمثلاً: تصنيع شاشات التلفزة.. فبعد أن كانت مصنعة أصبحت مجمعة فقط.. ولابد أن نسعى للتطوير التكنولوجي ورفع القيمة المضافة بالإضافة إلى المحاسبة الاقتصادية وتحليل ونقد..

* الحاجة إلى إصلاح بنيوي أيضاً للصناعة والقطاع العام الصناعي خصوصاً:

إن إصلاح القطاع العام الصناعي له جانب بنيوي:

1-تصحيح بنية القطاع العام الصناعي.

2-تحقيق التكامل الرأسي في كل فروع الصناعة..

3-الوصول بالمادة المصنعة لغايتها الصناعية (إطار السوق الضيق).

4-فالصناعات البتروكيميائية: لابد أن تكون مواصفاتها القياسية كبيرة وهذا لا يتاح في إطار السوق السورية وحدها وهذا سبب لعدم تحقيق التكامل الرأسي في الصناعة السورية..

في ظل قيادة الرئيس بشار الأسد أصبح التوجه واضحاً وقد أصبح يعبر عنه بأكثر من قطاع وهو تحويل سورية من بلد يتوجه داخلياً للتطور الصناعي والاقتصادي إلى قاعدة للإنتاج الصناعي وللتجارة على المستوى الإقليمي تستقبل بصناعات للمصدرين وتشجع على التصدير.. مشيراً إلى أن هذا التطور الجديد من لب اهتمامه في الاستراتيجية الصناعية، نحن نعتقد بعدم الوقوع ضحية إيديولوجية التصدير(التصدير هو الذي يؤمن مناخ اقتصادي في الداخل)، لا ينبغي أن نبقي سوقنا الوطنية وننجح فيها بكفاءة لتمكنا من التصدير..

فالأيديولوجية الجديدة الآن هي تقليص السوق ( السوق تبقى لخدمة الإنسان تخضع للإنسان والمجتمع ، والأولوية لأبناء شعبنا كمستهلكين فإذا احترمنا المستهلكين المحليين ولبينا حاجاتهم بصورة متزايدة نستطيع عندها اقتحام أسواق التصدير)، فالأسواق أصبحت مفتوحة، ومن أهم ما يميز سورية الآن أن عملية الانفتاح الاقتصادي فيها من حيث الانفتاح التجاري بأنها أخذت المنحى العربي(اتفاقية تحرير منطقة التجارة العربية الحرة التي وقعها الدكتور محمد العمادي باسم سورية أدت لفتح الأسواق العربية بالنسبة لــ / 14 / بلد عربي) وبالتالي لم تعد المسألة السوق السورية أصبحت الأسواق العربية ، فأصبحت قدرات الاستهلاك أكبر بكثير وقدرات التصريف أكبر بكثير وبالتالي المنافسة أشد بكثير، فقد كانت سوقنا حكراً لنا ولكنها أصبح منفتحة أمام المنافسين العرب، بالتالي فإن الفرص تفتح أمام الصناعة السورية لتقيم صناعات كبيرة الحجوم كالصناعات البتروكيميائية، ولكن هذا بشرط أن تكون هناك قدرة على المنافسة والأداء الاقتصادي الفعال…

أي أن القطاع العام الصناعي يواجه واقعاً مختلفاً، فلابد بالنتيجة أن تحقق القدرة على مواجهة المنافسين لأن السوق لم تعد سوقاً سورية أصبحت أسواقاً عربية.. إذاً التغيير البنيوي للصناعة السورية يلتزم بتغير السوق ، تغير خصائص السوق، تغير أبعاد السوق وخصائصها.

* موضوع التقانة:

تمت الإشارة للقطاع العام الصناعي وبشكل خاص الهندسي، فنحن في سورية لا نملك حتى الآن سياسات تقانة بالمقابل لدينا مفاوضات تقانية غنية جداً. اشترينا مئات وآلاف المصانع وفرضنا عليها وحققنا تجارب واكتسبنا تجربة من هذه المفاوضات ولكننا لم نقم بتوثيق منهج لهذه التجارب حيث أنه ليس لدينا آلية و ليس لدينا مؤسسة حتى الآن تقوم بالتوثيق المنهجي النقدي للتقانة، تتصف تجربتنا بتعدد شديد في مصادر التقانة: روسية – بلغارية – ألمانية شرقية – فرنسية –… نحن الآن في وزارة الصناعة نقوم بتطوير هذه السياسة التقانية.

إن هذه المسألة بغاية الأهمية لسببين:

1-التغيير القائم على البنية الصناعية وترشيدها: ففي الأجل القصير نحتاج لترشيد هذه البنية أما بالنسبة للأجل المتوسط والبعيد نحتاج للتغيير…

(الترشيد: هو الحصول على إنتاجية أعلى من خلال إدخال تقانات فعالة وحديثة والحصول على منتجات بأكثر مما يمكن من المواد الأولية المتوفرة لدينا، مثلاً: إنتاج المزيد من الأسمدة، بإقامة مصانع جديدة لاكتساب أسواق التصدير، وإن التوسع دائماً يتطلب توسع في الحصول على التقانات) أما (التجديد فهو: إن العالم المتغير لا يتوقف عن التغير، فالصناعة تتغير لأننا ننتقل لما نسميه بالاقتصاد الجديد، تنتقل من الصناعة التي تستخدم المواد الأولية الزراعية أو المعدنية أو الطاقوية أو الغاز إلى دخولنا عصر يقوم على صناعات تعتمد على المعرفة وليس على المواد الأولية)…

هذا التحول بالغ الأهمية بالنسبة للتقانة لأن كثير من هذه الصناعات هو تقانة وصناعة في الوقت نفسه وبالتالي فإننا نحتاج بأكثر بكثير من الماضي لسياسات تقانية وإلى عملية انتقال تدريجية إلى صناعات جديدة…

وعند التحدث عن أهمية الصناعات الجديدة يتم الاعتراض على كيفية ذكر ذلك فلدينا مواد أولية يجب استثمارها ويجب أن تقوم صناعاتنا على المواد الأولية المتاحة فهي ضمان للأمن الاستراتيجي، هذا صحيح ولكنه نصف الحقيقة لأنه باعتمادنا على هذه الصناعات فإننا سنتخلف في المدى الاستراتيجي وعلى المدى الطويل، ولذلك فنحن باستمرار نتجه لصناعات جديدة تقوم على المعرفة، وبذلك يجب أن نقوم بحركة ذات سرعتين:

توسيع تصنيع المواد الأولية والطاقوية المتاحة محلياً وتعميق هذا التوسيع وذلك وفق التكامل الرأسي – والربط بين الصناعات…

تجاوز هذه الصناعات (السرعة البطيئة ولكنها ذات مستقبل) وهي الصناعات الجديدة…

نهتم بإصلاح القطاع العام الصناعي ونسعى وراء بنية أكثر تطوراً فنحن نهتم الآن: بالصناعات الهندسية أكثر بكثير من قبل، كما نهتم بالصناعات الكيميائية ذات القيمة المضافة العالية أكثر من قبل، ونهتم بالصناعات البتروكيميائية النهائية وليس بالتكرير النفطي فقط..

هذه التوجهات كلها تهدف إلى:

تحسين الاستخدام الاقتصادي للمواد الأولية المتاحة محلياً.

تحقيق التكامل الرأسي في الفروع الصناعية المختلفة.

وبالتالي تساعد على تحقيق الربح الاقتصادي في كل فرع من هذه الفروع الصناعية

* بالنسبة للعمالة:

لدينا توجه في قانون إصلاح القطاع العام يقوم على: دمج هذه الشركات وخلال الأشهر القادمة سننجز خطة دمج الشركات ونضع مشروعاً حتى يوافق عليه من قبل السلطات العليا ويستهدف هذا الدمج إلى تقليص عدد الشركات وتحسين الأداء الاقتصادي في القطاع العام الصناعي، وهذا سيطرح علينا مسألة العمالة الفائضة: عندما ندمج عدد من الشركات بشركة واحدة سيتضاعف لدينا العمال الفائضين عن الحاجة، نقول بأنه: (لا تسريح) ونلتزم بها أمام الدولة، إذاً نعيد تدوير العمالة (نقل العمال من فرع صناعي أو من نشاط صناعي لآخر) وإعادة تأهيل العمالة (أي إكسابهم المهارة الفنية اللازمة لفرع الجديد) وهذا يعني إقامة صناعات جديدة، إن إعادة التدوير والتأهيل ترتبط بالتوسع الاستثماري، الدولة خلافاً للدول الأخرى (وهذه سمة من سمات الإصلاح الاقتصادي السوري) تقوم بالتوسع للاستثمار العام خلافاً لما يجري بالدول الأخرى حيث يتقلص استثمار الدولة للحد الأدنى إن لم يلغى، فإننا في سورية نوسع استثمارنا فمنذ عام/ 2000/ وحتى الآن زاد الاستثمار العام سنة فسنة حتى أنه تجاوز الموازنة العامة الجارية..

هذا التوسع يعني فرصاً جديدة من التوسع الصناعي وبالتالي فإن إقامة الصناعات الجديدة يتطلب عمالة.. فيعطي أولوية للعمالة الفائضة في القطاع العام الصناعي ، وعلى هذا الأساس فإن تدوير العمالة الفائضة وإعادة تأهيلها وإعادة تشغيلها في مواقع أخرى تتم بصورة متدرجة وبصورة متناسبة مع التوسع الجاري في القطاع العام الصناعي ، لكن هذه الخطة تتم خلال عدة سنوات (خلال 5 سنوات) وهذا يعني أننا سنقوم بترشيد القوى العاملة في الصناعة وفي الوقت نفسه سنرفع من كفاءة القوى العاملة.. هذا هو المنهج الذي يمكن تحقيق هدف مع الترشيد الاقتصادي والتوسع الصناعي (عدم التسريح).

أما بالنسبة للتقانة والعمالة فقد تم وضعهما كمحورين أساسيين في الاستراتيجية التي تم إعدادها بالتعاون مع عدد من الخبراء العرب والدوليين، وهذا يعني أننا نعتبر أنه في أي مرحلة من مراحل التغيير الصناعي لها خصائصها المميزة بالنسبة للتقانة وللعمالة، وسيكون لها أهداف محددة للعمالة والتقانة في كل مرحلة.. ويقصد بذلك المرحلة القصيرة الأجل والمتوسطة والطويلة..

في هذا المضمار فنحن نشق طريقنا وفق خصوصيتنا التي تقوم على أساس اعتبار الدولة أن التعددية أساساً، وأن نشاط الدولة مطلوب مع نشاط القطاع الخاص، وأن الصناعة لابد أن تقوم بدور أساسي في التنمية الاقتصادية، وأن هذه العملية يجب أن تتم بصورة تدريجية دون أن تهدد السلام والاستقرار الاجتماعي، وفي الوقت نفسه يجب استهداف تحقيق واقع جديد يتميز بأداء اقتصادي أفضل وقدرة على مواجهة التحديات في الأسواق.. هذا هو التوجه باعتقاد وزير الصناعة السوري.

* بالنسبة للاستراتيجية الصناعية:

1-في الأجل القصير: تتضمن:

إعادة هيكلة القطاع العام الصناعي.

ترشيد الطاقات واستخدام الطاقات المتاحة للقطاع العام الصناعي.

تحديث القطاع العام الصناعي القائم، ومن خصائص التحديث: التحديث التقاني (التكنولوجي): تم في عدد من المصانع (لايستهان به) إدخال نظم التحكم في الإنتاج، وإدخال أنظمة المعلومات…

2-الأجل المتوسط (5 – 7 سنوات)، وفيه:

ينبغي البدء برفع حصة الصناعات الجديدة ليصبح لها شأن في الاقتصاد السوري.

إن تطور الصناعات الجديدة يجري في سورية بشكل محدود لكنه يجري ويشارك فيه القطاع الخاص بشكل فعال (القطاع الخاص نشط في الصناعات الصغيرة ، ففي دمشق شركة تنتج أنظمة التحكم وتبيعها للشركات الصناعية ، وهناك مشاريع عديدة في تجميع الحواسيب، ومشاريع أخرى مرتبطة بخدمات الانترنيت، ولدينا توجهات نحو الصناعات الجديدة)…

ولكن في المرحلة المتوسطة يجب أن لا تبرز هذه الصناعات كعنصر أكثر أهمية مما هو في الأجل القصير..

3-الأجل البعيد (فوق العشر سنوات):

يجب الانتقال إلى توجه يتصف بغلبة الصناعات الجديدة.

لدينا حيز كبير في الأجل المتوسط فنحن لا نملك الآن أي صناعات بتروكيميائية (دخل القطاع الخاص الصناعي في سورية في الصناعات البتروكيميائية مؤخراً وحصل على معونة من الرابطة المالية الدولية التابعة للبنك الدولي، وهناك جهات أخرى كصندوق الأوبك للتنمية الدولية حيث قدمت معونات للقطاع الخاص وتقدم)، فهناك توجهات في الصناعات الكيميائية أيضاً (مصنع مشروع مماثل لإنتاج الصودا الكاوية في حلب)، هذه المشاريع بدايات للتوسع البتروكيميائي..

لكن ما يسمى بالكتل الكبيرة فهي مشاريع ضخمة، ونحن في سورية ننشد المشاركات فالسياسة التي يتم انتهاجها في وزارة الصناعة هي: الحفاظ على القطاع العام التزاماً بقرار الدولة التاريخي بأنه (لا خصخصة)، ولكننا نقوم بالمقابل باستثمارات خاصة وعامة ومشتركة ، في هذا المضمار أشار السيد الوزير لزيارته مع وفد صناعي لإيران (متحدثاًعن المدينة البتروكيميائية في منطقة بندر إيمان) وهو مجمع بتروكيميائي ضخم متكامل مقام منذ أواخر سنوات الستين.. فالصناعة البتروكيميائية في إيران تقدمت تقدماً باهراً.. مبشراً بتعاون مشترك مع الإيرانيين في هذا المجال ، حيث نضع صيغ ونعرضها على الجهات المسؤولة ليتم الموافقة عليها والبدء بتنفيذها.. ، كما تم توقيع اتفاقية أولية مع مستثمر إيراني (لإنتاج الزجاج) بصورة مشتركة مع القطاع العام وبذلك نضمن التحكم الاستراتيجي في هذه الصناعة…

إن التوسع في هذه الصناعات سيساعد سورية على رفع القيمة المضافة ورفع شأن الصناعة وسيحقق الربح الاقتصادي في فروع صناعية لاتحقق ربحاً اقتصادياً حالياً….

فيما يخص التقانة فهي تؤدي لتقليل فرص العمل، حيث أن التقانات تتجدد بسرعة شديدة، منوهاً للشركات التي تم فيها الاستبدال والتجديد:

* فرص العمل قلت، وعدد من العاملين تقاعدوا بسبب السن.

*          تم وضع محور خاص بالصناعات الصغيرة والمتوسطة في الاستراتيجية الصناعية: وهذا المحور يعطي فرصاً كبيرة للعمالة، فخلال العام/ 2002 / قامت وزارة الصناعة بمسح الاقتصاد السوري (بتحديد عدد وأنواع المنشآت الصناعية الصغيرة والمتوسطة وخصائصها من حيث عدد العاملين – رأس المال – أنواع المنتجات – أنواع التقانة – أداء التسويق) بالتعاون مع عدد من خبراء من منظمة الامم المتحدة للتنمية الصناعية وخبراء من إيطاليا وشارك في فريق العمل خبراء من وزارة الصناعة قاموا بهذا المسح وقد أنجز هذا المسح في بداية العام ، ويجري الآن تطوير السياسات الجديدة في الصناعات الصغيرة والمتوسطة…. وهذا الموضوع هام جداً لأنه: يساعد على مضاعفة فرص العمل – يدخل تقانات جديدة وبالتالي فإن توسع وزارة الصناعة يستهدف صناعات كبيرة جداً (الصناعات البتروكيميائية) ، ويستهدف صناعات صغيرة جداً ومتوسطة (وهي مهمة) ، كما نريد إقامة عدد كبير من الصناعات قد تكون أحياناً بالقطاع العام ولكنها غالباً تكون في القطاع الخاص..

في وزارة الصناعة يتم دعم القطاعين معاً بكل قناعة وواقعية وفهم للواقع الاقتصادي.. إن التوسع في الصناعات الصغيرة والمتوسطة هو بغاية الأهمية: بالنسبة للصناعات الغذائية (الصناعات الزراعية) ونحن نعاني في سورية من أن قسماً كبيراً من إنتاجنا الزراعي لا يجد طريقاً للتصنيع ولا يجد طريقاً للتسويق والتصدير.. وفي هذا الإطار تم استقبال وفد من رجال الصناعة في إيطاليا وعقد اجتماعات مع شركات الصناعات الغذائية في دمشق ومن ثم في حلب للاتفاق على مشاريع مشتركة ومن ثم ستتم اجتماعات معهم في مجال النسيج ومن ثم في الصناعات الهندسية..

إن نصف الناتج الصناعي التحويلي في إيطاليا يأتي من الصناعات الصغيرة والمتوسطة، وفي دول مثل ألمانيا وأسبانيا وفرنسا لهذه الصناعات أهمية كبيرة.

  وفي الاستراتيجية الصناعية أيضاً توجهات لدعم إصلاح القطاع العام الصناعي (الصناعات الميكانيكية والهندسية ووسائط النقل) حيث تتم مفاوضات مع عدة جهات في تركيا وإيران في تطوير صناعة الجرارات والشاحنات ، إنتاج وسائط النقل (الاسعاف..) ، للاستفادة من قدرات سورية الميكانيكية لزيادة فرص العمل وتحسين الناتج المحل وإيران وبيلاروسيا والهند لإنتاج جرارات ، وتطوير صناعة الجرارات، ونتفاوض مع إيران وتركيا وإيطاليا وجهات أخرى لإنتاج الشاحنات، ونتفاوض مع جهات ثالثة لإنتاج (وسائط النقل الخاصة بالمستشفيات)…. هذا التوجه الذي يتم يهدف للاستفادة من قدرات سورية في ميدان الصناعات الميكانيكية، صناعة السيارات تحتاج لصناعات داعمة (إنتاج قطع غيار – إنتاج مواد للطلاء – إنتاج سلعاً عديدة).

* فيما يخص بإصلاح القطاع العام الصناعي:

1-لابد من حل التناقضات القائمة.. مشيراً إلى ضرورة تجاوب الإنتاج الزراعي مع حاجات الصناعة، كما يمكن إغلاق بعض المصانع..

2-معالجة مشكلة الاختلال في التوزع الصناعي، لابد من تشجيع اقتصاد السوق يعني تشجيع الاستثمار بأفضل الأماكن مؤتاة للاستثمار، وبأكثر الأماكن توفراً للأيدي العاملة، وبالتالي ستذهب الاستثمارات إلى حيث نحقق أداء" عالياً، أكثر الاستثمارات تذهب لأكثر الدول تطوراً وأقل الاستثمارات ستذهب إلى أكثر البلدان تخلفاً أو أقلها تطوراً.. فلابد من سياسات تصحيحية..

3-في قانون الاستثمار: هناك تشجيع إضافي على من يقيم استثمارات في محافظات لا تتوفر فيها فرص صناعية كثيرة.. لكن المسألة ليست فقط بالترخيص الاستثماري بل بإقامة معاهد فنية مساندة قريبة من واقع الصناعات المراد إنشاءها، حالياً نقلت كليات لبعض المحافظات ولكن لم تقم سياسات فعالة على الصعيد الوطني، على عاتق وزارة الصناعة مسؤولية تحديد المعاهد الفنية وبرامجها وفق لحاجات الصناعة والأسواق.. لتصبح أكثر تلبية لحاجات الصناعة ولحاجات الأسواق المتنافسة كمالدينا عدد من المعاهد والمصانع والمراكز التي تحتاج لتطوير…

4-تحديث وتطوير المراكز الإنتاجية لتكون ملبية للحاجات، وحاجة وجود معاهد في اختصاصات جديدة..

فالإصلاح هو بنيوي – اداري – قانوني – تكنولوجي..

وزارة الصناعة كلفت من قبل اللجنة الاقتصادية منذ أشهر عديدة بمراجعة نص: مشروع إصلاح المؤسسات الصناعية، وهذا النص يقوم على أساس إعطاء صلاحيات واسعة للشركات و إلغاء المؤسسات واستبدالها بالمراكز المتخصصة فرعياً والدمج (الصناعات الغذائية مع السكر)، (الصناعات الكيميائية مع الإسمنت)، (الصناعات الهندسية)، (الصناعات النسيجية)…هذه المراكز تقدم وفق الإصلاح الاقتصادي القائم مقترح مساندة في ميدان التخطيط الاستراتيجي، إعادة تأهيل العمالة، وتقدم المعونة في مجال التجديد والتطوير التكنولوجي، وفي تحديث وترشيد الإدارة الاقتصادية ، وتطوير الإدارة الإنتاجية ، وتقدم الدعم بالنسبة للتسويق و بالنسبة للتصدير، ويكون لكل مركز مجلس إدارة ليحدد التطور الاستراتيجي للشركة ويضم عضوين فقط لمن يتواجد في الشركة… والمجلس يضم الغالبية التي لاتكون موجودة بالشركة وهذه المراكز ترصد عمل الشركات وتقيمها ولكنها لا تفرض رأياً ولا تحاسب الشركات..

أما بالنسبة للصياغة القانونية على أن تكون هذه المراكز ذات صفة اقتصادية قانونية وإعطاءها صلاحيات واسعة كما هي المؤسسات حالياً.. أما بالنسبة لتوزيع الأرباح يتغيروتم وضع نظاماً خاصاً لتوزيع الأرباح ( قيد المناقشة في رئاسة مجلس الوزراء)…

د. عصام الزعيم