أكتوبر 31, 2015 دراسات وتقارير 0 تعليقات

التطور التكنولوجي لاستدامة الصناعة

محمد مرياتي*

مقدمة:

الاقتصاد المبني على المعرفة، التنافسية، الاستدامة

يطل القرن الحادي والعشرون ومعه تغيرات جذرية هامة تطرح العديد من التحديات ومن الفرص، وليست الدول العربية بمنأى عن هذه التغيرات. تأتي العولمة المالية والصناعية والتجارية وعولمة الخدمات (من اتصالات ونقل وغيرها) لتطرح زيادة هامة في التنافس الدولي على مختلف الأصعدة.

كما تتعاظم أهمية المعرفة (والتكنولوجيا أحد أهم عناصرها) في الاقتصاد حتى غدت سمة اقتصاد القرن الحادي والعشرين هي سمة الاقتصاد المبني على المعرفة (Knowledge-Based Economic). وتدخل المعرفة كعنصر أساسي أكثر فأكثر في تنفسية الصناعة واستدامها بل في تنمية واستدامة كافة قطاعات الإنتاج والخدمات. ويتجلى ذلك في زيادة نسبة الصادرات المعرفية في مجمل الصادرات كما تزداد صادرات الخبرة Know-how، وصادرات الخدمات المعرفية من استشارات ومعلومات وغير ذلك. وكذلك تزداد نسبة تكلفة المعرفة في التكلفة الإجمالية للمنتجات والخدمات. ومن الظواهر الأخرى لهذه التغيرات نجد أن المعرفة تتحول إلى سلعة مما يستدعي حمايتها والحفاظ على سريتها وهذا ما أدى إلى زيادة في نشاط المنظمة العالمية لحماية الملكية الفكرية WIPOوإلى عقد اتفاقية TRIPS(اتفاقية الملكية الفكرية ذات العلاقة بالتجارة). كما أدى ذلك إلى تغير أساسي في حسابات الأصول الثابتة والأصول غير المادية للشركات لصالح الأصول المعرفية Intangible Assetsالتي ازدادت قيمتها بشكل هائل.

وهذا التوجه في الاقتصاد من قيامه على إنتاج السلع والخدمات المبنية على المادة ووحدتها الذرة Atom، إلى السلع والخدمات المبنية على المعرفة ووحدتها البت Bit، يؤدي إلى تغير أيضاً في عمليات الإنتاج والتسويق، إذا أن السلعة المعرفية تنتج مرة واحدة وتباع ملايين المرات بعكس السلع المادية التي يجب أن تنتج كل مرة. إن هذا التغير يجعل أرباح الدول التي تنتج المعرفة أرباحاً خيالية (مثال شركات البرمجيات الأمريكية).

ومن التغيرات أيضاً تعاظم أهمية تعليم الفرد وتدريبه المستمر فقد زادت مدة التعليم والتدرب كنسبة في حياة الفرد وأصبحت أجور العمال المهرة في المعرفة أعلى بكثير من غيرهم كما تزداد نسبة البطالة في صفوف العاملين غير المتعلمين.

من جهة أخرى يقدم التطور العلمي والتكنولوجي فرصاً كبيرة لتطوير المقدرة التنافسية للمؤسسات وللدول ولزيادة الإمكانيات الوطنية للتنمية المستدامة. يتم هذا من خلال تطوير منظومة العلم والتكنولوجيا الوطنية وتحويلها تدريجياً إلى نظام وطني للابتكار أو الإبداع National Innovation System (NIS). إن تفعيل منظومة العلم والتكنولوجيا عبر تبني سياسة لها واستراتيجية لتنفيذ هذه السياسة، وعبر تقوية الروابط والجسور بين مركبات هذه المنظومة، يؤدي إلى إيجاد نظام وطني للإبداع يزيد من المقدرة التنافسية ويحقق التنمية المستدامة اللازمة للوطن العربي للقرن الحادي والعشرين.

إن سياسة زيادة القدرات الإنتاجية التي اعتمدتها الدول العربية عبر استيراد فعاليات إنتاجية جديدة لم تؤدي إلى نقل وتوطين التكنولوجيات المستوردة، ولا بد من أجل حصول هذا التوطين من وجود نظام وطني للإبداع قادر على حسن استيراد التكنولوجيا وعلى توطينها وإنتاجها محلياً وبشكل تدريجي.

إن العلم والتكنولوجيا ثورة لا تنضب وتزداد أهميتها للتنمية بشكل كبير مع بدايات القرن القادم، والعالم العربي مدعو لإعادة تقييم نظرته للعلم والتكنولوجيا ودورها في بناء الدول.

الإنتاجية في الوطن العربي

الوطن العربي مجتمعاً والدول العربية واحدة بواحدة بحاجة لتغيير نظرتها ومعالجتها لمنظومة العلم والتكنولوجيا لديها وبخاصة موضوع نقل التكنولوجيا واستيعابها وتوليدها.

يتجه الاقتصاد العالمي أكثر من أي وقت مضى في تاريخ البشرية إلى اقتصاد المبني على المعرفة، وتعد التكنولوجيا العنصر المعرفي الأهم في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية. فالتكنولوجيا أصبحت أكثر مما مضى عاملاً أساسياً في الإنتاج والإنتاجية، وفي توفير فرص العمل الحقيقة، وفي تنويع الاقتصاد، وفي زيادة القيمة المضافة والأرباح وزيادة الدخل القومي، وفي توفير مقومات الدفاع والأمن الذاتيين.

يبين الجدول رقم –1- (المستخلص من تقرير التنمية البشرية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي لعام 1999) الناتج المحلي الإجمالي GDPوالناتج الوطني الإجمالي GNPللدول العربية مجتمعة بالمقارنة مع بعض الدول المتقدمة أو النامية. كما يقارن الجدول عدد السكان والمصروف على التعليم والدفاع.

 

الجدول رقم –1-

الدول العربية

BS

GNP

S

GNP

Per capita

مليون

عدد السكان

BS

GDP

GDP%

المصروف على الدفاع

GNP%

المصروف على التعليم

1997

1997

1997

1997

1988

1985

324.2

1754

252.4

408.2

8.2

5.9

هولندا

403.1

25830

15.6

360.3

2.9

6.4

النمسا

225.4

27920

8.1

206.2

1,1

5.9

إيطاليا

1160.4

20170

57.4

1145.6

2.3

5.0

إسبانيا

569.6

14490

39.6

532.0

2.1

3,3

كوريا

485.2

10550

45.7

442.5

4.0

4.5

المكسيك

348.6

3700

94.3

403.0

0.5

3.9

البرازيل

784.0

4790

163.7

820.4

1.4

3.8

فرنسا

1541.6

26300

58.5

1392.5

3.8

5.8

ماليزيا

98.2

4530

21.0

98.5

2.5

6,6

 

المصدر: تقرير التنمية البشرية UNDP1999.

إن الناتج الوطني الإجمالي للدول العربية هو 2.324 بليون دولار عام 1997 بما في ذلك البترول، وعدد السكان 4.252 مليون نسمة. أما إذا استثنينا البترول فإن هذا الناتج سيكون حوالي 230 بليون دولار. بمقارنة هذا الناتج لكل الدول العربية مجتمعة نراه أقل من ناتج هولندا لوحدها وعدد سكانها 6.15 مليون نسمة فقط وهو أقل من ثلث ناتج إيطاليا وخمس ناتج فرنسا كما أنه أقل من ناتج كوريا الجنوبية أو المكسيك. يدل هذا على انخفاض إنتاجية Productivityالفرد في الوطن العربي بوجه عام وانخفاض القيمة المضافة في صادراته مع ضعف في التنوع الاقتصادي لديه وارتفاع البطالة الظاهرة أو المقنعة.

إن التكنولوجيا من العوامل الأساسية التي يمكن أن تغير في هذا الوضع غير المقبول مع قدوم القرن الحادي والعشرين، قرن الاقتصاد المبني على المعرفة.

من جهة أخرى، فقد استثمر الوطن العربي بين عامي 1980 و1997 أكثر من 2500 بليون دولار في تكوين رأس المال الثابت الإجمالي GFCF(المصانع والبنية التحتية…) ولكن رأينا أن وسطي دخل الفرد GDP/Capitaقد انخفض خلال هذه الفترة، وهذا يدل على أن هذا الاستثمار لم يرافقه نقل حقيقي للتكنولوجيا، إذ أن ما تم هو نقل وسائل إنتاج وليس نقل تكنولوجيا كما سنرى (انظر كتاب أنطوان زحلان "العرب وتحديات العلم والتقانة-تقدم من دون تغيير"). وكمثال على الانخفاض الكبير في الإنتاجية والضعف في استعمال التكنولوجيات الحديثة نأخذ حالة القطاع الزراعي في الوطن العربي، حيث تدل الإحصائيات على أن أكثر من 50% من العمالة العربية تعمل في هذا القطاع إلا أن عائدات هذا القطاع لا تشكل 10% من الدخل الإجمالي المحلي العربي، أي أن التكنولوجيات المستعملة في هذا القطاع خاصة تحتاج لإعادة نظر واهتمام كبيرين (إدارة الري، نوع البذار، نوع السماد ومنهجية استعماله، أتمتة الأعمال الزراعية، إدارة الأراضي، إدارة المحصول، سياسات التسعير والتسويق والتصدير، تكنولوجيات الصناعات الزراعية والغذائية وجودة الإنتاج، وتكنولوجيات التعليب والحفظ والتجميد…).

يشهد العالم متغيرات كبيرة في عملية نقل التكنولوجيا مع التوجه نحو العولمة والاندماجات الاقتصادية، كما يشهد تسارعاً كبيراً في توليد التكنولوجيا واحتكارها، ويضاف إلى ذلك تغيرات في تنظيم التجارة عن طريق منظمة التجارة العالمية WTOو UNCTADوعن طريق حماية الملكية واتفاقية TRIPSالخاصة بالتجارة المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية.

ومما يسر مع بداية القرن الجديد أن العديد من الدول العربية تنبهت لهذه الظاهرة وأخذت باتخاذ الإجراءات الجادة، التي تبدأ بالطبع بصياغة سياسة واستراتيجية للعلم والتكنولوجيا، والأهم من ذلك وضع آليات لتنفيذها تشتمل على برامج وطنية محددة تخصص لها الموارد المادية والبشرية ويحدد لها توقيت للإنجاز، الأمل معقود على نجاح هذه المبادرات.

اكتساب التكنولوجيا: نقل وتوطين وتوليد

·  إن مصطلح التكنولوجيا (التقنية أو التقانة) مفهوم يصعب توضيحه في هذه العجالة إلا أننا يمكن أن نقول بأنه مجموع المعارف والخبرات والمهارات اللازمة لتصميم ولتصنيع منتج أو عدة منتجات وإنشاء مشروع لهذا الغرض.

·  وسنصطلح على كلمة "اكتساب التكنولوجيا" لنعني بها نقل وتوطين ثم توليد التكنولوجيا محلياً. أما "نقل التكنولوجيا" فقد جرى فهمه وممارسته حتى الآن في الوطن العربي على أنه نقل مصنع (وسائل إنتاج) لمنتج أو عدو منتجات والتدرب على تشغيله وتسويق منتجاته وفق عقد ترخيص مجسد في سند قانوني ويحدد عدداً من الممارسات فيما يتعلق بتعديل عملية الإنتاج وفي السوق المتاحة وفي المواد المستعملة وطرق تأمينها.

·  أما "توطين أو استيعاب التكنولوجيا" فيتم عندما يتمكن المختصمون المحليون أو الوطنيون من فهم عمليات الإنتاج ومواصفات المواد المستعملة مع المقدرة على تطويرها وتحسينها لتجاري التطور العالمي لهذه التكنولوجيا وبحيث يبقى المصنع يجاري التنافس العالمي الحاصل نتيجة التطور التكنولوجي للمواد وللعمليات الداخلة في تصنيع هذا المنتج.

·  أما "توليد التكنولوجيا" فيكون بإيجاد تكنولوجيات جديدة مبتكرة أو مطورة محلياً يمكن بواسطتها تصنيع منتجات مستحدثة منافسة عالمياً.

·      وتشتمل إدارة التكنولوجيا (MOT) Management of Technologyعلى الأمور التالية:

إدارة نقل التكنولوجيا:

اختيار التكنولوجيا Selection

– اقتناء التكنولوجيا   Acquisition

– استخدام التكنولوجيا        Deployment

إدارة توطين التكنولوجيا أو استيعابها:

– الهندسة العكسية   Reverse Engineering

– التطويع التكنولوجي        Local Development

– فك الحزمة التكنولوجية     Unbundling

ملائمة التكنولوجيا مع البيئة (ومع عملية التنمية المستدامة).

إدارة توليد التكنولوجيا:

– البحث والتطوير   Research and Development

– إدارة النظام الوطني للابتكار        National Innovation System

–         -براءات الاختراع وحقوق الملكية الفكرية  

–         -توليد مصانع أو شركات جديدة   Entrepreneurship

–         -توليد التكنولوجيا         Technology Funding

·  وتمر التكنولوجيا بدورة حياة تبدأ ببزوغها Emerging Technologyثم تصبح تكنولوجيا ناضجة Mature Technologyوأخيراً تتقادم Old Technology.

·  وتكون التكنولوجيا بسيطة أو مركبة (في حزمة) وتسعى الدول المستوردة للتكنولوجيا إلى فك الحزمة في بعض الأحيان بهدف فهم المركبات والسيطرة عليها.

·      أما طرق نقل التكنولوجيا وعقود نقلها فلها عدو أنواع مثل:

–         -التراخيص الصناعية Licensing (تسليم مفتاح باليد، منتج باليد، سوق باليد).

–         -التحالفات الاستراتيجية Strategic Alliances.

–         -عقود المعونة الفنية Technical Assistance.

–         -اتفاقية براءات الاختراع أو استخدام العلامات التجارية Patents Trademark

–         -الاستثمار الأجنبي المباشر (فروع للشركات) Foreign Direct Investment (FDI).

–         -التدريب والخدمات الإدارية والإشرافية.

–         -اتفاقية حق المعرفة,

·      وللتكنولوجيا مصادر خارجية ومصادر داخلية ويتم نقل التكنولوجيا إما من الخارج أو من الداخل.

فمن المصادر الخارجية ما يلي:

الشركات الصناعية الكبرى والمتخصصة، المنظمات الدولية، المكاتب الاستشارية، المراكز البحثية والتطويرية، الكتب والمراجع، الجمعيات المتخصصة ومراكز المعلومات، الخبراء، مراكز التدريب والجامعات.

ومن المصادر الداخلية أو المحلية فما يلي:

مراكز البحث والتطوير، جهاز البحث والتطوير داخل المنشأة أو الشركة، الجامعات والمعاهد، الشركات الأخرى، المكاتب الاستشارية، هيئة المواصفات والمقاييس ومكاتب براءات الاختراع، الخبراء.

علاقة العلم والتكنولوجيا بالتنمية

تثبت البحوث الاقتصادية الأخيرة أكثر مما مضى العلاقة الوطيدة بين تقدم القدرات العلمية والتكنولوجية للدولة وبين معدلات التنمية الاقتصادية والاجتماعية فيها. ويقدر بعض الاقتصاديين أكثر من 50% من النمو التراكمي لدخل الفرد (Historical growth in per capita income) في الولايات المتحدة يعود التقدم التكنولوجي الأمريكي. كما وجدوا أن "العائدات الاقتصادية الكلية (Total economic return) للاستثمار في البحث والتطوير أعلى بعدة مرات من أي شكل من أشكال الاستثمار الأخرى".

كما يقدر الاقتصاديون حالياً أن أكثر من 50% من الناتج المحلي الإجمالي GDPفي دول OECDمبني على المعرفة، فقد ازدادت الصناعات المبنية على المعرفة في معظم الدول المتقدمة بالنسبة إلى مجمل الصناعة بين عام 1970 وعام 1994، ويتبين ذلك أيضاً من زيادتها في صادرات هذه الدول، حيث وصلت نسبة الصادرات البنية على المعرفة في اليابان إلى 36% وفي الولايات المتحدة إلى 37% و43% في أيرلندا و32% في المملكة المتحدة.

ويحاول الاقتصاديون الآن إيجاد طرق لإدخال عامل المعرفة بشكل مباشر وواضح في نظرياتهم ونماذجهم الاقتصادية، ومنها مثلاً "نظرية النمو الجديدة".

وعند دراستنا لمؤشرات العلم والتكنولوجيا ومقارنتها مع المؤشرات الاقتصادية، نجد مثلاً أن هناك بشكل عام ترابط رياضي Correlationبين ما تصرفه الدولة على البحث والتطوير منسوباً لعدد سكانها GERD/Capita، وكذلك يوجد ترابط رياضي بين عدد العلماء والمهندسين العاملين في البحث العلمي منسوباً لعدد السكان وبين دخل الفرد.

لقد تنبهت الدول والشركات لهذه الظاهرة ولذلك جد أن السمة العامة لنسبة ما تصرفه الدول المتقدمة على البحث التطوير من القطاعين العام الخاص إلى الناتج المحلي الإجمالي كان في ازدياد مضطرد خلال العقود الأربعة الأخيرة. من جهة أخرى تنبهت بعض الدول النامية لذلك وزادت ما تصرفه على منظومة العلم والتقنية لديها بشكل كبير مما أدى لمعدلات نمو مرتفعة عندها (دول شرق وجنوب شرق آسيا).

ويبدو الآن أن الميزات التفاضلية التقليدية Comparative advantageللدول النامية (رخص اليد العاملة، توفر المواد الأولية، توفر الأرض) تقل أهميتها تدريجياً بالمقارنة مع ازدياد أهمية الميزات التنافسية المبنية على المعرفة Competitive advantageوالتي تؤدي إلى زيادة في الإنتاجية وفي القدرة التنافسية، علماً بأن القوة المحركة لهذه الميزات التنافسية هي النظام الوطني للإبداع NIS.

منظوم العلم والتكنولوجيا

لكل دولة منظومة للعلم والتكنولوجيا S&T Systemتعكس الأهمية التي توليها هذه الدولة والتكنولوجيا، وتعكس الدور الذي يلعبه العلم والتكنولوجيا في عملية التنمية لدى تلك الدولة. تشتمل منظومة العلم والتكنولوجيا على مركبات أو عناصر تؤلف بمجموعها منظومة متكاملة. تتوزع هذه المنظومة على القطاعات المختلفة في المجتمع، فلكل قطاع من القطاعات منظومته الفرعية للعم والتكنولوجيا. أما المركبات فيمكن النظر إليها وفق محورين: أولهما يعكس مجال النشاط العلمي والتكنولوجي مثل تنمية القوى البشرية والبحث العلمي والتطوير التكنولوجي ونقل التكنولوجيا والإنتاج والتسويق والخدمات العلمية والتكنولوجية (التقييس، المعلومات، الشركات الاستشارية)، وثانيهما: المستوى أو العمق أو درجة التعقيد التي تعمل بها الدولة في كل مجال نشاط من المجالات المذكورة أعلاه. وهذا المستوى يتدرج من مستوى السلع المنتهية إلى مستوى مركبات السلع أو العناصر أو أجهزة القياس أو أجهزة الإنتاج (السلع الرأسمالية) أو مستوى معالجة المواد أو مستوى استخراج المواد، ويسري هذا كله على كل قطاع من القطاعات.

عادة ما تتفاعل المركبات الوطنية لهذه المنظومة مع المنظومة العالمية للعلم والتكنولوجيا والشكل رقم (1) يبين تمثيلاً لمثل هذه المنظومة.

 

من جهة أخرى، يمكن معالجة منظومة العلم والتكنولوجيا الوطنية على أنها نظام تحكم Control Systemتقليدي له مدخلات Inputsومخرجات Outputs، كما يتصف عمله بوجود تغذية خلفية Feedback، حيث تؤثر مخرجات النظام على مستوى ونوعية ومدخلاته، ويضاف إلى ذلك كله وجود مؤثرات خارجية Controlعلى هذا النظام تحدد جودة أدائه وفعاليته. يبين الشكل (2) تمثيلاً لهذا النظام.

من مدخلات منظومة العلم والتكنولوجيا الموارد البشرية والمالية، التكنولوجيا المستوردة، التجهيزات والبنية التحتية، البيئة الاجتماعية والاقتصادية، أما أهم مخرجات المنومة فهي المعرفة الناتجة عن الدراسات والبحوث وبراءات الاختراع الناتجة عن تطوير منتجات وتكنولوجيات ومواد وعمليات.

هذه المخرجات تؤدي عند استثمارها إلى زيادة الإنتاج والخدمات وغلى تصدير تكنولوجيا، مما يرفع من مستوى المعيشة وهذا بدروه يزيد من مستوى وكمية مدخلات المنظومة، وهكذا تعمل منظومة العلم والتكنولوجيا كدافع ومحرك لعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

هناك بالطبع مؤثرات خارجية تتحكم بعمل وأداء منظومة العلم والتكنولوجيا إذ يمكن أن تشل عملها كاملاً أو تسرعه وتدعمه. من هذه المؤثرات وجود سياسة معتمدة من قبل الدولة للعلم والتكنولوجيا واستراتيجيات وآليات لتنفيذ هذه السياسة، ومنها أيضاً القوانين والتشريعات المعتمدة لتسهيل ودفع عمل المنظومة وما يتبعها من مبادرات ومشاريع وطنية، ومنها أيضاً السياسة الخارجية والاقتصادية للبلد، ومدى تفاعلها مع منظومة العلم والتكنولوجيا العالمية. إن وجود منظومة العلم والتكنولوجيا مع وجود سياسة معتمدة لها مؤثرات إيجابية تربط مركباتها مع بعضها البعض يجعل هذه المنظومة تتحول إلى نظام وطني للإبداع أو الابتكار.

النظام الوطني للإبداع أو الابتكار

الابتكار Innovationهو إيجاد تطوير جديد أو تعديل جديد على مادة أو عملية إنتاجية أو خدمية تؤدي للحصول على عائد اقتصادي أو دفاعي. أما النظام الوطني للابتكار (أو الإبداع) NISفهو مجموعة من مركبات منظومة العلم والتكولوجيا يضاف إليها وجود علاقات تفاعل فيما بينها تؤدي إلى توليد ونشر واستعمال معرفة جديدة تستثمر اقتصادياً أو دفاعياً أو اجتماعياً ضمن حدود الوطن.

يبين الشكل رقم (3) تمثيل رمزياً للانتقال من منظومة العلم التكنولوجيا إلى النظام الوطني للابتكار NISويبين المخرجات أو النتائج التي تتأتى عن مثل هذا الانتقال.

والنظام الوطني للابتكار لا يمكن أن يوجد بدون إطار Frameworkيُفعّل العلاقات والروابط بين مركبات منظومة العلم والتكنولوجيا الوطنية والعالمية. وهذا الإطار هو ما نسميه بالسياسة الوطنية للعلم والتكنولوجيا. إذن فالنظام الوطني للابتكار هو ببساطة تجسيد لوجود منظومة وطنية للعلم والتكنولوجيا، تحكمها سياسة وطنية واضحة، ذات أهداف محددة وأولويات معلنة، يتم تنفيذها من خلال استراتيجيات مدروسة تضمن وجود الروابط والعلاقات الفعالة بين مركبات هذه المنظومة ويبين الشكل رقم (4) تبسيطاً لهذا المفهوم.

يتطلب وجود النظام الوطني للابتكار توفر إجراءات محددة يجري وضعها والتنسيق فيما بينها ضمن إطار العمل أو السياسة. تضمن هذه الإجراءات وجود الأهداف ووجود الروابط بين مركبات منظومة العلم والتكنولوجيا. يمكن تصنيف هذه الإجراءات في أبواب تشريعية قانونية، ومالية، وبشرية، ومؤسسية.

فمن الإجراءات القانونية وجود تشريعات تنظم عقود اكتساب التكنولوجيا وعقود شراء وسائل الإنتاج والتجهيزات بشكل يضمن نقل بعض المعرفة للوطن، ووجود تشريعات ضبط الجودة والمواصفات والمقاييس، وتشريعات حماية الملكية الفكرية وحماية البيئة واكتساب التكنولوجيات غير الملوثة، وتشريعات حرية الفكر والترجمة والتأليف والنشر وتشريعات محفزة للقطاع الخاص لتمويل أنشطة العلوم والتكنولوجيا وقيام الشركات الاستشارية في شؤون الإنتاج والخدمات.

ومن الإجراءات المالية تحفيز ضريبي ومالي للقطاع الخاص والعام للاستثمار في البحث والتطوير، وإدخال التكنولوجيا الحديثة في كل قطاعات الإنتاج والخدمات، وإجراءات تمنح تسهيلات ضريبية وجمركية تشجع نشوء الصناعات المستندة إلى التكنولوجيا المتقدمة، وإجراءات توفير رأس المال المخاطر لدعم قيام مؤسسات إنتاجية وخدمية مبنية على المعارف الوطنية الجديدة، وإجراءات زيادة المصروف على البحث والتطوير كنسبة من الناتج الإجمالي المحلي لتصل تدريجياً إلى 3% مثلاً، وإجراءات مالية تشجع قيام تعون عربي في مجالات العلم والتكنولوجيا على غرار الإجراءات الأوربية في مشاريع EspritوBRITو EURIKAوغيرها، وإجراءات مالية لتحسين وضع العاملين في العلم والتكنولوجيا في الوطن العربي لوقف هجرة العقول الهائلة وإعادة لعضها إن أمكن، وإجراءات مالية تشجع التفاعل والترابط بين مركبات منظومة العلم والتكنولوجيا.

وأما الإجراءات في مجال تكوين الأطر البشرية فهي أهم الإجراءات، وتمثل الاستثمار الأكثر فائدة للوطن إذا لم تحصل هجرة العقول بعد تكوينها. وهذا الاستثمار هو استثمار تكون عوائده أعلى من عوائد الاستثمار في أي من المجالات الأخرى في المجتمع، ومن الإجراءات اللازمة في إطار نظام الابتكار الوطني تحديد الاختصاصات التي ينبغي التركيز عليها في تكوين القوى الجامعية وذلك انطلاقاً من دراسات الوضع الراهن ودراسات مستقبل العلم والتكنولوجيا حسب القطاعات، ومن الإجراءات أيضاً التأكيد على نوعية التكوين وليس كميته وذلك بإحداث مؤسسات النخبة ومعاهد التكنولوجيا على التوازي مع الجامعات، وإعادة النظر في المناهج المعتمدة في كافة المراحل بهدف زيادة مواد العلم والتكنولوجيا فيها وإدخال مواد خاصة بالإنتاج والجودة والتقييس وتكنولوجيا المعلومات والمواد الجديدة والإدارة العلمية وغيرها مما استجد في اقتصاد العالم مع بداية القرن الحادي والعشرين، ومن الإجراءات أيضاً التوعية العامة عن طريق الإعلام المكتوب والمرئي والمسموع لأهمية العلم والتكنولوجيا في تحسين مستوى المعيشة وضمان الأمن، والاعتناء بالتكوين المستمر اعتناءً فائقاً وتبني فكرة التعلم مدى الحياة وخاصة في المجالات التكنولوجية سريعة التطور وزيادة تمويل هذه التدريب تدريجياً، وكذلك زيادة عدد ونسبة الموفدين أو المبتعثين في مجالات العلوم والتكنولوجيا وتوسيع الاهتمام بالدراسات العليا في الجامعات في المجالات العلمية والتكنولوجية، وربط هذه الدراسات بالمجتمع ربطاً محكماً، ومن الإجراءات المهمة الاعتناء بالتعاون العلمي والتكنولوجي العربي والعالمي وفق خطة واضحة وهادفة.

أما الإجراءات المؤسسية فتهتم بتشجيع وتسهيل إحداث وإصلاح مؤسسات العلم والتكنولوجيا إعادة النظر دورياً في أدائها وتحقيقها للأهداف المرجوة منها، وتفعيل مؤسسات البحث والتطوير في القطاعين الخاص والعام والتركيز عبر مشاريع وطنية على بناء قدرات تكنولوجية في مجالات محددة وفق أولويات مدروسة، وإجراءات للتنسيق والربط بين مؤسسات العلم والتكنولوجيا وفعاليات الإنتاج والخدمات مثل "حدائق العلم" و"الحاضنات التكنولوجية" و "المؤسسات الوسيطة" التي تربط بين البحث والتطوير من جهة والإنتاج والخدمات من جهة أخرى، ومؤسسات النشر العلمي وشبكات المعلومات وقواعدها والجمعيات العلمية والتكنولوجية ومؤسسات المواصفات والمقاييس والجودة ومؤسسات الاعتماد Accreditation.

وأخيراً نود التأكيد على الطبيعة القطاعية لنظام الابتكار الوطني مع الأهمية المتزايدة للتفاعل بين القطاعات المختلفة لضمان التعاضد والتداعم Synergyفيما بينها.

2إن ضعف النظام الوطني للابتكار في الوطن العربي يؤثر على عملية التنمية من خلال تأثيره على نقل وتوطين ثم توليد التكنولوجيا بشكل حقيقي ومن خلال تأثيره على توليد فرص عمل جديدة للمواطنين. والشكل (5) يبين بعض مؤشرات قياس وجود نظام وطني للابتكار.

تأثير ضعف النظام الوطني للابتكار على عملية التنمية في العالم العربي

تدل بعض الدراسات على وجود منظومة عربية غير مهملة للعلم والتكنولوجيا فهناك حالياً (عام 1996) ما يزيد عن 175 جامعة في الوطن العربي، ويزيد عدد الأساتذة في مجالات العلم والتكنولوجيا عن 50 ألف أستاذ، أما عدد الخريجين الجامعيين فيقارب العشرة ملايين منهم ما يزيد عن 700 ألف مهندس، ويصرف العالم العربي سنوياً ما يزيد عن سبعة بلايين دولار على التعليم العالي. من جهة ثانية توجد أكثر من ألف وحدة بحث وتطوير من كافة الحجوم يعمل فيها حوالي 19.1 ألف باحث. كما تدل إحصائيات مؤشر النشر العلمي ISIعلى أنه عام 1996 كان عدد النشرات العلمية التي شارك فيها باحثون عرب من العالم العربي يزيد عن 6652 مقالة. من جهة ثالثة توجد العديد من الشركات الصناعية الكبرى في مجالات البترول والبتروكيميائيات والصناعات الصيدلانية والكابلات الكهربائية والصناعات الغذائية وتجميع السيارات والأجهزة المنزلية وغيرها. وتدل الدراسات أيضاً على أن العالم العربي قد استثمر بين عامي 1980 و1997 ما يزيد عن 2500 بليون دولار في تشكيل رأس المال الثابت الإجمالي Gross Fixed Capital Formation GFCF. غلا أن هذه المنظومة العربية للعلم والتكنولوجيا وهذا الاستثمار الكبير في الأصول الثابتة لم يؤدِ في هذه الفترة إلى زيادة في دخل الفرد GDP/Capitaعلى مدار العالم العربي بل على العكس فقد انخفض هذا المؤشر في العديد من الدول العربية!!

إن منظومة العلم والتكنولوجيا العربية لم تتحول إلى نظام وطني للابتكار وذلك للأسباب التالية:

–         -عدم الوعي العام بأهمية ودور العلم والتكنولوجيا في التنمية.

–         -عدم وجود سياسات رسمية معلنة للعلم والتكنولوجيا مع آليات ووسائل محددة لتنفيذها.

–   -عدم وجود مؤسسات وسيطة تربط مركبات منظومة العلم والتكنولوجيا، مما يعيق تحول هذه المنظومة إلى نظام فعال للابتكار وسنأتي على ذكر سريع لهذه المؤسسات في هذا المقال.

–         -ضعف في عدد العلماء والباحثين وهجرة الكثير منهم إلى خارج الوطن العربي.

–   -ضعف الاستثمار العام والخاص في مجالات العلم والتكنولوجيا المختلفة مثل التعليم العلمي والتكنولوجي والبحث والتطوير والتقييس والمعايير ونشر المعلومات العلمية والتكنولوجية وأمثالها من مركبات البنية التحتية العلمية والتكنولوجية للبلدان العربية.

–         -عدم اهتمام القطاع الخاص بالاستثمار في البنية التحتية للعلم والتكنولوجيا وخاصة البحث والتطوير.

إن ضعف النظام الوطني الابتكار يؤدي إلى أن الاستثمار العربي في رأس المال الثابت لا يعود بالأرباح التي يفترض أن يعود بها، لأن الاستثمار في وسائل الإنتاج لا يعني نقلاً حقيقياً للتكنولوجيا وامتلاكاً لها بل يعني فقط زيادة في القدرات الإنتاجية. ولكن تكنولوجيات هذه القدرات تتقادم مع الزمن مما يجعل السلع والخدمات المسوقة منها غير قادرة على المنافسة العالمية الشديدة بعد فترة من الزمن لأن فعاليات الإنتاج العالمية المماثلة في الدول المتقدمة تخضع لعملية تطوير تكنولوجي مستمر من قبل نظام الابتكار الوطني الخاص بها، وهذا لا يحصل في العالم العربي الذي يحتاج لشراء قدرات إنتاجية جديدة كلما تقادمت تكنولوجيا القدرات التي يملكها، وهذا يقلل من عائدات الاستثمار العربي بشكل هائل. والشكلان رقم (6) ورقم (7) يوضحان هذا المفهوم بشكل مبسط. إن تجارب العديد من الدول النامية التي بدأت مسيرتها نحو التقدم والتنمية الناجحة ككوريا الجنوبية وسنغافورة وأيرلندا وماليزيا وغيرها صحة هذا المفهوم ونجاعته، ولا يسمح مقام هذا المقال في إيراد المؤشرات الرقمية والإحصائيات والجداول التي تدعم هذه النتيجة إلا أنها متوفرة للدارس الراغب بها.

نظام الابتكار الوطني والاستثمار في الأصول غير المادية في الوطن العربي

إن وجود مركبات منظومة العلم والتكنولوجيا وتفعيلها وربطها وتوجيهها لتصبح نظاماً وطنياً للإبداع يحتاج لاستثمار طويل الأمد في القوى البشرية واستثمار في المعرفة. وهذا الاستثمار هو استثمار في أصول غير مادية Intangible Assets، ولا بد للمسؤولين في الوطن العربي في القطاع العام وفي القطاع الخاص من الاهتمام بهذا النوع من الاستثمار، وزيادة الصرف فيه زيادة كبيرة إذا ما أردنا للنظام الوطني للابتكار الوجود والعطاء. إن الأصول المعرفية والتي تشكل حجر الأساس في اقتصاد المعرفة تأخذ أهمية بالغة مع قدوم القرن الحادي والعشرين. إن العديد م المؤشرات تدل على هذا التوجه العالمي مثل: نسبة القيمة المضافة المعرفية في تكلفة السلع والخدمات وهي نسبة آخذة بالارتفاع، نسبة الصادرات المعرفية من مجمل الصادرات للدول وهي آخذة في الارتفاع مع نهاية القرن العشرين، الزيادة في المصروف على البحث والتطوير لدى الشركات في القطاع الخاص، زيادة قيمة الأصول المعرفية في حساب أصول الشركات حتى أنها أصبحت تزيد عنها آلاف المرات!!! في بعض الأنواع من الشركات مثل شركات المعلوماتية وشركات شبكات الإنترنت، زيادة مدة التدريب للقوى العاملة عن السابق زيادة كبيرة كنسبة من حياة العامل وكذلك تكلفة هذا التدريب.

من جهة أخرى إن البلدان العربي بحاجة ماسة لتطوير نظام الاستثمار المخاطر بأنواعه في مجال الصناعات الجديدة المبنية على المعرفة والتكنولوجيا الحديثة الوطنيتين. وتشمل مؤسسات دعم الاستثمار المخاطر على مؤسسات مثل بنوك الاستثمار المخاطر Risk Capitalوبنوك أو مؤسسات رأس المال التطويري Development Capitalوصناديق إقـلاع الشركات الصغـيرة والمتوسطة Start-Up Fundوصناديق دعـم الابتكار Innovationوصناديق الائتمــان علــى الابتكــار Honeur’ Prets d

و Credit Guarantees for Innovation وصناديق توظيف العلماء والباحثين في الصناعة وفي القطاع الخاص وأمثالها، وكل هذه المؤسسات تعد من المؤسسات الوسيطة التي تؤدي إلى الربط بين البحث والتطوير من جهة والإنتاج والخدمات من جهة أخرى.

إن النظرة العربية للاستثمار في الأصول غير المادية أو الأصول المعرفية بحاجة لاكتساب الوضوح والبعد في الرؤى لأهميتها المركزية في عملية التنمية في القرن الحادي والعشرين.

نحو اكتساب التكنولوجيا في الوطن العربي، وبالتالي قطاعات إنتاجية وخدمية مستدامة ومنافسة

يشمل اكتساب التكنولوجيا إذاً على نقل فاستيعاب (أو توطين) فتوليد هذه التكنولوجيا. ولتحقيق ذلك ل ابد من قيام الدول العربية بصياغة سياسة العلم والتكنولوجيا تحدد فيها أهدافاً واضحة وأولويات مدروسة، والأهم من ذلك وضع استراتيجية وآليات لتنفيذ هذه السياسة. ويجب أن تكون هذه السياسة معتمدة رسمياً ومعلنة لتفعيل عناصر منظومة العلم والتكنولوجيا لكل بلد عربي وتؤمن آليات التنسيق بين هذه العناصر أي بين تكوين وتعليم وتدريب الأطر العلمية والتكنولوجية والبحث والتطوير واكتساب التكنولوجيا وتطوير الخدمات التكنولوجية، وهذا سيؤدي إلى تحويل منظومة العلم والتكنولوجيا غير الفعالة في الدول العربية إلى نظام وطني للابتكار أو الإبداع فعال، ولحسن الحظ تسعى بعض الدول العربية حالياً لتبني مثل هذه السياسات كالسعودية والكويت وعُمان وغيرهم.

ونوصي بأخذ الأسس التالية عند اعتماد هذه السياسات مع آليات لتنفيذها:

·      سياسات وتشريعات حماية ضد احتكار التكنولوجيا

·      قوانين ضمان نقل التكنولوجيا في عقود الاستثمار

·      تحسين القدرات التفاوضية في نقل التكنولوجيا

·      سياسات تطوير المعارف والخبرات وليس فقط المنتجات ووسائل الإنتاج

·      سياسة شراء التكنولوجيا غير مصحوبة بحقوق الملكية قدر الإمكان

·      تحفيز الـ R&Dلدى القطاع الخاص وتقويته في القطاع العام

·      زيادة الوعي العربي للأهمية المتعاظمة للأصول غير المادية (المعرفية)

·      تنمية نخبة تكنولوجية وطنية

·      التنبه إلى أن الاستثمار الأجنبي المباشر لوحده لا يضمن اكتساب التكنولوجيا

·      تبني سياسات عربية تحسن الوضع التفاوضي العربي لنقل التكنولوجيا

–         -شهادة المنشأ واحدة لكل الدول العربية

–         -سياسات ضد الاحتكار التكنولوجي

–         -تضافر جهود الـ R&D

·      تحسين وضع مؤسسات وخبرات وتشريعات إدارة التكنولوجيا

·      الانتباه للحلقة المفقودة في إدارة التكنولوجيا وخاصة:

–         -تشريعات ومؤسسات رأس المال المخاطر وعمليات تمويل اكتساب التكنولوجيا

–         -خبرات ومؤسسات التطوير الهندسي والتكنولوجي.

الخاتمة

تعتمد التنمية الاقتصادية والبشرية مع قدوم القرن الحادي والعشرين أكثر من أي وقت مضى على المعرفة واستعمالها في هذه التنمية وفق سياسة معتمدة رسمياً تنفيذها استراتيجية تستند إلى مبادرات ومشاريع وطنية والتكنولوجيا هي أهم عناصر هذه المعرفة. إن هذا النمط التنموي هو الذي سيقودنا إلى صناعة وزراعة وخدمات مستدامة ومنافسة.

المعرفة بأنواعها: كمعرفة العلوم والمعلومات عامة Know-what، وكمعرفة الكيفية أو الخبرات العلمية Know-How، أو معرفة الأسباب والعلل Know-why، ومعرفة أصحاب العلوم والمهن والتكنولوجيات Know-who. وكذلك العمليات المعرفية: كتوليد المعرفة Knowledge Productionوتوثيق المعرفة ثم نشر المعرفة وأخيراً استعمالها وتطبيقها. كل هذا يحتاج لوجود نظام وطني للابتكار.

إن البلدان العربية مدعوة مع قدوم القرن الحادي والعشرين بتحدياته وفرصه الكثيرة للاهتمام أكثر من أي وقت مضى اهتماماً كبيراً بمنظومة العلوم والتكنولوجيا لديها، والسعي لتحويلها إلى نظام وطني للابتكار. وهي أيضاً مدعوة لتغيير نظرتها للعلم والتكنولوجيا، فهو ليس ترف بل أساس بناء الدول وأساس التنمية وخاصة في القرن القادم.

 

المراجعReferences

–         -أنطوان زحلان "العرب وتحديات العلم والتقانة-تقدم من دون تغيير" مركز الدراسات الوحدة العربية، بيروت، آذار 1999.

–         -مركز التنمية الصناعية للدول العربية "نقل التكنولوجيا إلى الدول النامية"، جامعة الدول العربية.

–   -د. علي حبيش (إشراف على التحرير) "نقل التكنولوجيا" أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، الشبكة القومية للتنمية التكنولوجية، 1987.

–   -فرهنك جلال وآخرون "حيازة التكنولوجيا المستوردة من أجل التنمية الصناعية" الاسكوا، مركز الدراسات الوحدة العربية، بيروت 1987.

–         -"السياسات التكنولوجية في الأقطار العربية" الاسكوا، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 1985.

–   -"استراتيجية تطوير العلوم والتقانة في الوطن العربي" :المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 1989.

–         -فتح الله ولعلو "تحديات عولمة الاقتصاد والتكنولوجيا في الدول العربي"، اليونسكو، منتدى الفكر العربي، 1996.

–   -محمد مرياتي "البعد الجديد لنظام الإبداع الوطني ومنظومة العلم والتقانة في عملية التنمية في القرن الحادي والعشرين" مجلة العلوم، الاسكوا، تونس، كانون الأول/ ديسمبر 1999.

–   -محمد مرياتي "التكنولوجيا الحديثة واقتصاد المعرفة"، المؤتمر العلمي الدولي السابع لنقابة خبراء المحاسبة المجازين في لبنان، بيروت 14-16 أيلول/ سبتمبر 1999.

–   -محمد مرياتي، "السياسات التكنولوجية في الدول العربية"، ورشة العمل القومية حول مفاوضات نقل التكنولوجية والتعاقد، المنظمة العربية للتنمية الصناعية والتعدين مع الدار السعودية للخدمات الاستشارية، الرياض، 31 تشرين الأول/ أكتوبر- 3تشرين الثاني/نوفمبر 1999.

–   -محمد مرياتي "تفعيل دور العلم والتكنولوجيا عبر رسم سياسات ووضع الاستراتيجية وتنفيذها"، مؤتمر البحث العلمي والتطوير التكنولوجي ودورهما في تعزيز المقدرة التنافسية للقطاع الصناعي في دول مجلس التعاون الخليجي، المنامة، البحرين، 12-14 تشرين الأول/ أكتوبر 1998.

–         -محمد مرياتي، عمر فاروق البوري، باسيل خوري، أحمد الحاج سعيد "استراتيجية عربية لاكتساب العلم والتقانة واستخدامها لأغراض التنمية على المستوى العربي"، المنظمة العربية للتربية والثقافة في المعهد العالي للعلوم التطبيقية والتكنولوجيا، دمشق 1991.

–         –تقرير التنمية البشرية لعام 1999، برنامج الأمم المتحدة للتنمية UNDP.

–         -على خليفة الكواري "نحو استراتيجية بديلة للتنمية الشاملة"، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، حزيران/يونيو 1986.

–   -المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، مركز دراسات الوحدة العربية "استراتيجية تطوير العلوم والتقانة في الوطن العربي" مركز دراسات الوحدة العربية، آب/أغسطس 1989.

–   -نبيل النواب، نادر فرجاني "مستقبل التعليم والبطالة في الوطن العربي" المعهد العربي للتخطيط مستقبل التنمية في الوطن العربي، 1988.

–   -محمد مرياتي "التكنولوجيا الحديثة واقتصاد المعرفة" المؤتمر العلمي الدولي السابع لنقابة خبراء المحاسبة المجازين في لبنان، بيروت، تشرين الأول/ أكتوبر 1999.

–          -J.L. Enos “the creation of Technological Capability in Developing Countries” ILO Printer, London, 1991.

–          -Nagesh Kumar “Technology Generation and Technology transfer in the World Economy” Recent Trends and Implications for Developing Countries" The United Nations University. INTECH, 1997.

–          -M. Mrayati, "The Missing Links in Managing R&D in the ESCWA Region" EGM on "Project Planning and Management in R&D and Quality Institutions", Beirut, ESCWA 21-23 September 1999.

–          -M. Mrayatil, "Exploiting R&D Effectively: Turning Results into Business 3rd Conference on Industrial R&D, Beirut 19-25 October 1999. The Lebanese National Council for Scientific Research and The Association of Lebanese Industries.

–          -M. Mrayati, "Implementing S& T Policies and Strategies",EGM on Science and Technology Policies for the 'Is' Century, ESCWA, Beirut, 10-12 March 1999.

–          -"Assessment of Research and Development in the ESCWA Member Countries"E/ESCWA/TECFI/1997/5, 28 August 1997.

–          -"Science and Technology Policies in the Twenty-First Century"E/ESCWA/TECWI999/4, 14 September 1999.

–          -"Proceedings Of the Expert Group Meeting on Science and Technology Policies and Strategies in the ESCWA Member Countries for the 21 Century Beirut, 10-12 March 1999, E/ESCWA/TECWI999/8, December 1999.

–          -D. H. Dalton, M.G. Serapio, "Globalizing Industrial Research and Development" U.S. Department of Commerce, Office of Technology Policy, Asia-Pacific Technology Program, October 1995.

–          -L. Alcorta, W. Perts "Innovation Systems and Technological Specialization in Latin America and the Caribbean", Research Policy, 26 (1998) pp 857-881.

–          -"Assessment of Research and Development in the ESCWA Member Countries" E/ESCWA,;T[–CHI'1997/5, 28 August 1997.

–          -"R&D Systems in the Arab States: Development of S&T Indicators" UNESCO, ESCWA, E/'ESCWA/TECIVI998/3,4, Nov. 1998.

–          -"Higher Education Systems in the Arab States: Development of S&T Indicators" UNE-SCO, ESCWA, E/ESCWA/TECW1998/1, 16, Nov. 1998.

–          –"R&D Systems in the Arab States Achievements and New Commitments toStrengthen Them" ALECSO, World Conference on Science, Budapest 1999