أكتوبر 31, 2015 دراسات وتقارير 0 تعليقات

الصناعة السورية في ضوء اتفاقيات الشراكة وتحرير التبادل التجاري

الصناعة السورية

في ضوء اتفاقيات الشراكة وتحرير التبادل التجاري

مقدمة :

في إطار التوجه العالمي الذي ساد في تسعينيات القرن الماضي المتمثل بإقامة التكتلات الاقتصادية والسياسية الإقليمية والدولية، وعقد اتفاقيات تحرير التبادل التجاري، واعتماد سياسة الأسواق المفتوحة ، وقعت سورية خلال النصف الثاني من تسعينات القرن الماضي مجموعة من الاتفاقيات الجماعية والثنائية في هذا التوجه  كان من أهمها اتفاقية منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى التي بدأ تطبيقها عام 1998 واستكملت في بداية عام 2005. كما قامت في عام 2004 بتوقيع اتفاقية تحرير التبادل التجاري مع تركيا التي دخلت حيز التنفيذ عام 2007 . كما تم التأشير على اتفاقية الشراكة السورية الأوروبية مرتين في عامي 2004 و2008 ، وتم تقديم طلب الانضمام لمنظمة التجارة العالمية حيث تم قبول سورية عضواً مراقباً في هذه المنظمة عام 2010 ويجري حالياً متابعة التحضير للحصول على العضوية التامة في هذه المنظمة ، وهناك تحضيرات لعقد اتفاقيات مشابهة مع عدد من الدول الأخرى.

تواجه الصناعة السورية في هذه المرحلة ظروفاً صعبة ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية خطيرة، الأمرالذي أدى وما يزال إلى إغلاق العديد من المصانع وتوقف أعداد أخرى عن الإنتاج  كلياً أو جزئياً. ويرجع العديد  من الصناعيين والمحللين السبب الرئيسي في ذلك إلى تحرير التبادل التجاري وفتح الأسواق السورية أمام منافسة غير عادلة أو شريفة مع المنتجات المستوردة.  وللوقوف على تقييم موضوعي لأثر هذه الاتفاقيات على الصناعة السورية سنحاول  في هذه المحاضرة وفي حدود المجال والوقت المتاح الإجابة على الأسئلة الأربع التالية:

1-    ماذا تضمنت هذه الاتفاقيات بالنسبة للصناعة السورية ؟

2-    ما هي النتائج الأولية لتطبيق هذه الاتفاقيات على الصناعة السورية ؟

3-    لماذا لا تستفيد الصناعة السورية من هذه الاتفاقيات بالشكل المطلوب ؟

4-    ما هو المطلوب اليوم؟

 

 

أولاً- ماذا تضمنت هذه الاتفاقيات بالنسبة للصناعة السورية ؟

تختلف اتفاقيات الشراكة عن اتفاقيات تحرير التبادل بأنها أوسع وأشمل حيث لا تقتصر على تحرير التبادل التجاري فقط بل تشمل جوانب اقتصادية واجتماعية وسياسية ومالية وخدمية  أوسع وأشمل .  إلا أنها وقدر تعلق الأمر بموضوع هذه المحاضرة  تجمعها بهذا الشكل أو ذاك النقاط التالية :

1- إلغاء الرسوم الجمركية على الواردات والصادرات من المنتجات الوطنية المتبادلة بشكل متدرج يتفق عليه، بعضها فوري والبعض الآخر يتم استكماله خلال فترة زمنية محددة .

 2- إقامة منطقة تجارة حرة تدريجياً خلال فترة انتقالية بدأً من تاريخ سريان الاتفاقية كانت 10 سنوات في منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى ثم جرى تخفيضها إلى ثماني سنوات ، في حين تصل إلى 12 سنة في الاتفاقية مع تركيا والاتحاد الأوروبي .

3- إلغاء الدعم والحصر والاحتكار خلال فترة تنفيذ الاتفاقية ، أو خلال فترة قصيرة محددة بعد نفاذها ،باستثناء بعض المنتجات التي يتم الاتفاق عليها ولفترة محددة ، وكذلك المنتجات  ذات الخصوصية الدينية والأخلاقية وغيرها مما تحدده هذه الاتفاقيات .

4- منع الإغراق ووضع آلية لمعالجته .

5- الحق بمعالجة الأضرار الملموسة التي تلحق بصناعات معينة وكذلك الحق في حماية الصناعات الناشئة أو قيد التأهيل وفق شروط محددة ولفترة زمنية محددة .

6- التشاور الدوري في متابعة نتائج التطبيق ومعالجة المشاكل والصعوبات التي تعترضه.

7- السماح بتراكم المنشأ من خلال استخدام المدخلات المنتجة في بلد أحد الشركاء  لإنتاج منتج في بلد الشريك الآخر.

من خلال استعراض النقاط السابقة يتبين أن هذه الاتفاقيات تتيح للصناعة السورية فرصاً عديدة كما تضع أمامها صعوبات وتحديات كبيرة . ومن أهم الفرص التي يمكن أن تستفيد منها الصناعة السورية هي:

1- السوق الاستهلاكية الكبيرة التي تضم  340مليون عربي و74مليون تركي و500 مليون أوروبي  بوسطي دخل فردي مرتفع.

 2- القرب الجغرافي من هذه الأسواق والعلاقات التجارية التقليدية والقديمة معها. حيث تعتبر سورية حلقة الوصل فيما بين هذه الأسواق ،ما يجعلها تتمتع بمزايا نسبية عديدة في مقدمتها سرعة النقل و التوريد.

3- الاستفادة مما تبقى أو قد يستجد من ظاهرة إعادة انتشار وتوزيع الصناعات ذات الكثافة العمالية العالية من أجل توطين مثل هذه الصناعات في سورية.

4- إقامة شراكات بين المستثمرين السوريين ونظرائهم في الدول الأخرى يمكن الاستفادة منها في نقل التكنولوجيا وأساليب الادارة والتسويق الحديثة بما فيها إمكانية تزويد الشركات العالمية بالمنتجات الصناعية السورية ( الملبوسات والمنتجات الغذائية مثلاً ).

5- تحريض الصناعة  السورية لتعبئة جهودها وإمكانياتها لتحسين نوعية منتجاتها وخفض تكاليفها وتلبية متطلبات الأسواق الخارجية ، ما يجعلها قادرة على دخول الأسواق الأخرى مستقبلاً بشكل أسهل.

6- الاستفادة من تخفيض الرسوم الجمركية على مدخلات الانتاج بما يساهم في تخفيض كلفة المنتج السوري وتحسين نوعيته مقارنة بنوعية مدخلات الانتاج من البلدان الأخرى .

7- الاستفادة من ميزة تراكم المنشأ في إعادة تصدير المنتجات التي تعتمد على بعض مستلزمات الانتاج  المنتجة في بلد الشريك الآخر.

وفي هذا المجال لابد من التأكيد على أن هذه الفرص ليست فرصاً جاهزة يمكن الحصول عليها بشكل تلقائي وفوري  بل هي فرص ممكنة  لابد من العمل الجاد و الدؤوب وعلى كافة المستويات   من أجل الاستفادة منها. 

أما التحديات والآثار السلبية  الناجمة عن هذه الاتفاقيات فأهمها:

1- القدرة التنافسية الكبيرة  للمنتجات المستوردة  مقارنة بمعظم المنتجات الوطنية من حيث الجودة والسعر وخدمة ما بعد البيع.

2- الدعم المتعدد الأوجه والأشكال الذي تقدمه البلدان الأخرى للصادرات الصناعية سواء بشكل مباشر أو / وعن طرق الخدمات الداعمة في التدريب والتسويق والمعارض والتمويل .

3- إساءة استخدام المزايا الممنوحة للدول الأعضاء فيما يتعلق بشهادة المنشأ ونوعية المنتج وقيمته الحقيقية.

4- وضع عقبات غير جمركية أمام دخول المنتجات السورية المنافسة لهذه الأسواق.

 

ثانياً- ما هي النتائج الأولية لتطبيق هذه الاتفاقيات على الصناعة السورية ؟

1-  فيما يتعلق بالتبادل التجاري :

يبين الجدول الملحق بالمحاضرة ، التبادل التجاري بين سورية والبلدان العربية وتركيا خلال الفترة 2005- 2009 ، وقد تم استخراجه من  بيانات المكتب المركزي للإحصاء عن التجارة الخارجية خلال الفترة ذاتها.  ومن خلال تحليل الأرقام الواردة في هذا  الجدول نستنتج ما يلي:

1-1  فيما يتعلق بالتبادل التجاري مع الدول العربية:

تحتل البلدان العربية المرتبة الأولى فيما يتعلق بالتبادل التجاري السوري . وقد شهدت الفترة  منذ عام 2005 ( وهي فترة استكمال منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى ) تطوراً كبيراً  في الصادرات السورية إلى البلدان العربية ، حيث ارتفعت قيمة الصادرات الكلية من حوالي 69  مليار ليرة سورية في عام 2005 إلى 360  مليار ليرة سورية في عام 2008 وانخفضت  في 2009 إلى 256 مليار بسبب تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية . وقد بلغت نسبة النمو بين عامي 2005-2009 حوالي 371%  ، ويلاحظ أن نسبة نمو صادرات  المنتجات نصف المصنعة بلغت خلال الفترة 2005-2009 حوالي 296%  وأن نسبة نمو الصادرات المصنعة بلغت  خلال نفس الفترة  611%  ( رغم انخفاض حجمها في عام 2009 عن عام 2008 بحوالي 38% ). كما  لابد من الإشارة إلى تطور ايجابي هام في بنية الصادرات السورية إلى البلدان العربية يتمثل بما يلي:

1- تحول  العجز في الميزان التجاري للمواد المصنعة الذي  بلغ في عام 2005 حوالي 21 مليار ل.س  إلى فائض وصل في عام 2008 إلى 130 مليار ل.س  وانخفض إلى حوالي 75 مليار ل.س في عام 2009. 

2 – ارتفاع  نسبة الصادرات الصناعية إلى إجمالي الصادرات في عامي 2007 و2008 إلى حوالي 50% و52% على التوالي  لتنخفض إلى 45% في عام 2009  . كما شكلت الصادرات من المواد نصف المصنعة في عام 2008  نسبة 35% من إجمالي الصادرات وانخفضت في عام 2009 إلى 28% وذلك على حساب الصادرات من المواد الأولية التي انخفضت من حوالي 38% في عام 2005 إلى 14% في عام 2008 لترتفع إلى 27% في عام 2009 .

بالمقابل ارتفع  حجم الواردات من الدول العربية من حوالي 63  مليار ليرة سورية في عام 2005 إلى 130 مليار في عام 2008 وانخفض  إلى117  مليار في عام 2009 حيث بلغت نسبة نمو الواردات خلال الفترة 2005-2009  حوالي 186% . ويلاحظ أن وسطي نسبة المواد الأولية إلى إجمالي الواردات من البلدان العربية كان  خلال الفترة 2005-2009 بحدود 9% في حين كان وسطي  نسبة المواد نصف المصنعة 49% والمواد المصنعة 42% . أي أن هناك العديد من المنشآت الصناعية الخاصة والعامة قامت بتصدير هذه المنتجات واستطاعت الاستفادة بشكل ايجابي من الفرص التي أتاحتها منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى . ولم تنحصر الفائدة على المنتجات الصناعية بل شملت المنتجات الأخرى حيث كانت حصيلة التبادل التجاري الإجمالي بين سورية والبلدان العربية لصالح سورية بنسبة كبيرة حيث ارتفع حجم الفائض التجاري بين سورية والبلدان العربية من حوالي 6 مليار ليرة سورية في عام 2005 إلى حوالي 230 مليار ل.س في عام 2008 وانخفض إلى نحو 139 مليار في عام 2009 .

1-2 – فيما يتعلق بالتبادل التجاري مع تركيا:

بدأ تنفيذ اتفاقية التجارة الحرة مع تركيا عام 2007  وبالتالي فإن نتائج تطبيق هذه الاتفاقية لم تتضح بشكل تام حتى الآن. وتشير البيانات إلى أن حجم الصادرات السورية إلى تركيا قد ارتفع من حوالي 16  مليار ليرة سورية في عام 2006 إلى حوالي 30  مليار في عام 2008 وانخفض إلى حوالي 15  مليار في عام 2009  بسبب تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية . ومن الملاحظ أن نسبة الصادرات من المواد الأولية إلى إجمالي الصادرات إلى تركيا قد ارتفعت من 19% في عام 2006 إلى 25% في عام 2007 وإلى 63% في عام 2008 لتنخفض في عام 2009 إلى 53%.  كما بلغت نسبة المواد المصنعة 54% في عام 2007 لتتراجع إلى 27% في عامي  2008  و2009 . في حين  انخفضت نسبة الصادرات من المنتجات نصف المصنعة من 31% في عام 2006 إلى 10% في عام 2008 لترتفع إلى 20% في عام 2009 . 

بالمقابل ارتفع  حجم الواردات من تركيا من حوالي 21 مليار ليرة سورية في عام 2006 إلى 54 مليار في عام 2009 ما يؤكد أن التبادل التجاري الإجمالي بين سورية وتركيا  كان لصالح تركيا حيث ارتفع العجز التجاري معها  من 5 مليار في عام 2006 إلى حوالي 40 مليار في عام 2009 باستثناء عام 2008 الذي سجل فائضاً لصالح سورية بحدود 7 مليار ل.س .  وفي هذا المجال لابد من الإشارة إلى ما يلي:

1-    تركزت الصادرات السورية إلى تركيا بالدرجة الأولى وبنسبة كبيرة على المواد الأولية وبالدرجة الثانية على المنتجات  المصنعة ونصف المصنعة  .

2-    تركزت الواردات السورية من تركيا على المنتجات نصف المصنعة  والمنتجات المصنعة بشكل متقارب .

من جانب آخر تختلف الواردات التركية عن الواردات العربية بأنه لم  يسجل – حسب علمنا- وجود  تزوير لشهادات المنشأ لبضائع لا تحقق شرط المنشأ التركي ، ولكن المشكلة فيما يتعلق بالواردات التركية هي في سياسة الدعم المتعدد الأوجه المباشر وغير المباشر  المقدم إلى الصناعة التركية إضافة إلى تمتع العديد من الصناعات التركية بمزايا نسبية من حيث الجودة والسعر ليس مقارنة بالمنتجات السورية بل ببعض المنتجات الأوروبية أيضاً. إن التقييم الأولي لنتائج هذه  الاتفاقية من خلال البيانات المتاحة لثلاث سنوات ولغاية عام 2009 يشير إلى  أن أثر الاتفاقية مع تركيا لم يكن كما هو بالنسبة لمنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى سواء لجهة الميزان التجاري حيث العجز  أو لجهة التركيب النوعي للصادرات حيث تركزت كما بينا على المواد الأولية ونصف المصنعة بشكل أساسي،  في حين كانت الواردات السورية من تركيا على عكس ذلك،  الأمر الذي يتطلب مجموعة من الإجراءات والتدابير على المستوى الكلي والمتوسط والجزئي لاستدراك هذا الخلل بما في ذلك إمكانية دراسة  تعديل بعض بنود الاتفاقية معها إن تطلب الأمر ذلك.

2-  فيما يتعلق بالأثر على المنشآت الصناعية :

تنقسم المنشآت الصناعية الخاصة في سورية إلى ثلاث فئات:

1- الفئة الأولى وتتضمن منشآت بسيطة وذات إمكانيات متواضعة جداً  في الادارة والانتاج والتسويق  وغالياً ما تكون غير قادرة بوضعها الحالي على  الصمود والمنافسة وهي المهددة بالخروج أولاً قبل غيرها وقد خرج فعلياً قسم منها خلال الفترة السابقة وما يزال.

2-  الفئة الثانية وهي المنشآت الحرجة ،  التي وإن كانت أفضل من الفئة الأولى نسبياً وتملك إمكانيات للتطور، إلا أن بقاءها وصمودها  بحاجة إلى جهود كبيرة من أصحابها ومن الجهات الحكومية المختلفة للتحديث والتطوير وفي غير ذلك فإن مصيرها سيكون كالفئة الأولى .

3-  الفئة الثالثة وتشمل المنشآت المتطورة نسبياً والقادرة على المنافسة والصمود وهي مطالبة باستمرار العمل والتطوير من أجل  المحافظة على وجودها ونجاحها وهذه مهمة ليست بالسهلة في ظل الأوضاع الاقتصادية المحلية والإقليمية السائدة.

من المؤسف  أن أية جهة عامة أو خاصة لم تقم حتى الآن بإحصاء عدد المنشآت التي خرجت فعلياً من السوق أو توقفت عن الانتاج كلياً أو جزئيا  باستثناء بعض التصريحات الصحفية والشخصية  لعدد من الصناعيين في دمشق وحلب  . وما بين أيدينا رسمياً  البيانات والمعلومات التي أعلنتها  وزارة الصناعة  في أوائل عام 2011 والتي تتعلق بعدد التراخيص  الصناعية الممنوحة والملغاة والتي تشير إلى ضعف الإقبال على الصناعة والاستمرار بها  كقطاع استثماري مجزي،  حيث تشير هذه البيانات إلى أن عدد المشاريع الصناعية المنفذة سنوياً  قد تراجع  من 2251 مشروعاً في عام 2006 إلى  1718 مشروعاً في عام 2007 وإلى 1658 مشروعاً في عام 2008 وإلى 1476 مشروعاً في عام 2009  وصولاً إلى 1408 في عام  2010 حيث بلغت نسبة التراجع بين 2006-2010  حوالي 38%  . كما تم إلغاء3282 سجلاً وقراراً صناعياً  في عام 2009 بناء على طلب أصحابها واستناداً لما تقتضيه القوانين والأنظمة النافذة وذلك حسب قول وزارة الصناعة آنذاك. من جانب آخر ، أشارت  بيانات وزارة الصناعة المتعلقة بالقطاع الخاص الصناعي إلى أن التراجع كان  بشكل رئيسي في الصناعات النسيجية فالصناعات الكيميائية والهندسية والغذائية. وأن حوالي 85% من المنشآت الملغاة هي من المنشآت الصغيرة المحدثة وفق القانون رقم 21 لعام 1958 وحوالي 7% من المنشآت المحدثة وفق قانون تشجيع الاستثمار. كما أشارت البيانات إلى أن 46% من المنشآت الملغاة كانت من الصناعات النسيجية و25% من الصناعات الهندسية و20% من الصناعات الكيميائية و9% من الصناعات الغذائية ، وإذا أضفنا إلى ذلك حالات التوقف الجزئي والكلي لقسم  من المنشآت الصناعية في دمشق وحلب ، وانتقال العديد من الصناعيين إلى التجارة أو/ واستيراد منتجات جاهزة من الصين بأسماء منتجاتهم الأصلية عوضاً عن إنتاجها  في معاملهم ، وكذلك الأعداد الكبيرة للمنشآت الصناعية غير النظامية التي تنتج لنفسها أو / و لصالح المنشآت الصناعية الأخرى والتي  يقدرها البعض بحجم المنشآت الصناعية  النظامية ، فإن كل ذلك  يبين  الوضع الصعب والدقيق الذي تعيشه الصناعة السورية والمخاطر الجدية التي تواجهها  في الوقت الراهن.

إن خطر الإغلاق والخروج من السوق ما يزال يتهدد عدداً غير قليل من المنشآت الصناعية  وهي على الأغلب ودون الدخول في التعميم المنشآت التالية:

1- المنشآت التي تقوم بالتجميع واللمسات الأخيرة  ومنشآت المزج والخلط والتعبئة التي لا تستطيع تحقيق شروط المنشأ المحلي أو التراكمي.

2- المنشآت ذات القدرة التنافسية الضعيفة في مجال الجودة والتصميم والسعر وذات المكون التكنولوجي الضعيف والقيمة المضافة المنخفضة .

3- المنشآت الصناعية غير النظامية التي تزود  بعض المنشآت النظامية المهددة بالخروج  بجزء من منتجاتها وخدماتها الإنتاجية. 

4- شركات القطاع العام الصناعي التي لم يتم إصلاحها وإدارتها بأسلوب المنشآت الخاصة ،  حيث يواجه القطاع العام الصناعي ( إضافة للصعوبات والتحديات المشتركة مع القطاع الخاص الصناعي) فإنه يواجه صعوبات ومخاطر إضافية أكثر جدية بسبب وضعه الحالي الإداري والفني والإنتاجي والتسويقي وأسلوب إدارته وصلاحيات ومسؤوليات هذه الإدارة ما يجعله أكثر عرضة للتوقف.   

ولاشك بأن التأخر في إصلاح القطاع العام وتحديث الشركات الصناعية الخاصة التي يمكنها الاستمرار في حال تم تحديثها ، سوف يؤدي بكل تأكيد لزيادة عدد الشركات المتوقفة أو المهددة بالتوقف.

ثالثاً- لماذا لا تستفيد الصناعة السورية من هذه الاتفاقيات بالشكل المطلوب؟

بعد استعراض وتحليل البيانات المتعلقة بالتجارة الخارجية بين سورية والبلدان العربية وتركيا يتبادر إلى أذهاننا سؤال هام جداً هو : لماذا يشكو الصناعيون أو القسم الأعظم منهم من نتائج تطبيق هذه الاتفاقيات وآثارها السلبية ؟ ولماذا لا تستفيد الصناعة السورية من هذه الاتفاقيات بالشكل المطلوب  ؟

في اعتقادنا أن المشكلة لا تكمن كلها  في الاتفاقيات بحد ذاتها ، بل في ستة أسباب أخرى ذات علاقة بتطبيق هذه الاتفاقيات وهي:

1-سوء استخدام بعض المزايا التي تتيحها هذه الاتفاقيات والمتمثلة بتزوير شهادات المنشأ لبضائع صينية وغيرها لتدخل السوق السورية معفاة من الرسوم الجمركية وبالتالي منافسة المنتج الوطني.

2- الدعم الخفي والمعلن الذي تقدمه بعض البلدان العربية وتركيا للمصدرين سواء بشكل مباشر    أو / وغير مباشر من  خلال الخدمات الداعمة ، مقابل غياب أية إجراءات مماثلة بالنسبة للصناعة السورية حتى الآن.

3-    التهاون والفساد والإفساد فيما يتعلق بالتخليص الجمركي وخصوصاً فيما يتعلق بقيمة فواتير الاستيراد وتصنيف المواد المستوردة  ونوعية ومواصفات المنتج المستورد وقصور الجهات المعنية في معالجة هذه الأمور بشكل جاد وفعلي بمنظور وطني بعيداً عن توفيق هذه المعالجات بما ينسجم مع  مصالح بعض الفئات المتنفذة.

4-    ضعف التنسيق والترابط بين عملية تحرير التبادل التجاري من ناحية وتنفيذ برنامج شامل ومتكامل لتحديث وتطوير الصناعة الوطنية من ناحية أخرى، لتحسين قدرتها التنافسية وتمكينها من مواجهة متطلبات ونتائج استكمال اتفاقيات تحرير التبادل التجاري مع الدول العربية وتركيا والاتفاقيات الأخرى المشابهة التي يمكن توقيعها مستقبلاً ، ما أدى إلى ضعف منافسة العديد من المنتجات المحلية مقارنة بالمنتجات المستوردة لجهة السعر والجودة وخدمة ما بعد البيع وما نجم عن ذلك من خروج وتوقف كلي أو جزئي للعديد من المنشآت الصناعية.

5-    ضعف البنية الهيكلية للمنشآت الصناعية بسبب اعتمادها على الصناعات التقليدية الخفيفة التي تقوم إما على موارد زراعية وتعدينية محلية، أو صناعة تجميعية (إحلال الواردات)  وهي في الحالتين ذات قيمة مضافة متدنية ومكون تكنولوجي بسيط تفتقر إلى روح الابتكار والإبداع، الأمر الذي حال وما يزال يحول دون الانتقال من الميزة النسبية التي تتمتع بها سورية (من حيث موقعها الجغرافي والقرب من الأسواق وتوفر كافة حلقات الإنتاج في عدد من الصناعات كالصناعات النسيجية والغذائية) إلى الميزة التنافسية  في مجال النوعية والسعر

6-    عدم قيام الجهات الحكومية ومنظمات وجمعيات الأعمال بالتعريف الكافي بمضمون هذه الاتفاقيات ومتطلبات الاستفادة منها وتجنب مخاطرها وآثارها السلبية ما أدى إلى ضعف معرفة الصناعيين المفصلة بمضمون هذه الاتفاقيات وكيفية الاستفادة منها وتخفيف جوانبها السلبية.

يضاف إلى ذلك مجموعة من الأسباب التاريخية والظروف العامة والخاصة  التي رافقت نشوء وتطور الصناعة السورية  والتي ما يزال قسم هام منها قائماً حتى اليوم ومن أهمها:  :

1-    تطبيق نظام حماية مطلق للإنتاج الوطني (عام وخاص) تجاه المنتجات الأجنبية من جهة، وحصر لعدد من المنتجات الصناعية بالقطاع العام من جهة أخرى، وقد تم ذلك  لفترة طويلة من السنين وحتى وقت قريب ، دون تحديد شروط وفترة زمنية ملزمة ومحددة للاستفادة من هذه الحماية أو الحصر يتم خلالها تحسين نوعية المنتج الوطني وخفض تكاليفه وبالتالي تعزيز قدرته التنافسية.

2-    الافتقار إلى العديد من الهيئات الداعمة الضرورية لتعزيز القدرة التنافسية للمنشآت الصناعية مثل المراكز الفنية المتخصصة والمخابر المعتمدة دولياً والهيئات المختصة بالتسويق والترويج والتمويل، والمكاتب والشركات الاستشارية المؤهلة. كما أن الهيئات الداعمة القائمة حالياً (مثل هيئة المواصفات والمقاييس ومركز الاختبارات والأبحاث الصناعية ومراكز التدريب المهني والمعاهد الصناعية المتوسطة والأقسام الصناعية في كليات الهندسة ومعاهد وكليات إدارة الأعمال) ذات إمكانيات وأدوار محدودة وبحاجة ماسة إلى التطوير والتحديث لتمكينها من تلبية الاحتياجات الحالية والمستقبلية للقطاع الصناعي.

3-    ضعف التمويل الصناعي وارتفاع تكاليفه وصعوبة شروطه، ما يضطر الصناعيين إلى الاعتماد على مواردهم الذاتية في إقامة وتشغيل منشآتهم الصناعية، أو كما يحصل في كثير من الأحيان تشغيل أموال الأقارب والغير وبفوائد كبيرة، ما يزيد من أعباء وكلفة بدء واستمرار العمل الصناعي. وعلى الرغم من إعلان المصارف العامة والخاصة عن وجود إيداعات كبيرة وسيولة  لديها بحاجة إلى استثمار – حيث تشير البيانات إلى أن حجم فائض السيولة في المصارف العامة والخاصة بلغ  حتى نهاية عام 2009 نحو 256 مليار ليرة سورية بالليرة السورية والقطع الأجنبي إلا أن السيولة المتاحة لا تتوجه إلا بنسبة ضئيلة جداً إلى التمويل الصناعي تتراوح  بين 6-8% ، في حين تتوجه غالبيتها إلى العقارات والسيارات والتجارة.

4-    غلبة الأسلوب التقليدي والعائلي لدى القسم الأعظم من القطاع الخاص الصناعي في إدارة منشآته  ما يؤثر بشكل كبير على كفاءة عمل هذه المنشات وتطبيق أساليب الإدارة الحديثة فيها بسبب افتقارها إلى الكفاءات الإدارية والمالية والإنتاجية والتسويقية،وقد اضعف ذلك قدرة الصناعة السورية على تلبية متطلبات السوق الأوروبية من حيث الجودة والسعر والمواصفة والالتزامات البيئية والاجتماعية ، وكان وما يزال يحد من استفادة الصناعيين السوريين بشكل كبير من  فرصة اتفاقية عام 1977 مع الاتحاد الأوروبي وكذلك من فرصة  إلغاء العمل  بنظام الحصص للمنتجات النسيجية  عام 2005 ، ما جعل هذه الاستفادة محصورة  بعدد قليل من المنتجين والموردين الذين يصدرون منتجاتهم النسيجية والغذائية  وغبرها سواء بعلامتهم التجارية الوطنية أو تحت  علامة  تجارية عالمية. إن ضعف الخبرات التسويقية والفنية للمنشآت الصناعية السورية في التعامل مع الأسواق الأوروبية يمنح البلدان المجاورة لسورية فرصة شراء المنتجات الصناعية نصف المصنعة أو الدوكما واستكمال عملية توضيبها أو تعبئها وتغليفها وتصديرها إلى الأسواق الأوروبية وغيرها، وبذلك تفقد الصناعة السورية القيمة المضافة العالية التي يمكن تحقيقها من هذه المراحل الأخيرة من سلسلة الانتاج  بينما المطلوب من الصناعيين القيام بهذا الدور بأنفسهم وبشكل مشابه.

5-  آثار وتداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية من خلال تراجع الصادرات وضعف الطلب المحلي بسبب ضعف القوة الشرائية وانخفاض تحويلات العاملين السوريين في الخارج وحالة الترقب والانتظار والالتزام بالأولويات بالنسبة للطلب الداخلي.

6- زيادة الأجور وأسعار المحروقات، المازوت ثم الفيول،  دون أن يترافق ذلك مع سياسة تعويضية وخاصة للصادرات.

7- التبدلات الكبيرة والمفاجئة (انخفاضاً وارتفاعاً) بالنسبة لقيمة العملات الأجنبية (اليورو، الدولار، وعدد من العملات الخليجية)، وكذلك أسعار العديد من المواد الأولية، ما أدى إلى وقوع خسائر كبيرة في عملية شراء مستلزمات الإنتاج المستوردة في الحالتين مثل الحديد، النحاس، المنتجات البتروكيميائية، إضافة إلى الغزول القطنية وبالتالي وقوع خسائر في عقود التصدير الموقعة.

8- البطء في معالجة أوضاع القطاع العام الصناعي الذي يستنزف بوضعه الحالي  الموارد المالية والبشرية الموجودة فيه بسبب عدم التوصل منذ أكثر من عشر سنوات وحتى الآن إلى برنامج  توافقي متكامل لإصلاحه ومعالجة مشاكله، وبشكل خاص بيئة العمل الإدارية والتنظيمية والمالية التي يعمل ضمنها وأسلوب اختيار إداراته. عملياً لم تستطع  المحاولات والإجراءات والقرارات العديدة في مجال إصلاح القطاع العام الصناعي حتى الآن تحقيق الهدف المرجو منها لأسباب عديدة في مقدمتها:

1.     عدم وجود رؤية واضحة ومعتمدة حول وجود ومستقبل القطاع العام الصناعي وفق برنامج زمني ومادي للتنفيذ.

2.     جزئية المعالجة والحلول.

3.     نقل ومحاكاة تجارب خارجية دون مراعاة الوضع المحلي.

4.     عدم وجود توافق أو إجماع وطني على ما تم طرحه من قبل الحكومة واتحاد  نقابات العمال والقوى السياسية والاجتماعية الأخرى.

5.     ضعف العمل المؤسساتي الذي يحول دون استمرار ومتابعة الجهود والتوجهات التي يتم البدء بها في هذا المجال  وتبدلها مع تبدل الإدارات.

 

رابعاً- ما هو المطلوب اليوم ؟

شكل  تطبيق اتفاقية منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى واتفاقية تحرير التبادل التجاري مع تركيا  نموذجاً تعريفياً  وتمريناً مبسطا لما يمكن أن تؤول إليه أحوال الصناعة في ظل استمرار سياسة فتح الأسواق أمام المنتجات المستوردة والأساليب الحالية المتبعة في الجمارك وغيرها من الإدارات .   وفي ضوء حدوث عدد من النتائج السلبية الناجمة عن تنفيذ هذه الاتفاقيات ، اتخذت الحكومة السابقة مجموعة من الاجراءات والتدابير لمعالجة هذه الظواهر السلبية حيث صدر عدد من المراسيم والقوانين كان من بينها تخفيض الرسوم الجمركية على المواد الأولية ومستلزمات الانتاج،  تخفيض ضرائب الأرباح ،تخفيض سعر الفيول، وضع سعر أدنى لعدد من المنتجات الصناعية المستوردة المماثلة للمنتجات المحلية، الاتفاق مع شركتيمراقبة دوليتين لمراقبة مواصفات المستوردات، إلغاء العمل بالمخصصات الصناعية ، إلغاء عمولة مؤسسات التجارة الخارجية ، إصدار قانون المنافسة ومنع الاحتكار وقانون حماية الصناعات الناشئة وتحديث قانون الاستثمار وقانون الشركات وإحداث هيئة الاستثمار السورية والنافذة الواحدة ، والعمل على تنفيذ مضمون الميثاق الأورو متوسطي في مجال تبسيط الاجراءات وتحسين بيئة عمل الاستثمار الصناعي وغير ذلك….  كما تم في شهر أيار 2007 إطلاق برنامج التحديث والتطوير الصناعي بالتعاون مع منظمة اليونيدو وبتمويل من الحكومة الايطالية والذي تولى تحديث 36 شركة نسيج وملابس منها 3 شركات عامة ،  إضافة إلى تنفيذ عدد آخر من برامج التعاون مع الاتحاد الأوروبي مثل برنامج التحديث القطاعي والمؤسساتي وبرنامج دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وبرنامج  تحديث التعليم المهني وبرنامج الجودة والميثاق الأوروبي المتوسطي وغيره…..

 وقد كان من المفترض أن تقوم  الجهات العامة والخاصة المعنية في ضوء  الدروس الأولية المستخلصة من تنفيذ اتفاقيات تحرير التبادل التجاري العربية والتركية وتأخر توقيع اتفاقية الشراكة السورية الأوروبية  في وضع وتنفيذ البرنامج الشامل للتحديث الصناعي الذي تم إنجازه أواخر عام 2007  على المستويات الثلاثة:  الكلي والمؤسساتي والجزئي،  إلا أن ما تم ، على الرغم من أهميته ، جاء متأخراً وكانت  نتائجه متواضعة بسبب ضعف فعالية الاجراءات والتدابير المتخذة أو البطء في تنفيذها  ومتابعتها  ودون إدراك أن تعزيز القدرة التنافسية للصناعة السورية  يجب أن يكون في رأس أولويات السياسات الاقتصادية والصناعية سواء تم توقيع اتفاقيات  الشراكة وتحرير التبادل التجاري أم لا،  لأن وجود ومصير الصناعة السورية أصبح في ضوء الظروف والمستجدات الإقليمية والدولية منذ تسعينيات القرن الماضي وحتى اليوم  يتوقف على قدرتها التنافسية . ولا شك بأن ما وصلت إليه الصناعة السورية اليوم  يضيف أعباء  وتحديات جديدة مادية وزمنية من أجل استدراك ما كان يجب القيام به خلال المرحلة السابقة.

إن عدداً كبيراً من  المنشآت  الصناعية حرفية وصغيرة ومتوسطة ممن  تتوفر فيها إمكانية البقاء والنمو بحاجة ماسة إلى التحديث والتطوير لتمكينها من مواجهة متطلبات واستحقاقات تطبيق اتفاقيات الشراكة وتحرير التبادل التجاري . وإن عدد المنشآت المهددة بالإغلاق قابل للزيادة في حال تم التأخر لأي سبب كان في بدء عملية تحديث وتطوير هذه الشركات .

إن عملية التحديث والتطوير الصناعي لها شروطها ومستلزماتها على مستوى الاقتصاد الكلي والمتوسط والجزئي ولا يمكن تحقيق النجاح المطلوب دون تكامل هذه المستويات . بمعنى أن التحديث الصناعي لا يمكن أن يتم دون إرادة جادة من أصحاب المنشآت الصناعية في تحديث منشآتهم وتوفير متطلبات ذلك  من قبلهم ، بنفس الوقت فإن نجاح جهود أصحاب المنشآت لا يمكن أن يؤتي ثماره  دون توفير المؤسسات الداعمة الفعالة وكذلك السياسات الصناعية المناسبة من قبل الجهات الحكومية .

وتفيد تجارب بعض  الدول العربية والناشئة أن عملية التحديث الصناعي تبدأ ببرنامج رائد لقطاع مختار ذي أولوية بالنسبة للإقتصاد الوطني ومن ثم يتم اقامة المؤسسات والهيئات اللازمة لتوسيع هذه العملية لتشمل  الفروع الصناعية الأخرى . وفي سورية تم تنفيذ الخطوة الأولى  كما سبق أن أشرنا في 2007  ببرنامج التحديث والتطوير الصناعي في سورية IMUP-SYRIA  لتحديث 36 شركة نسيجية منها 3 شركات عامة ، وكان من المفترض أن يتم التحضير لمتابعة عملية التحديث والتطوير الصناعي فور انتهاء المرحلة الأولى من هذا  البرنامج لضمان استمرارية العملية وتوسيعها إلا أن ذلك لم يتم عملياً حتى الآن  ما أدى إلى انقطاع وتوقف بين المرحلة الأولى والثانية من هذا البرنامج الضروري والهام .

إن  العناية والاهتمام  بالشركات الصناعية الناجحة والقادرة اليوم على مواجهة المنافسة في سوقها الداخلية وفي أسواقها الخارجية يجب ألا تقل أهمية عن الاهتمام بالشركات الصناعية الأخرى لأن المحافظة على الاستمرار بالنجاح لا يقل –إن لم يكن أكثر – صعوبة من تحقيق  النجاح نفسه ، لذلك فإن كافة الشركات الصناعية الناجحة اليوم يجب أن تدرك – وربما تدرك فعلاً- حاجتها لجهود دائمة ومستمرة من أجل المحافظة على نجاحها . إن عملية التحديث والتطوير الصناعي عملية متجددة ومستمرة وبالتالي لا يمكن أن تتوقف بمجرد تحقيق الهدف الآني منها كون المنافسة لا تتوقف وفي كل يوم هناك تحديات ومستجدات على كافة الأصعدة  يجب على الشركات الناجحة أن تستشعرها وتتخذ ما يلزم وفي الوقت المناسب لمقابلتها، وعلى الجهات العامة ومنظمات رجال الأعمال دعمها ومساندتها في هذا التوجه .

اليوم وفي ضوء المراجعة العامة لنتائج السياسات الاقتصادية والصناعية التي أوصلت الصناعة السورية إلى هذه الأوضاع المؤسفة ، وفي ضوء إعلان الحكومة الجديدة والجهات المعنية عن رغبتها الأكيدة في معالجة هذه الأوضاع بما يعيد الصناعة السورية إلى حالة التعافي والانتعاش فإنه لا بد هنا من اتخاذ الإجراءات والتدابير التالية:

1- تكليف فريق عمل فني (قانوني وصناعي)  مهمته وضع تصور وآلية عمل لتعديل بعض مواد اتفاقيات الشراكة وتحرير التبادل التجاري ومعالجة بعض النتائج السلبية التي أدت إليها هذه الاتفاقيات، وكذلك الاستفادة من النصوص المتعلقة  بمكافحة الإغراق وحماية الصناعات الناشئة سواء بتشميل أكبر عدد ممكن من الصناعات  فيها  أو / و تمديد الفترة الزمنية الممنوحة لهذه الصناعات خلال فترة تنفيذ الاتفاقية على أن يترافق ذلك بتكثيف جهود هذه الصناعات من أجل تطوير قدرتها التنافسية خلال الفترة المحددة.

2- الإسراع في إحداث مركز التحديث الصناعي ليتولى تحديث وتطوير الشركات الصناعية التي تحتاج لعملية التحديث من أجل متابعة نشاطها وزيادة قدرتها التنافسية ، على أن يترافق ذلك مع إحداث الصندوق الوطني الخاص بالتحديث الصناعي الذي يتولى تمويل جزء من تكاليف تحديث هذه الشركات من المبالغ التي تتوفر له من فرض رسم بسيط على المستوردات الصناعية والهبات المقدمة من الجهات المانحة ومن النسبة التي يفترض أن تسددها الشركات المستفيدة  من تكاليف تحديثها ومن الاعتمادات التي يمكن أن تخصصها الدولة لهذا الغرض. 

3- تشكيل مجلس خاص للتنمية الصناعية يتولى وضع ومتابعة تنفيذ الخطط والاستراتيجيات والسياسات الخاصة بالتنمية الصناعية ومتابعة تنفيذها، والتنسيق ما بين الوزارات والجهات العامة والخاصة ذات العلاقة بالصناعة برئاسة رئيس مجلس الوزراء بحيث يضم إضافة إلى الوزراء المعنيين  ممثلين فعالين من القطاع الخاص ومن المختصين والمستشارين. ويمكن أن ينبثق عن هذا المجلس لجان وطنية مختصة للنهوض بفروع الصناعة الوطنية الرئيسية والمستهدفة.

4- إعطاء مسألة التمويل الصناعي بكافة مستوياته: المتناهي الصغر والصغير والمتوسط  الاهتمام المطلوب من المصارف والصناديق العامة والخاصة وبشكل خاص ما يتعلق بتسهيل شروطه وضماناته ، مع التأكيد على أن تكون المنشأة الصناعية بآلاتها وتجهيزاتها وبنائها هي ضمانة القرض المطلوب باعتبار أن مخاطر إغلاق المنشآت الصناعية كلياً أو جزئياً  أو تراجع النشاط الصناعي أكثر ضرراً وخطرا من الناحية الاقتصادية والاجتماعية على الاقتصاد الوطني من تأخر تسديد القرض أو إعادة جدولته.ومن الهام جداً في هذه المرحلة الحرجة بالذات دراسة  تقديم قروض قصيرة وبشروط ميسرة للمنشآت الصناعية المتعثرة حالياً لاستخدامها كرأسمال عامل من أجل تحريك  الانتاج والأسواق والمحافظة على وجودها والعاملين فيها.

 

5-إحداث المؤسسات الداعمة الضرورية  للصناعة وبشكل خاص المراكز الفنية المتخصصة        ( نسيجية ، غذائية ، هندسية ، كيميائية…)  التي تتولى توفير خدمات المخابر المعتمدة  والمعلومات الصناعية والتسويقية والتدريبية والدراسات والاستشارات المختصة في كل قطاع، على أن تعمل بشكل مستقل وبالمشاركة مع القطاع الخاص. وكذلك تفعيل دور المؤسسات والهيئات الداعمة القائمة حاليا مثل هيئة المواصفات، ومركز الاختبارات ، مع إعطاء الاهتمام اللازم  لتطوير المديرية العامة للجمارك والجهات الأخرى ذات العلاقة بالتجارة الخارجية لضمان التطبيق السليم والعادل للاتفاقيات في هذه المجالات بما في ذلك مجابهة إمكانية استخدام  بعض الدول المواصفات والاشتراطات الفنية وغير الفنية الأخرى  كوسيلة لإعاقة دخول  المنتجات السورية إلى أسواقها.

6- إحداث الهيئة الموحدة للتعليم والتدريب المهني لتتولى عملية تطوير وتشغيل  كافة مراكز ومعاهد  التدريب والتعليم المهني بشكل عصري متقدم ( مناهج ومدربين وأدوات) وبشكل  يلبي  الاحتياجات الحالية والمستقبلية للصناعة السورية وإدارة هذه الهيئة والمراكز التابعة لها بالمشاركة مع القطاع الخاص والجامعات والمؤسسات التعليمية  والبحثية الأخرى.

7-  اعتماد وتنفيذ برنامج وطني متكامل لإصلاح القطاع العام الصناعي، يركز بشكل أساسي على تحسين بيئة عمل هذا القطاع الإدارية والتنظيمية والمالية والإنتاجية وأسلوب اختيار إداراته، بما يؤدي إلى معالجة مشاكله وتمكينه من العمل كالقطاع الخاص بالأسلوب الذي يجعله قطاعاً رابحاً منافسا قادراً على البقاء والتوسع بإمكانياته الذاتية ، ولا يختلف عن القطاع الخاص إلا في توريد  الجزء الخاص الموزع من أرباحه إلى وزارة المالية. مع التأكيد على ضرورة  أن يتم إعداد هذا البرنامج وتنفيذه  وفق برنامج مادي وزمني  واضح ومحدد.

8- الانتقال إلى دور جديد تنموي ولا مركزي لوزارة الصناعة يحولها إلى وزارة سياسات صناعية تقوم بتشجيع وتحفيز وتمكين الصناعة السورية  كقطاع وطني واحد بكافة أشكال الملكية بما فيها القطاع المشترك والقطاع التعاوني  لتحسين  قدرتها التنافسية، وهذا يتطلب عكس هذا الدور بالشكل المناسب على البنية الهيكلية والتنظيمية للوزارة وتطوير قدرات العاملين فيها.

9- الإسراع في إحداث المؤسسة الخاصة المستقلة لدعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بمشاركة كافة الوزارات المعنية والقطاع الخاص والانتقال عملياً لتطبيق مفهوم العنقود الصناعي ودعم بوادره الموجودة حالياً في عدد من المدن والمناطق بشكل عملي.

10- العمل على تخفيض الرسوم الجمركية على مستلزمات الانتاج الصناعية التي لا تنتج محلياً وذلك بهدف تمكين الصناعة السورية من خفض تكاليف الانتاج فيها وتمكينها من  مواجهة المنافسة غير العادلة مع البضائع المستوردة المماثلة والنفاذ إلى الأسواق الخارجية .

11- بذل المزيد من الجهود من أجل الاستفادة المثلى من برامج التعاون الفني المقدمة من الاتحاد الأوروبي والجهات الدولية المانحة الأخرى من خلال التنسيق فيما بين المشاريع والبرامج التي يجري وسيجري تنفيذها ذات العلاقة بالصناعة السورية، بشكل يضمن تكاملها وعدم التكرار والازدواجية فيما بينها وتحقيق أهدافها بأفضل الأساليب وأقل التكاليف وأقصر الأوقات، الأمر الذي يتطلب رفع قدرات العاملين في الإدارات المعنية بهذا التعاون في الجهات المستفيدة لغوياً وفنياً وتحفيزهم من أجل تحقيق هذه الأهداف ومتابعتها .

12- التركيز على بناء الخبرات الوطنية في مجال التحديث والتطوير الصناعي في كافة الاختصاصات ، وإفساح المجال أمامها للمساهمة بشكل أكبر وأفضل في هذه العملية، وهذا بدوره  يتطلب تنظيم مهنة الاستشارات من خلال الجمعيات الموجودة والمعتمدة وتشجيعها على تطوير نفسها ورفع كفاءة أعضائها بشكل مستمر، وإزالة الغبن والتمييز الذي تقوم به بعض المنظمات والجهات المانحة بين الاستشاري الوطني والأجنبي عند تساوي الكفاءات والمؤهلات.كذلك إشراك المهندسين والاستشاريين السوريين بتنفيذ المشاريع والبرامج التي تنفذها الشركات الأجنبية  سواء من خلال المشاركة في تصميم المشروع وتصنيع آلاته، أو بإلزام هذه الشركات ما أمكن بإبرام عقود ثانوية مع الجهات السورية الخاصة والعامة لإنجاز الأعمال وفق الشروط المطلوبة.

13- التحسين المستمر في مناخ الاستثمار في سورية بكافة مكوناته ومستلزماته وعدم اختزال مفهومه بإصدار القوانين فقط دون متابعة ذلك بتوفير وتفعيل مكونات البيئة الاستثمارية  الأخرى وبشكل خاص معالجة المعوقات البيروقراطية والفساد وذلك من أجل تشجيع الاستثمارات العربية  والأجنبية على دخول المجال الصناعي وعدم اقتصارها كما هو قائم حالياً  على المستوى السياحي والعقاري ، ما يتطلب منحه الأهمية اللازمة من قبل الجهات المعنية وبشكل خاص الهيئة السورية للاستثمار من أجل إعداد ملفات للمشاريع الصناعية المقترحة والترويج لإقامتها في سورية، خاصة في ضوء الخسائر الكبيرة التي منيث بها الاستثمارات العربية الخارجية نتيجة الأزمة العالمية وبحثها عن أماكن آمنة لاستثمار ما تبقى من هذه الاستثمارات.

14- توعية الصناعيين ومنظماتهم بأهمية وضرورة وجود معلومات وبيانات صحيحة وواقعية لضمان تشخيص ومتابعة واقع الصناعة السورية بشكل دقيق ووضع السياسات واتخاذ الإجراءات التي تتناسب مع هذا الواقع الفعلي. وهذا يتطلب أيضاً توفير الإمكانيات المادية والفنية والبشرية المؤهلة للمكتب المركزي للإحصاء وأجهزة التخطيط والإحصاء في مختلف الجهات العامة والخاصة من أجل رفع سوية الإحصاءات ذات العلاقة بالصناعة  والتجارة الخارجية بشكل خاص ورصد وتقييم آثار تطبيق الاتفاقية  بشكل عام  وتوفيرها بسوية عالية وبأسرع وقت ممكن.

15- تشجيع إقامة شركات متخصصة لتسويق المنتجات الوطنية وإجراء الدراسات التسويقية اللازمة لاختيار المنتج المناسب للسوق المناسبة على أن تتكامل جهود هذه الشركات مع تفعيل دور ومهام الملحقيات التجارية في السفارات السورية والمراكز التجارية الخارجية وهيئة تنمية الصادرات، والمؤسسة العامة للمعارض . وإعطاء الأولوية في توقيع اتفاقيات التعاون وتحرير التبادل التجاري مع الدول التي توفر فرصة وإمكانية أكبر لتصدير المنتجات الصناعية إليها.     

16- إطلاق حملة وطنية شاملة لتشجيع الصناعة الوطنية مترافقة بالتزام واضح من الصناعيين بضمان الجودة والسعر المناسب وبخدمة ما بعد البيع  وبتسهيلات الشراء ، مع ضرورة  التحذير الشديد مما قد يلجأ إليه بعض الصناعيين من تخفيض نوعية المنتجات الوطنية لتخفيض كلفتها وسعرها لمنافسة البضائع المستوردة. لأنهم بذلك يسيئون أكبر الإساءة إلى سمعة الصناعة الوطنية ومصداقيتها محلياً وخارجياً .

17- اعتماد برنامج واسع ومستمر لتعريف وتوعية القطاع الخاص بمتطلبات وشروط وكيفية الاستفادة من فرص اتفاقيات الشراكة وتحرير التبادل التجاري.وتقديم الدعم الفني المستمر لرفع قدرة رجال الأعمال ومؤسساتهم فيما يتعلق بأساليب الادارة الحديثة ومواجهة المخاطر وإعادة النظر بالأسس والقوانين التي تحكم عمل غرف واتحادات التجارة والصناعة بما يضمن تجاوز نقاط الضعف والسلبيات الحالية وتشجيع قيام جمعيات الأعمال المتخصصة.

18- الإسراع في معالجة موضوع رغبة الشركات الصناعية خارج المدن الصناعية بتوسيع نشاطها سواء من خلال البلاغ رقم 10 أو أي حل عملي وسريع آخر يضمن ضخ استثمارات صناعية جديدة لتحسين وزيادة القدرة الإنتاجية والتنافسية لهذه المنشآت مع التركيز قدر الإمكان على التوسع الشاقولي في البناء

 

إن هناك مسألة غاية في الأهمية لابد من الإشارة إليها في هذا المجال، وهي أن عملية رصد واستقصاء آثار الأزمة الاقتصادية العالمية على عدد من المنشآت الصناعية ، ونتائج تطبيق اتفاقية منطقة التجارة الحرة مع البلدان العربية وتركيا ، بينت درساً على درجة كبيرة من الأهمية مفاده أن الشركات التي كانت تدار بأسلوب عصري وحديث كانت  أكثر استفادة من فرص هذه الاتفاقيات وأقل تأثراً من الشركات الأخرى ب السلبية  وأسرع  منها في التعافي ، حتى أن بعضها لم يواجه تغيرات جدية في نشاطه بما لا يتجاوز حركة الأسواق والمواسم الروتينية ، ويبدو أن هذا هو الحال في عدد من البلدان المجاورة. إن هذا يؤكد ضرورة انتقال أسلوب إدارة المنشآت الصناعية الخاصة إلى أسلوب جديد يعتمد أساليب الادارة الحديثة في الانتاج والتسويق والتدريب والتأهيل  كخيار لابد منه من أجل البقاء والتطور.  وهذه هي مهمة الصناعيين الأولى والأساسية من أجل البقاء والصمود في عالم اليوم المتغير باستمرار . ولكن في نفس الوقت واستناداً إلى التجارب الصناعية الناجحة في عدد من البلدان التي تجاوزتنا في التنمية الصناعية وكانت إلى يوم قريب بمستوى سورية أو أقل، فإن دور الدولة أساسي في هذا المجال لأنه يكمل جهود الصناعيين ويوفر لهم البيئة المناسبة للنجاح والنمو من خلال كفاءة السياسات الاقتصادية عموماً والصناعية خصوصاً وإقامة  المؤسسات الداعمة اللازمة وتفعيل دور ما هو موجود منها .

أخيراً إن هذه المقترحات التي تهدف أساساً إلى تحسين أداء الصناعة السورية بشكل عام من أجل الاستفادة من الفرص الايجابية  التي تتيحها اتفاقيات الشراكة السورية وتحرير التبادل التجاري  ، وتخفيف آثارها السلبية  في أسرع وقت وبأقل كلفة ممكنة ، إنما هي مقترحات لإجراءات وتدابير ملحة وضرورية  لم تعد تحتمل المزيد من البطء والتأجيل ولابد من اتخاذها ، باعتبارها تستهدف  تأهيل الصناعة السورية ورفع قدرتها التنافسية  ، كما أنها في  النتيجة ستمكنها من النفاذ إلى أية أسواق أخرى ممكنة مستقبلاً.

 

الصناعة السورية

في ضوء اتفاقيات الشراكة وتحرير التبادل التجاري

                                                                                                * فؤاد اللحام

مقدمة :

في إطار التوجه العالمي الذي ساد في تسعينيات القرن الماضي المتمثل بإقامة التكتلات الاقتصادية والسياسية الإقليمية والدولية، وعقد اتفاقيات تحرير التبادل التجاري، واعتماد سياسة الأسواق المفتوحة ، وقعت سورية خلال النصف الثاني من تسعينات القرن الماضي مجموعة من الاتفاقيات الجماعية والثنائية في هذا التوجه  كان من أهمها اتفاقية منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى التي بدأ تطبيقها عام 1998 واستكملت في بداية عام 2005. كما قامت في عام 2004 بتوقيع اتفاقية تحرير التبادل التجاري مع تركيا التي دخلت حيز التنفيذ عام 2007 . كما تم التأشير على اتفاقية الشراكة السورية الأوروبية مرتين في عامي 2004 و2008 ، وتم تقديم طلب الانضمام لمنظمة التجارة العالمية حيث تم قبول سورية عضواً مراقباً في هذه المنظمة عام 2010 ويجري حالياً متابعة التحضير للحصول على العضوية التامة في هذه المنظمة ، وهناك تحضيرات لعقد اتفاقيات مشابهة مع عدد من الدول الأخرى.

تواجه الصناعة السورية في هذه المرحلة ظروفاً صعبة ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية خطيرة، الأمرالذي أدى وما يزال إلى إغلاق العديد من المصانع وتوقف أعداد أخرى عن الإنتاج  كلياً أو جزئياً. ويرجع العديد  من الصناعيين والمحللين السبب الرئيسي في ذلك إلى تحرير التبادل التجاري وفتح الأسواق السورية أمام منافسة غير عادلة أو شريفة مع المنتجات المستوردة.  وللوقوف على تقييم موضوعي لأثر هذه الاتفاقيات على الصناعة السورية سنحاول  في هذه المحاضرة وفي حدود المجال والوقت المتاح الإجابة على الأسئلة الأربع التالية:

1-    ماذا تضمنت هذه الاتفاقيات بالنسبة للصناعة السورية ؟

2-    ما هي النتائج الأولية لتطبيق هذه الاتفاقيات على الصناعة السورية ؟

3-    لماذا لا تستفيد الصناعة السورية من هذه الاتفاقيات بالشكل المطلوب ؟

4-    ما هو المطلوب اليوم؟


 

أولاً- ماذا تضمنت هذه الاتفاقيات بالنسبة للصناعة السورية ؟

تختلف اتفاقيات الشراكة عن اتفاقيات تحرير التبادل بأنها أوسع وأشمل حيث لا تقتصر على تحرير التبادل التجاري فقط بل تشمل جوانب اقتصادية واجتماعية وسياسية ومالية وخدمية  أوسع وأشمل .  إلا أنها وقدر تعلق الأمر بموضوع هذه المحاضرة  تجمعها بهذا الشكل أو ذاك النقاط التالية :

1- إلغاء الرسوم الجمركية على الواردات والصادرات من المنتجات الوطنية المتبادلة بشكل متدرج يتفق عليه، بعضها فوري والبعض الآخر يتم استكماله خلال فترة زمنية محددة .

 2- إقامة منطقة تجارة حرة تدريجياً خلال فترة انتقالية بدأً من تاريخ سريان الاتفاقية كانت 10 سنوات في منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى ثم جرى تخفيضها إلى ثماني سنوات ، في حين تصل إلى 12 سنة في الاتفاقية مع تركيا والاتحاد الأوروبي .

3- إلغاء الدعم والحصر والاحتكار خلال فترة تنفيذ الاتفاقية ، أو خلال فترة قصيرة محددة بعد نفاذها ،باستثناء بعض المنتجات التي يتم الاتفاق عليها ولفترة محددة ، وكذلك المنتجات  ذات الخصوصية الدينية والأخلاقية وغيرها مما تحدده هذه الاتفاقيات .

4- منع الإغراق ووضع آلية لمعالجته .

5- الحق بمعالجة الأضرار الملموسة التي تلحق بصناعات معينة وكذلك الحق في حماية الصناعات الناشئة أو قيد التأهيل وفق شروط محددة ولفترة زمنية محددة .

6- التشاور الدوري في متابعة نتائج التطبيق ومعالجة المشاكل والصعوبات التي تعترضه.

7- السماح بتراكم المنشأ من خلال استخدام المدخلات المنتجة في بلد أحد الشركاء  لإنتاج منتج في بلد الشريك الآخر.

من خلال استعراض النقاط السابقة يتبين أن هذه الاتفاقيات تتيح للصناعة السورية فرصاً عديدة كما تضع أمامها صعوبات وتحديات كبيرة . ومن أهم الفرص التي يمكن أن تستفيد منها الصناعة السورية هي:

1- السوق الاستهلاكية الكبيرة التي تضم  340مليون عربي و74مليون تركي و500 مليون أوروبي  بوسطي دخل فردي مرتفع.

 2- القرب الجغرافي من هذه الأسواق والعلاقات التجارية التقليدية والقديمة معها. حيث تعتبر سورية حلقة الوصل فيما بين هذه الأسواق ،ما يجعلها تتمتع بمزايا نسبية عديدة في مقدمتها سرعة النقل و التوريد.

3- الاستفادة مما تبقى أو قد يستجد من ظاهرة إعادة انتشار وتوزيع الصناعات ذات الكثافة العمالية العالية من أجل توطين مثل هذه الصناعات في سورية.

4- إقامة شراكات بين المستثمرين السوريين ونظرائهم في الدول الأخرى يمكن الاستفادة منها في نقل التكنولوجيا وأساليب الادارة والتسويق الحديثة بما فيها إمكانية تزويد الشركات العالمية بالمنتجات الصناعية السورية ( الملبوسات والمنتجات الغذائية مثلاً ).

5- تحريض الصناعة  السورية لتعبئة جهودها وإمكانياتها لتحسين نوعية منتجاتها وخفض تكاليفها وتلبية متطلبات الأسواق الخارجية ، ما يجعلها قادرة على دخول الأسواق الأخرى مستقبلاً بشكل أسهل.

6- الاستفادة من تخفيض الرسوم الجمركية على مدخلات الانتاج بما يساهم في تخفيض كلفة المنتج السوري وتحسين نوعيته مقارنة بنوعية مدخلات الانتاج من البلدان الأخرى .

7- الاستفادة من ميزة تراكم المنشأ في إعادة تصدير المنتجات التي تعتمد على بعض مستلزمات الانتاج  المنتجة في بلد الشريك الآخر.

وفي هذا المجال لابد من التأكيد على أن هذه الفرص ليست فرصاً جاهزة يمكن الحصول عليها بشكل تلقائي وفوري  بل هي فرص ممكنة  لابد من العمل الجاد و الدؤوب وعلى كافة المستويات   من أجل الاستفادة منها. 

أما التحديات والآثار السلبية  الناجمة عن هذه الاتفاقيات فأهمها:

1- القدرة التنافسية الكبيرة  للمنتجات المستوردة  مقارنة بمعظم المنتجات الوطنية من حيث الجودة والسعر وخدمة ما بعد البيع.

2- الدعم المتعدد الأوجه والأشكال الذي تقدمه البلدان الأخرى للصادرات الصناعية سواء بشكل مباشر أو / وعن طرق الخدمات الداعمة في التدريب والتسويق والمعارض والتمويل .

3- إساءة استخدام المزايا الممنوحة للدول الأعضاء فيما يتعلق بشهادة المنشأ ونوعية المنتج وقيمته الحقيقية.

4- وضع عقبات غير جمركية أمام دخول المنتجات السورية المنافسة لهذه الأسواق.

 

ثانياً- ما هي النتائج الأولية لتطبيق هذه الاتفاقيات على الصناعة السورية ؟

1-  فيما يتعلق بالتبادل التجاري :

يبين الجدول الملحق بالمحاضرة ، التبادل التجاري بين سورية والبلدان العربية وتركيا خلال الفترة 2005- 2009 ، وقد تم استخراجه من  بيانات المكتب المركزي للإحصاء عن التجارة الخارجية خلال الفترة ذاتها.  ومن خلال تحليل الأرقام الواردة في هذا  الجدول نستنتج ما يلي:

1-1  فيما يتعلق بالتبادل التجاري مع الدول العربية:

تحتل البلدان العربية المرتبة الأولى فيما يتعلق بالتبادل التجاري السوري . وقد شهدت الفترة  منذ عام 2005 ( وهي فترة استكمال منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى ) تطوراً كبيراً  في الصادرات السورية إلى البلدان العربية ، حيث ارتفعت قيمة الصادرات الكلية من حوالي 69  مليار ليرة سورية في عام 2005 إلى 360  مليار ليرة سورية في عام 2008 وانخفضت  في 2009 إلى 256 مليار بسبب تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية . وقد بلغت نسبة النمو بين عامي 2005-2009 حوالي 371%  ، ويلاحظ أن نسبة نمو صادرات  المنتجات نصف المصنعة بلغت خلال الفترة 2005-2009 حوالي 296%  وأن نسبة نمو الصادرات المصنعة بلغت  خلال نفس الفترة  611%  ( رغم انخفاض حجمها في عام 2009 عن عام 2008 بحوالي 38% ). كما  لابد من الإشارة إلى تطور ايجابي هام في بنية الصادرات السورية إلى البلدان العربية يتمثل بما يلي:

1- تحول  العجز في الميزان التجاري للمواد المصنعة الذي  بلغ في عام 2005 حوالي 21 مليار ل.س  إلى فائض وصل في عام 2008 إلى 130 مليار ل.س  وانخفض إلى حوالي 75 مليار ل.س في عام 2009. 

2 – ارتفاع  نسبة الصادرات الصناعية إلى إجمالي الصادرات في عامي 2007 و2008 إلى حوالي 50% و52% على التوالي  لتنخفض إلى 45% في عام 2009  . كما شكلت الصادرات من المواد نصف المصنعة في عام 2008  نسبة 35% من إجمالي الصادرات وانخفضت في عام 2009 إلى 28% وذلك على حساب الصادرات من المواد الأولية التي انخفضت من حوالي 38% في عام 2005 إلى 14% في عام 2008 لترتفع إلى 27% في عام 2009 .

بالمقابل ارتفع  حجم الواردات من الدول العربية من حوالي 63  مليار ليرة سورية في عام 2005 إلى 130 مليار في عام 2008 وانخفض  إلى117  مليار في عام 2009 حيث بلغت نسبة نمو الواردات خلال الفترة 2005-2009  حوالي 186% . ويلاحظ أن وسطي نسبة المواد الأولية إلى إجمالي الواردات من البلدان العربية كان  خلال الفترة 2005-2009 بحدود 9% في حين كان وسطي  نسبة المواد نصف المصنعة 49% والمواد المصنعة 42% . أي أن هناك العديد من المنشآت الصناعية الخاصة والعامة قامت بتصدير هذه المنتجات واستطاعت الاستفادة بشكل ايجابي من الفرص التي أتاحتها منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى . ولم تنحصر الفائدة على المنتجات الصناعية بل شملت المنتجات الأخرى حيث كانت حصيلة التبادل التجاري الإجمالي بين سورية والبلدان العربية لصالح سورية بنسبة كبيرة حيث ارتفع حجم الفائض التجاري بين سورية والبلدان العربية من حوالي 6 مليار ليرة سورية في عام 2005 إلى حوالي 230 مليار ل.س في عام 2008 وانخفض إلى نحو 139 مليار في عام 2009 .

1-2 – فيما يتعلق بالتبادل التجاري مع تركيا:

بدأ تنفيذ اتفاقية التجارة الحرة مع تركيا عام 2007  وبالتالي فإن نتائج تطبيق هذه الاتفاقية لم تتضح بشكل تام حتى الآن. وتشير البيانات إلى أن حجم الصادرات السورية إلى تركيا قد ارتفع من حوالي 16  مليار ليرة سورية في عام 2006 إلى حوالي 30  مليار في عام 2008 وانخفض إلى حوالي 15  مليار في عام 2009  بسبب تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية . ومن الملاحظ أن نسبة الصادرات من المواد الأولية إلى إجمالي الصادرات إلى تركيا قد ارتفعت من 19% في عام 2006 إلى 25% في عام 2007 وإلى 63% في عام 2008 لتنخفض في عام 2009 إلى 53%.  كما بلغت نسبة المواد المصنعة 54% في عام 2007 لتتراجع إلى 27% في عامي  2008  و2009 . في حين  انخفضت نسبة الصادرات من المنتجات نصف المصنعة من 31% في عام 2006 إلى 10% في عام 2008 لترتفع إلى 20% في عام 2009 . 

بالمقابل ارتفع  حجم الواردات من تركيا من حوالي 21 مليار ليرة سورية في عام 2006 إلى 54 مليار في عام 2009 ما يؤكد أن التبادل التجاري الإجمالي بين سورية وتركيا  كان لصالح تركيا حيث ارتفع العجز التجاري معها  من 5 مليار في عام 2006 إلى حوالي 40 مليار في عام 2009 باستثناء عام 2008 الذي سجل فائضاً لصالح سورية بحدود 7 مليار ل.س .  وفي هذا المجال لابد من الإشارة إلى ما يلي:

1-    تركزت الصادرات السورية إلى تركيا بالدرجة الأولى وبنسبة كبيرة على المواد الأولية وبالدرجة الثانية على المنتجات  المصنعة ونصف المصنعة  .

2-    تركزت الواردات السورية من تركيا على المنتجات نصف المصنعة  والمنتجات المصنعة بشكل متقارب .

من جانب آخر تختلف الواردات التركية عن الواردات العربية بأنه لم  يسجل – حسب علمنا- وجود  تزوير لشهادات المنشأ لبضائع لا تحقق شرط المنشأ التركي ، ولكن المشكلة فيما يتعلق بالواردات التركية هي في سياسة الدعم المتعدد الأوجه المباشر وغير المباشر  المقدم إلى الصناعة التركية إضافة إلى تمتع العديد من الصناعات التركية بمزايا نسبية من حيث الجودة والسعر ليس مقارنة بالمنتجات السورية بل ببعض المنتجات الأوروبية أيضاً. إن التقييم الأولي لنتائج هذه  الاتفاقية من خلال البيانات المتاحة لثلاث سنوات ولغاية عام 2009 يشير إلى  أن أثر الاتفاقية مع تركيا لم يكن كما هو بالنسبة لمنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى سواء لجهة الميزان التجاري حيث العجز  أو لجهة التركيب النوعي للصادرات حيث تركزت كما بينا على المواد الأولية ونصف المصنعة بشكل أساسي،  في حين كانت الواردات السورية من تركيا على عكس ذلك،  الأمر الذي يتطلب مجموعة من الإجراءات والتدابير على المستوى الكلي والمتوسط والجزئي لاستدراك هذا الخلل بما في ذلك إمكانية دراسة  تعديل بعض بنود الاتفاقية معها إن تطلب الأمر ذلك.

2-  فيما يتعلق بالأثر على المنشآت الصناعية :

تنقسم المنشآت الصناعية الخاصة في سورية إلى ثلاث فئات:

1- الفئة الأولى وتتضمن منشآت بسيطة وذات إمكانيات متواضعة جداً  في الادارة والانتاج والتسويق  وغالياً ما تكون غير قادرة بوضعها الحالي على  الصمود والمنافسة وهي المهددة بالخروج أولاً قبل غيرها وقد خرج فعلياً قسم منها خلال الفترة السابقة وما يزال.

2-  الفئة الثانية وهي المنشآت الحرجة ،  التي وإن كانت أفضل من الفئة الأولى نسبياً وتملك إمكانيات للتطور، إلا أن بقاءها وصمودها  بحاجة إلى جهود كبيرة من أصحابها ومن الجهات الحكومية المختلفة للتحديث والتطوير وفي غير ذلك فإن مصيرها سيكون كالفئة الأولى .

3-  الفئة الثالثة وتشمل المنشآت المتطورة نسبياً والقادرة على المنافسة والصمود وهي مطالبة باستمرار العمل والتطوير من أجل  المحافظة على وجودها ونجاحها وهذه مهمة ليست بالسهلة في ظل الأوضاع الاقتصادية المحلية والإقليمية السائدة.

من المؤسف  أن أية جهة عامة أو خاصة لم تقم حتى الآن بإحصاء عدد المنشآت التي خرجت فعلياً من السوق أو توقفت عن الانتاج كلياً أو جزئيا  باستثناء بعض التصريحات الصحفية والشخصية  لعدد من الصناعيين في دمشق وحلب  . وما بين أيدينا رسمياً  البيانات والمعلومات التي أعلنتها  وزارة الصناعة  في أوائل عام 2011 والتي تتعلق بعدد التراخيص  الصناعية الممنوحة والملغاة والتي تشير إلى ضعف الإقبال على الصناعة والاستمرار بها  كقطاع استثماري مجزي،  حيث تشير هذه البيانات إلى أن عدد المشاريع الصناعية المنفذة سنوياً  قد تراجع  من 2251 مشروعاً في عام 2006 إلى  1718 مشروعاً في عام 2007 وإلى 1658 مشروعاً في عام 2008 وإلى 1476 مشروعاً في عام 2009  وصولاً إلى 1408 في عام  2010 حيث بلغت نسبة التراجع بين 2006-2010  حوالي 38%  . كما تم إلغاء3282 سجلاً وقراراً صناعياً  في عام 2009 بناء على طلب أصحابها واستناداً لما تقتضيه القوانين والأنظمة النافذة وذلك حسب قول وزارة الصناعة آنذاك. من جانب آخر ، أشارت  بيانات وزارة الصناعة المتعلقة بالقطاع الخاص الصناعي إلى أن التراجع كان  بشكل رئيسي في الصناعات النسيجية فالصناعات الكيميائية والهندسية والغذائية. وأن حوالي 85% من المنشآت الملغاة هي من المنشآت الصغيرة المحدثة وفق القانون رقم 21 لعام 1958 وحوالي 7% من المنشآت المحدثة وفق قانون تشجيع الاستثمار. كما أشارت البيانات إلى أن 46% من المنشآت الملغاة كانت من الصناعات النسيجية و25% من الصناعات الهندسية و20% من الصناعات الكيميائية و9% من الصناعات الغذائية ، وإذا أضفنا إلى ذلك حالات التوقف الجزئي والكلي لقسم  من المنشآت الصناعية في دمشق وحلب ، وانتقال العديد من الصناعيين إلى التجارة أو/ واستيراد منتجات جاهزة من الصين بأسماء منتجاتهم الأصلية عوضاً عن إنتاجها  في معاملهم ، وكذلك الأعداد الكبيرة للمنشآت الصناعية غير النظامية التي تنتج لنفسها أو / و لصالح المنشآت الصناعية الأخرى والتي  يقدرها البعض بحجم المنشآت الصناعية  النظامية ، فإن كل ذلك  يبين  الوضع الصعب والدقيق الذي تعيشه الصناعة السورية والمخاطر الجدية التي تواجهها  في الوقت الراهن.

إن خطر الإغلاق والخروج من السوق ما يزال يتهدد عدداً غير قليل من المنشآت الصناعية  وهي على الأغلب ودون الدخول في التعميم المنشآت التالية:

1- المنشآت التي تقوم بالتجميع واللمسات الأخيرة  ومنشآت المزج والخلط والتعبئة التي لا تستطيع تحقيق شروط المنشأ المحلي أو التراكمي.

2- المنشآت ذات القدرة التنافسية الضعيفة في مجال الجودة والتصميم والسعر وذات المكون التكنولوجي الضعيف والقيمة المضافة المنخفضة .

3- المنشآت الصناعية غير النظامية التي تزود  بعض المنشآت النظامية المهددة بالخروج  بجزء من منتجاتها وخدماتها الإنتاجية. 

4- شركات القطاع العام الصناعي التي لم يتم إصلاحها وإدارتها بأسلوب المنشآت الخاصة ،  حيث يواجه القطاع العام الصناعي ( إضافة للصعوبات والتحديات المشتركة مع القطاع الخاص الصناعي) فإنه يواجه صعوبات ومخاطر إضافية أكثر جدية بسبب وضعه الحالي الإداري والفني والإنتاجي والتسويقي وأسلوب إدارته وصلاحيات ومسؤوليات هذه الإدارة ما يجعله أكثر عرضة للتوقف.   

ولاشك بأن التأخر في إصلاح القطاع العام وتحديث الشركات الصناعية الخاصة التي يمكنها الاستمرار في حال تم تحديثها ، سوف يؤدي بكل تأكيد لزيادة عدد الشركات المتوقفة أو المهددة بالتوقف.

ثالثاً- لماذا لا تستفيد الصناعة السورية من هذه الاتفاقيات بالشكل المطلوب؟

بعد استعراض وتحليل البيانات المتعلقة بالتجارة الخارجية بين سورية والبلدان العربية وتركيا يتبادر إلى أذهاننا سؤال هام جداً هو : لماذا يشكو الصناعيون أو القسم الأعظم منهم من نتائج تطبيق هذه الاتفاقيات وآثارها السلبية ؟ ولماذا لا تستفيد الصناعة السورية من هذه الاتفاقيات بالشكل المطلوب  ؟

في اعتقادنا أن المشكلة لا تكمن كلها  في الاتفاقيات بحد ذاتها ، بل في ستة أسباب أخرى ذات علاقة بتطبيق هذه الاتفاقيات وهي:

1-سوء استخدام بعض المزايا التي تتيحها هذه الاتفاقيات والمتمثلة بتزوير شهادات المنشأ لبضائع صينية وغيرها لتدخل السوق السورية معفاة من الرسوم الجمركية وبالتالي منافسة المنتج الوطني.

2- الدعم الخفي والمعلن الذي تقدمه بعض البلدان العربية وتركيا للمصدرين سواء بشكل مباشر    أو / وغير مباشر من  خلال الخدمات الداعمة ، مقابل غياب أية إجراءات مماثلة بالنسبة للصناعة السورية حتى الآن.

3-    التهاون والفساد والإفساد فيما يتعلق بالتخليص الجمركي وخصوصاً فيما يتعلق بقيمة فواتير الاستيراد وتصنيف المواد المستوردة  ونوعية ومواصفات المنتج المستورد وقصور الجهات المعنية في معالجة هذه الأمور بشكل جاد وفعلي بمنظور وطني بعيداً عن توفيق هذه المعالجات بما ينسجم مع  مصالح بعض الفئات المتنفذة.

4-    ضعف التنسيق والترابط بين عملية تحرير التبادل التجاري من ناحية وتنفيذ برنامج شامل ومتكامل لتحديث وتطوير الصناعة الوطنية من ناحية أخرى، لتحسين قدرتها التنافسية وتمكينها من مواجهة متطلبات ونتائج استكمال اتفاقيات تحرير التبادل التجاري مع الدول العربية وتركيا والاتفاقيات الأخرى المشابهة التي يمكن توقيعها مستقبلاً ، ما أدى إلى ضعف منافسة العديد من المنتجات المحلية مقارنة بالمنتجات المستوردة لجهة السعر والجودة وخدمة ما بعد البيع وما نجم عن ذلك من خروج وتوقف كلي أو جزئي للعديد من المنشآت الصناعية.

5-    ضعف البنية الهيكلية للمنشآت الصناعية بسبب اعتمادها على الصناعات التقليدية الخفيفة التي تقوم إما على موارد زراعية وتعدينية محلية، أو صناعة تجميعية (إحلال الواردات)  وهي في الحالتين ذات قيمة مضافة متدنية ومكون تكنولوجي بسيط تفتقر إلى روح الابتكار والإبداع، الأمر الذي حال وما يزال يحول دون الانتقال من الميزة النسبية التي تتمتع بها سورية (من حيث موقعها الجغرافي والقرب من الأسواق وتوفر كافة حلقات الإنتاج في عدد من الصناعات كالصناعات النسيجية والغذائية) إلى الميزة التنافسية  في مجال النوعية والسعر

6-    عدم قيام الجهات الحكومية ومنظمات وجمعيات الأعمال بالتعريف الكافي بمضمون هذه الاتفاقيات ومتطلبات الاستفادة منها وتجنب مخاطرها وآثارها السلبية ما أدى إلى ضعف معرفة الصناعيين المفصلة بمضمون هذه الاتفاقيات وكيفية الاستفادة منها وتخفيف جوانبها السلبية.

يضاف إلى ذلك مجموعة من الأسباب التاريخية والظروف العامة والخاصة  التي رافقت نشوء وتطور الصناعة السورية  والتي ما يزال قسم هام منها قائماً حتى اليوم ومن أهمها:  :

1-    تطبيق نظام حماية مطلق للإنتاج الوطني (عام وخاص) تجاه المنتجات الأجنبية من جهة، وحصر لعدد من المنتجات الصناعية بالقطاع العام من جهة أخرى، وقد تم ذلك  لفترة طويلة من السنين وحتى وقت قريب ، دون تحديد شروط وفترة زمنية ملزمة ومحددة للاستفادة من هذه الحماية أو الحصر يتم خلالها تحسين نوعية المنتج الوطني وخفض تكاليفه وبالتالي تعزيز قدرته التنافسية.

2-    الافتقار إلى العديد من الهيئات الداعمة الضرورية لتعزيز القدرة التنافسية للمنشآت الصناعية مثل المراكز الفنية المتخصصة والمخابر المعتمدة دولياً والهيئات المختصة بالتسويق والترويج والتمويل، والمكاتب والشركات الاستشارية المؤهلة. كما أن الهيئات الداعمة القائمة حالياً (مثل هيئة المواصفات والمقاييس ومركز الاختبارات والأبحاث الصناعية ومراكز التدريب المهني والمعاهد الصناعية المتوسطة والأقسام الصناعية في كليات الهندسة ومعاهد وكليات إدارة الأعمال) ذات إمكانيات وأدوار محدودة وبحاجة ماسة إلى التطوير والتحديث لتمكينها من تلبية الاحتياجات الحالية والمستقبلية للقطاع الصناعي.

3-    ضعف التمويل الصناعي وارتفاع تكاليفه وصعوبة شروطه، ما يضطر الصناعيين إلى الاعتماد على مواردهم الذاتية في إقامة وتشغيل منشآتهم الصناعية، أو كما يحصل في كثير من الأحيان تشغيل أموال الأقارب والغير وبفوائد كبيرة، ما يزيد من أعباء وكلفة بدء واستمرار العمل الصناعي. وعلى الرغم من إعلان المصارف العامة والخاصة عن وجود إيداعات كبيرة وسيولة  لديها بحاجة إلى استثمار – حيث تشير البيانات إلى أن حجم فائض السيولة في المصارف العامة والخاصة بلغ  حتى نهاية عام 2009 نحو 256 مليار ليرة سورية بالليرة السورية والقطع الأجنبي إلا أن السيولة المتاحة لا تتوجه إلا بنسبة ضئيلة جداً إلى التمويل الصناعي تتراوح  بين 6-8% ، في حين تتوجه غالبيتها إلى العقارات والسيارات والتجارة.

4-    غلبة الأسلوب التقليدي والعائلي لدى القسم الأعظم من القطاع الخاص الصناعي في إدارة منشآته  ما يؤثر بشكل كبير على كفاءة عمل هذه المنشات وتطبيق أساليب الإدارة الحديثة فيها بسبب افتقارها إلى الكفاءات الإدارية والمالية والإنتاجية والتسويقية،وقد اضعف ذلك قدرة الصناعة السورية على تلبية متطلبات السوق الأوروبية من حيث الجودة والسعر والمواصفة والالتزامات البيئية والاجتماعية ، وكان وما يزال يحد من استفادة الصناعيين السوريين بشكل كبير من  فرصة اتفاقية عام 1977 مع الاتحاد الأوروبي وكذلك من فرصة  إلغاء العمل  بنظام الحصص للمنتجات النسيجية  عام 2005 ، ما جعل هذه الاستفادة محصورة  بعدد قليل من المنتجين والموردين الذين يصدرون منتجاتهم النسيجية والغذائية  وغبرها سواء بعلامتهم التجارية الوطنية أو تحت  علامة  تجارية عالمية. إن ضعف الخبرات التسويقية والفنية للمنشآت الصناعية السورية في التعامل مع الأسواق الأوروبية يمنح البلدان المجاورة لسورية فرصة شراء المنتجات الصناعية نصف المصنعة أو الدوكما واستكمال عملية توضيبها أو تعبئها وتغليفها وتصديرها إلى الأسواق الأوروبية وغيرها، وبذلك تفقد الصناعة السورية القيمة المضافة العالية التي يمكن تحقيقها من هذه المراحل الأخيرة من سلسلة الانتاج  بينما المطلوب من الصناعيين القيام بهذا الدور بأنفسهم وبشكل مشابه.

5-  آثار وتداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية من خلال تراجع الصادرات وضعف الطلب المحلي بسبب ضعف القوة الشرائية وانخفاض تحويلات العاملين السوريين في الخارج وحالة الترقب والانتظار والالتزام بالأولويات بالنسبة للطلب الداخلي.

6- زيادة الأجور وأسعار المحروقات، المازوت ثم الفيول،  دون أن يترافق ذلك مع سياسة تعويضية وخاصة للصادرات.

7- التبدلات الكبيرة والمفاجئة (انخفاضاً وارتفاعاً) بالنسبة لقيمة العملات الأجنبية (اليورو، الدولار، وعدد من العملات الخليجية)، وكذلك أسعار العديد من المواد الأولية، ما أدى إلى وقوع خسائر كبيرة في عملية شراء مستلزمات الإنتاج المستوردة في الحالتين مثل الحديد، النحاس، المنتجات البتروكيميائية، إضافة إلى الغزول القطنية وبالتالي وقوع خسائر في عقود التصدير الموقعة.

8- البطء في معالجة أوضاع القطاع العام الصناعي الذي يستنزف بوضعه الحالي  الموارد المالية والبشرية الموجودة فيه بسبب عدم التوصل منذ أكثر من عشر سنوات وحتى الآن إلى برنامج  توافقي متكامل لإصلاحه ومعالجة مشاكله، وبشكل خاص بيئة العمل الإدارية والتنظيمية والمالية التي يعمل ضمنها وأسلوب اختيار إداراته. عملياً لم تستطع  المحاولات والإجراءات والقرارات العديدة في مجال إصلاح القطاع العام الصناعي حتى الآن تحقيق الهدف المرجو منها لأسباب عديدة في مقدمتها:

1.     عدم وجود رؤية واضحة ومعتمدة حول وجود ومستقبل القطاع العام الصناعي وفق برنامج زمني ومادي للتنفيذ.

2.     جزئية المعالجة والحلول.

3.     نقل ومحاكاة تجارب خارجية دون مراعاة الوضع المحلي.

4.     عدم وجود توافق أو إجماع وطني على ما تم طرحه من قبل الحكومة واتحاد  نقابات العمال والقوى السياسية والاجتماعية الأخرى.

5.     ضعف العمل المؤسساتي الذي يحول دون استمرار ومتابعة الجهود والتوجهات التي يتم البدء بها في هذا المجال  وتبدلها مع تبدل الإدارات.

 

رابعاً- ما هو المطلوب اليوم ؟

شكل  تطبيق اتفاقية منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى واتفاقية تحرير التبادل التجاري مع تركيا  نموذجاً تعريفياً  وتمريناً مبسطا لما يمكن أن تؤول إليه أحوال الصناعة في ظل استمرار سياسة فتح الأسواق أمام المنتجات المستوردة والأساليب الحالية المتبعة في الجمارك وغيرها من الإدارات .   وفي ضوء حدوث عدد من النتائج السلبية الناجمة عن تنفيذ هذه الاتفاقيات ، اتخذت الحكومة السابقة مجموعة من الاجراءات والتدابير لمعالجة هذه الظواهر السلبية حيث صدر عدد من المراسيم والقوانين كان من بينها تخفيض الرسوم الجمركية على المواد الأولية ومستلزمات الانتاج،  تخفيض ضرائب الأرباح ،تخفيض سعر الفيول، وضع سعر أدنى لعدد من المنتجات الصناعية المستوردة المماثلة للمنتجات المحلية، الاتفاق مع شركتيمراقبة دوليتين لمراقبة مواصفات المستوردات، إلغاء العمل بالمخصصات الصناعية ، إلغاء عمولة مؤسسات التجارة الخارجية ، إصدار قانون المنافسة ومنع الاحتكار وقانون حماية الصناعات الناشئة وتحديث قانون الاستثمار وقانون الشركات وإحداث هيئة الاستثمار السورية والنافذة الواحدة ، والعمل على تنفيذ مضمون الميثاق الأورو متوسطي في مجال تبسيط الاجراءات وتحسين بيئة عمل الاستثمار الصناعي وغير ذلك….  كما تم في شهر أيار 2007 إطلاق برنامج التحديث والتطوير الصناعي بالتعاون مع منظمة اليونيدو وبتمويل من الحكومة الايطالية والذي تولى تحديث 36 شركة نسيج وملابس منها 3 شركات عامة ،  إضافة إلى تنفيذ عدد آخر من برامج التعاون مع الاتحاد الأوروبي مثل برنامج التحديث القطاعي والمؤسساتي وبرنامج دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وبرنامج  تحديث التعليم المهني وبرنامج الجودة والميثاق الأوروبي المتوسطي وغيره…..

 وقد كان من المفترض أن تقوم  الجهات العامة والخاصة المعنية في ضوء  الدروس الأولية المستخلصة من تنفيذ اتفاقيات تحرير التبادل التجاري العربية والتركية وتأخر توقيع اتفاقية الشراكة السورية الأوروبية  في وضع وتنفيذ البرنامج الشامل للتحديث الصناعي الذي تم إنجازه أواخر عام 2007  على المستويات الثلاثة:  الكلي والمؤسساتي والجزئي،  إلا أن ما تم ، على الرغم من أهميته ، جاء متأخراً وكانت  نتائجه متواضعة بسبب ضعف فعالية الاجراءات والتدابير المتخذة أو البطء في تنفيذها  ومتابعتها  ودون إدراك أن تعزيز القدرة التنافسية للصناعة السورية  يجب أن يكون في رأس أولويات السياسات الاقتصادية والصناعية سواء تم توقيع اتفاقيات  الشراكة وتحرير التبادل التجاري أم لا،  لأن وجود ومصير الصناعة السورية أصبح في ضوء الظروف والمستجدات الإقليمية والدولية منذ تسعينيات القرن الماضي وحتى اليوم  يتوقف على قدرتها التنافسية . ولا شك بأن ما وصلت إليه الصناعة السورية اليوم  يضيف أعباء  وتحديات جديدة مادية وزمنية من أجل استدراك ما كان يجب القيام به خلال المرحلة السابقة.

إن عدداً كبيراً من  المنشآت  الصناعية حرفية وصغيرة ومتوسطة ممن  تتوفر فيها إمكانية البقاء والنمو بحاجة ماسة إلى التحديث والتطوير لتمكينها من مواجهة متطلبات واستحقاقات تطبيق اتفاقيات الشراكة وتحرير التبادل التجاري . وإن عدد المنشآت المهددة بالإغلاق قابل للزيادة في حال تم التأخر لأي سبب كان في بدء عملية تحديث وتطوير هذه الشركات .

إن عملية التحديث والتطوير الصناعي لها شروطها ومستلزماتها على مستوى الاقتصاد الكلي والمتوسط والجزئي ولا يمكن تحقيق النجاح المطلوب دون تكامل هذه المستويات . بمعنى أن التحديث الصناعي لا يمكن أن يتم دون إرادة جادة من أصحاب المنشآت الصناعية في تحديث منشآتهم وتوفير متطلبات ذلك  من قبلهم ، بنفس الوقت فإن نجاح جهود أصحاب المنشآت لا يمكن أن يؤتي ثماره  دون توفير المؤسسات الداعمة الفعالة وكذلك السياسات الصناعية المناسبة من قبل الجهات الحكومية .

وتفيد تجارب بعض  الدول العربية والناشئة أن عملية التحديث الصناعي تبدأ ببرنامج رائد لقطاع مختار ذي أولوية بالنسبة للإقتصاد الوطني ومن ثم يتم اقامة المؤسسات والهيئات اللازمة لتوسيع هذه العملية لتشمل  الفروع الصناعية الأخرى . وفي سورية تم تنفيذ الخطوة الأولى  كما سبق أن أشرنا في 2007  ببرنامج التحديث والتطوير الصناعي في سورية IMUP-SYRIA  لتحديث 36 شركة نسيجية منها 3 شركات عامة ، وكان من المفترض أن يتم التحضير لمتابعة عملية التحديث والتطوير الصناعي فور انتهاء المرحلة الأولى من هذا  البرنامج لضمان استمرارية العملية وتوسيعها إلا أن ذلك لم يتم عملياً حتى الآن  ما أدى إلى انقطاع وتوقف بين المرحلة الأولى والثانية من هذا البرنامج الضروري والهام .

إن  العناية والاهتمام  بالشركات الصناعية الناجحة والقادرة اليوم على مواجهة المنافسة في سوقها الداخلية وفي أسواقها الخارجية يجب ألا تقل أهمية عن الاهتمام بالشركات الصناعية الأخرى لأن المحافظة على الاستمرار بالنجاح لا يقل –إن لم يكن أكثر – صعوبة من تحقيق  النجاح نفسه ، لذلك فإن كافة الشركات الصناعية الناجحة اليوم يجب أن تدرك – وربما تدرك فعلاً- حاجتها لجهود دائمة ومستمرة من أجل المحافظة على نجاحها . إن عملية التحديث والتطوير الصناعي عملية متجددة ومستمرة وبالتالي لا يمكن أن تتوقف بمجرد تحقيق الهدف الآني منها كون المنافسة لا تتوقف وفي كل يوم هناك تحديات ومستجدات على كافة الأصعدة  يجب على الشركات الناجحة أن تستشعرها وتتخذ ما يلزم وفي الوقت المناسب لمقابلتها، وعلى الجهات العامة ومنظمات رجال الأعمال دعمها ومساندتها في هذا التوجه .

اليوم وفي ضوء المراجعة العامة لنتائج السياسات الاقتصادية والصناعية التي أوصلت الصناعة السورية إلى هذه الأوضاع المؤسفة ، وفي ضوء إعلان الحكومة الجديدة والجهات المعنية عن رغبتها الأكيدة في معالجة هذه الأوضاع بما يعيد الصناعة السورية إلى حالة التعافي والانتعاش فإنه لا بد هنا من اتخاذ الإجراءات والتدابير التالية:

1- تكليف فريق عمل فني (قانوني وصناعي)  مهمته وضع تصور وآلية عمل لتعديل بعض مواد اتفاقيات الشراكة وتحرير التبادل التجاري ومعالجة بعض النتائج السلبية التي أدت إليها هذه الاتفاقيات، وكذلك الاستفادة من النصوص المتعلقة  بمكافحة الإغراق وحماية الصناعات الناشئة سواء بتشميل أكبر عدد ممكن من الصناعات  فيها  أو / و تمديد الفترة الزمنية الممنوحة لهذه الصناعات خلال فترة تنفيذ الاتفاقية على أن يترافق ذلك بتكثيف جهود هذه الصناعات من أجل تطوير قدرتها التنافسية خلال الفترة المحددة.

2- الإسراع في إحداث مركز التحديث الصناعي ليتولى تحديث وتطوير الشركات الصناعية التي تحتاج لعملية التحديث من أجل متابعة نشاطها وزيادة قدرتها التنافسية ، على أن يترافق ذلك مع إحداث الصندوق الوطني الخاص بالتحديث الصناعي الذي يتولى تمويل جزء من تكاليف تحديث هذه الشركات من المبالغ التي تتوفر له من فرض رسم بسيط على المستوردات الصناعية والهبات المقدمة من الجهات المانحة ومن النسبة التي يفترض أن تسددها الشركات المستفيدة  من تكاليف تحديثها ومن الاعتمادات التي يمكن أن تخصصها الدولة لهذا الغرض. 

3- تشكيل مجلس خاص للتنمية الصناعية يتولى وضع ومتابعة تنفيذ الخطط والاستراتيجيات والسياسات الخاصة بالتنمية الصناعية ومتابعة تنفيذها، والتنسيق ما بين الوزارات والجهات العامة والخاصة ذات العلاقة بالصناعة برئاسة رئيس مجلس الوزراء بحيث يضم إضافة إلى الوزراء المعنيين  ممثلين فعالين من القطاع الخاص ومن المختصين والمستشارين. ويمكن أن ينبثق عن هذا المجلس لجان وطنية مختصة للنهوض بفروع الصناعة الوطنية الرئيسية والمستهدفة.

4- إعطاء مسألة التمويل الصناعي بكافة مستوياته: المتناهي الصغر والصغير والمتوسط  الاهتمام المطلوب من المصارف والصناديق العامة والخاصة وبشكل خاص ما يتعلق بتسهيل شروطه وضماناته ، مع التأكيد على أن تكون المنشأة الصناعية بآلاتها وتجهيزاتها وبنائها هي ضمانة القرض المطلوب باعتبار أن مخاطر إغلاق المنشآت الصناعية كلياً أو جزئياً  أو تراجع النشاط الصناعي أكثر ضرراً وخطرا من الناحية الاقتصادية والاجتماعية على الاقتصاد الوطني من تأخر تسديد القرض أو إعادة جدولته.ومن الهام جداً في هذه المرحلة الحرجة بالذات دراسة  تقديم قروض قصيرة وبشروط ميسرة للمنشآت الصناعية المتعثرة حالياً لاستخدامها كرأسمال عامل من أجل تحريك  الانتاج والأسواق والمحافظة على وجودها والعاملين فيها.

 

5-إحداث المؤسسات الداعمة الضرورية  للصناعة وبشكل خاص المراكز الفنية المتخصصة        ( نسيجية ، غذائية ، هندسية ، كيميائية…)  التي تتولى توفير خدمات المخابر المعتمدة  والمعلومات الصناعية والتسويقية والتدريبية والدراسات والاستشارات المختصة في كل قطاع، على أن تعمل بشكل مستقل وبالمشاركة مع القطاع الخاص. وكذلك تفعيل دور المؤسسات والهيئات الداعمة القائمة حاليا مثل هيئة المواصفات، ومركز الاختبارات ، مع إعطاء الاهتمام اللازم  لتطوير المديرية العامة للجمارك والجهات الأخرى ذات العلاقة بالتجارة الخارجية لضمان التطبيق السليم والعادل للاتفاقيات في هذه المجالات بما في ذلك مجابهة إمكانية استخدام  بعض الدول المواصفات والاشتراطات الفنية وغير الفنية الأخرى  كوسيلة لإعاقة دخول  المنتجات السورية إلى أسواقها.

6- إحداث الهيئة الموحدة للتعليم والتدريب المهني لتتولى عملية تطوير وتشغيل  كافة مراكز ومعاهد  التدريب والتعليم المهني بشكل عصري متقدم ( مناهج ومدربين وأدوات) وبشكل  يلبي  الاحتياجات الحالية والمستقبلية للصناعة السورية وإدارة هذه الهيئة والمراكز التابعة لها بالمشاركة مع القطاع الخاص والجامعات والمؤسسات التعليمية  والبحثية الأخرى.

7-  اعتماد وتنفيذ برنامج وطني متكامل لإصلاح القطاع العام الصناعي، يركز بشكل أساسي على تحسين بيئة عمل هذا القطاع الإدارية والتنظيمية والمالية والإنتاجية وأسلوب اختيار إداراته، بما يؤدي إلى معالجة مشاكله وتمكينه من العمل كالقطاع الخاص بالأسلوب الذي يجعله قطاعاً رابحاً منافسا قادراً على البقاء والتوسع بإمكانياته الذاتية ، ولا يختلف عن القطاع الخاص إلا في توريد  الجزء الخاص الموزع من أرباحه إلى وزارة المالية. مع التأكيد على ضرورة  أن يتم إعداد هذا البرنامج وتنفيذه  وفق برنامج مادي وزمني  واضح ومحدد.

8- الانتقال إلى دور جديد تنموي ولا مركزي لوزارة الصناعة يحولها إلى وزارة سياسات صناعية تقوم بتشجيع وتحفيز وتمكين الصناعة السورية  كقطاع وطني واحد بكافة أشكال الملكية بما فيها القطاع المشترك والقطاع التعاوني  لتحسين  قدرتها التنافسية، وهذا يتطلب عكس هذا الدور بالشكل المناسب على البنية الهيكلية والتنظيمية للوزارة وتطوير قدرات العاملين فيها.

9- الإسراع في إحداث المؤسسة الخاصة المستقلة لدعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بمشاركة كافة الوزارات المعنية والقطاع الخاص والانتقال عملياً لتطبيق مفهوم العنقود الصناعي ودعم بوادره الموجودة حالياً في عدد من المدن والمناطق بشكل عملي.

10- العمل على تخفيض الرسوم الجمركية على مستلزمات الانتاج الصناعية التي لا تنتج محلياً وذلك بهدف تمكين الصناعة السورية من خفض تكاليف الانتاج فيها وتمكينها من  مواجهة المنافسة غير العادلة مع البضائع المستوردة المماثلة والنفاذ إلى الأسواق الخارجية .

11- بذل المزيد من الجهود من أجل الاستفادة المثلى من برامج التعاون الفني المقدمة من الاتحاد الأوروبي والجهات الدولية المانحة الأخرى من خلال التنسيق فيما بين المشاريع والبرامج التي يجري وسيجري تنفيذها ذات العلاقة بالصناعة السورية، بشكل يضمن تكاملها وعدم التكرار والازدواجية فيما بينها وتحقيق أهدافها بأفضل الأساليب وأقل التكاليف وأقصر الأوقات، الأمر الذي يتطلب رفع قدرات العاملين في الإدارات المعنية بهذا التعاون في الجهات المستفيدة لغوياً وفنياً وتحفيزهم من أجل تحقيق هذه الأهداف ومتابعتها .

12- التركيز على بناء الخبرات الوطنية في مجال التحديث والتطوير الصناعي في كافة الاختصاصات ، وإفساح المجال أمامها للمساهمة بشكل أكبر وأفضل في هذه العملية، وهذا بدوره  يتطلب تنظيم مهنة الاستشارات من خلال الجمعيات الموجودة والمعتمدة وتشجيعها على تطوير نفسها ورفع كفاءة أعضائها بشكل مستمر، وإزالة الغبن والتمييز الذي تقوم به بعض المنظمات والجهات المانحة بين الاستشاري الوطني والأجنبي عند تساوي الكفاءات والمؤهلات.كذلك إشراك المهندسين والاستشاريين السوريين بتنفيذ المشاريع والبرامج التي تنفذها الشركات الأجنبية  سواء من خلال المشاركة في تصميم المشروع وتصنيع آلاته، أو بإلزام هذه الشركات ما أمكن بإبرام عقود ثانوية مع الجهات السورية الخاصة والعامة لإنجاز الأعمال وفق الشروط المطلوبة.

13- التحسين المستمر في مناخ الاستثمار في سورية بكافة مكوناته ومستلزماته وعدم اختزال مفهومه بإصدار القوانين فقط دون متابعة ذلك بتوفير وتفعيل مكونات البيئة الاستثمارية  الأخرى وبشكل خاص معالجة المعوقات البيروقراطية والفساد وذلك من أجل تشجيع الاستثمارات العربية  والأجنبية على دخول المجال الصناعي وعدم اقتصارها كما هو قائم حالياً  على المستوى السياحي والعقاري ، ما يتطلب منحه الأهمية اللازمة من قبل الجهات المعنية وبشكل خاص الهيئة السورية للاستثمار من أجل إعداد ملفات للمشاريع الصناعية المقترحة والترويج لإقامتها في سورية، خاصة في ضوء الخسائر الكبيرة التي منيث بها الاستثمارات العربية الخارجية نتيجة الأزمة العالمية وبحثها عن أماكن آمنة لاستثمار ما تبقى من هذه الاستثمارات.

14- توعية الصناعيين ومنظماتهم بأهمية وضرورة وجود معلومات وبيانات صحيحة وواقعية لضمان تشخيص ومتابعة واقع الصناعة السورية بشكل دقيق ووضع السياسات واتخاذ الإجراءات التي تتناسب مع هذا الواقع الفعلي. وهذا يتطلب أيضاً توفير الإمكانيات المادية والفنية والبشرية المؤهلة للمكتب المركزي للإحصاء وأجهزة التخطيط والإحصاء في مختلف الجهات العامة والخاصة من أجل رفع سوية الإحصاءات ذات العلاقة بالصناعة  والتجارة الخارجية بشكل خاص ورصد وتقييم آثار تطبيق الاتفاقية  بشكل عام  وتوفيرها بسوية عالية وبأسرع وقت ممكن.

15- تشجيع إقامة شركات متخصصة لتسويق المنتجات الوطنية وإجراء الدراسات التسويقية اللازمة لاختيار المنتج المناسب للسوق المناسبة على أن تتكامل جهود هذه الشركات مع تفعيل دور ومهام الملحقيات التجارية في السفارات السورية والمراكز التجارية الخارجية وهيئة تنمية الصادرات، والمؤسسة العامة للمعارض . وإعطاء الأولوية في توقيع اتفاقيات التعاون وتحرير التبادل التجاري مع الدول التي توفر فرصة وإمكانية أكبر لتصدير المنتجات الصناعية إليها.     

16- إطلاق حملة وطنية شاملة لتشجيع الصناعة الوطنية مترافقة بالتزام واضح من الصناعيين بضمان الجودة والسعر المناسب وبخدمة ما بعد البيع  وبتسهيلات الشراء ، مع ضرورة  التحذير الشديد مما قد يلجأ إليه بعض الصناعيين من تخفيض نوعية المنتجات الوطنية لتخفيض كلفتها وسعرها لمنافسة البضائع المستوردة. لأنهم بذلك يسيئون أكبر الإساءة إلى سمعة الصناعة الوطنية ومصداقيتها محلياً وخارجياً .

17- اعتماد برنامج واسع ومستمر لتعريف وتوعية القطاع الخاص بمتطلبات وشروط وكيفية الاستفادة من فرص اتفاقيات الشراكة وتحرير التبادل التجاري.وتقديم الدعم الفني المستمر لرفع قدرة رجال الأعمال ومؤسساتهم فيما يتعلق بأساليب الادارة الحديثة ومواجهة المخاطر وإعادة النظر بالأسس والقوانين التي تحكم عمل غرف واتحادات التجارة والصناعة بما يضمن تجاوز نقاط الضعف والسلبيات الحالية وتشجيع قيام جمعيات الأعمال المتخصصة.

18- الإسراع في معالجة موضوع رغبة الشركات الصناعية خارج المدن الصناعية بتوسيع نشاطها سواء من خلال البلاغ رقم 10 أو أي حل عملي وسريع آخر يضمن ضخ استثمارات صناعية جديدة لتحسين وزيادة القدرة الإنتاجية والتنافسية لهذه المنشآت مع التركيز قدر الإمكان على التوسع الشاقولي في البناء

 

إن هناك مسألة غاية في الأهمية لابد من الإشارة إليها في هذا المجال، وهي أن عملية رصد واستقصاء آثار الأزمة الاقتصادية العالمية على عدد من المنشآت الصناعية ، ونتائج تطبيق اتفاقية منطقة التجارة الحرة مع البلدان العربية وتركيا ، بينت درساً على درجة كبيرة من الأهمية مفاده أن الشركات التي كانت تدار بأسلوب عصري وحديث كانت  أكثر استفادة من فرص هذه الاتفاقيات وأقل تأثراً من الشركات الأخرى ب السلبية  وأسرع  منها في التعافي ، حتى أن بعضها لم يواجه تغيرات جدية في نشاطه بما لا يتجاوز حركة الأسواق والمواسم الروتينية ، ويبدو أن هذا هو الحال في عدد من البلدان المجاورة. إن هذا يؤكد ضرورة انتقال أسلوب إدارة المنشآت الصناعية الخاصة إلى أسلوب جديد يعتمد أساليب الادارة الحديثة في الانتاج والتسويق والتدريب والتأهيل  كخيار لابد منه من أجل البقاء والتطور.  وهذه هي مهمة الصناعيين الأولى والأساسية من أجل البقاء والصمود في عالم اليوم المتغير باستمرار . ولكن في نفس الوقت واستناداً إلى التجارب الصناعية الناجحة في عدد من البلدان التي تجاوزتنا في التنمية الصناعية وكانت إلى يوم قريب بمستوى سورية أو أقل، فإن دور الدولة أساسي في هذا المجال لأنه يكمل جهود الصناعيين ويوفر لهم البيئة المناسبة للنجاح والنمو من خلال كفاءة السياسات الاقتصادية عموماً والصناعية خصوصاً وإقامة  المؤسسات الداعمة اللازمة وتفعيل دور ما هو موجود منها .

أخيراً إن هذه المقترحات التي تهدف أساساً إلى تحسين أداء الصناعة السورية بشكل عام من أجل الاستفادة من الفرص الايجابية  التي تتيحها اتفاقيات الشراكة السورية وتحرير التبادل التجاري  ، وتخفيف آثارها السلبية  في أسرع وقت وبأقل كلفة ممكنة ، إنما هي مقترحات لإجراءات وتدابير ملحة وضرورية  لم تعد تحتمل المزيد من البطء والتأجيل ولابد من اتخاذها ، باعتبارها تستهدف  تأهيل الصناعة السورية ورفع قدرتها التنافسية  ، كما أنها في  النتيجة ستمكنها من النفاذ إلى أية أسواق أخرى ممكنة مستقبلاً.